أثار قرار تعليق الصلاة بالمساجد في مصر والوطن العربي جدلاً واسعاً فالبعض يراه إجراء عادي لمواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد، أما البعض الآخر رأه أمر غير مقبول وثار هنا وهناك يتحدث بغير علم وهاجم قرار إغلاق المساجد، وظهر اتجاه مختلف يشير إلى أن غلق الحرم المكي من علامات الساعة بلا دليل على صحة المعلومات التي تدوالها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أما بعض المفكرين أشاروا إلى ضرورة مراجعة الحسابات واللجوء والتضرع إلى الله لكشف هذه الغمة، وهذا ما دفعنا لنرصد في هذا التقرير تاريخ إغلاق العمائر الدينية في مصر والوطن العربي، وعدد المرات التي توقفت الصلاة فيها على مستوى العالم أجمع. كشف الدكتور محمد حمزة، الخبير الأثري وعميد كلية الآثار ومساعد رئيس جامعة القاهرة السابق، ل "الأسبوع" عن أن الحرم المكي على مدار تاريخه أُغلق 40 مرة ويعتبر أكبر رقم في الغلق على مستوى مساجد العالم، موضحاً أن بينهم مرتين قبل ظهور الإسلام مرتبطين ببيت الله الحرام الأولى منهما أشار إليها القرآن الكريم في سورة الفيل عندما أراد إبرهة الحبشي عام 569 ميلادياً، أما الثانية كانت قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم بخمس سنوات أي كان عمر النبي صلى الله عليه وسلم حينها 35 عام حدثت سيول وأمطار غزيرة في مكة ترتب عليها هدم الكعبة، وبالتالي توقف الطواف بها إلى أن عادت قريش بناء الكعبة وترتبط هذه الحادثة باختلاف قريش على مَن يضع الحجر الأسود، واتفقت قبائل قريش بتحكيم أول شخص يمر عليهم فكان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي وجد حلاً لهذا الخلاف بوضع الحجر الأسود على ثوب كل قبيلة أمسكت بطرف من أطراف الثوب، وشرفت جميع القبائل بوضعه في مكانه. وأوضح "عميد كلية الآثار السابق" أنه بعد ظهور الإسلام تم تعليق الشعائر وأداء مناسك الحج والعمرة لمرات عديدة، أشهرهم ما حدث جراء الصراع بين الأمويين وعبدالله بن الزبير كان ذراع بني أمية وقتها هو الحجاج بن يوسف الثقفي الذي كلفه الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بقتل بن الزبير في الحجاز، مما جعل بن الزبير يتحصن بالكعبة ليحاصرها بن مروان من أجل قتله، واشتد الصراع حتى أن عبد الملك بن مروان ضرب الكعبة بالمنجنيق ومُنعت الصلاة وتوقف الطواف بالمسجد الحرام، متابعاً أن الحوادث السياسية هي أكثر الأسباب لوقف الشعائر الدينية بالبيت المحرم، وهناك حادثة سياسية أخرى تسبب فيها "القرامطة" الذين كانوا ينتمون للمذهب الشيعي في عام (317 ه 930 م) حيث استولوا على الحرم المكي، ومنعوا الحج والطواف كما أنهم سرقوا الحجر الأسود لعاصمتهم (هجر) الواقعة حالياً في مملكة البحرين، إلى أن جاء الخليفة المنصور بالله الفاطمي والد الخليفة المعز أعطاهم المال مقابل استرجاع الحجر الأسود إلى موضعه بعد 22 عام من سرقته. كما سرد الدكتور محمد حمزة أحداث انتشار داء قاتل بمكة عام 357 ه ترتب على أثره إيقاف الشعائر بالحرم المكي، أيضاً السيول الضخمة التي تعرضت لها مكة عام 1629 م وتسببت في إيقاف المناسك وتأدية الشعائر، إلى أن جاء السلطان العثماني مراد الرابع أعاد بناء الكعبة وعمل باب جديد لها وهذا الباب ما زال موجود في متحف آثار الحرم المكي حتى الآن، أما في عام 1830 م جاء وباء من الهند تعطلت بسببه أيضاً الشعائر الدينية بالبيت المحرم، تلاه وباء آخر في عام 1837 م وفي عام 1883 م و1892 م كانت هناك سلسلة متتالية من الأوبئة من عام 1830 م وحتى آخر القرن تسببت جميعها في إيقاف الصلاة والشعائر ومناسك الحج والعمرة بالبيت العتيق، مستكملاً أنه في عام 1940 م ضربت مكةسيول وأمطار لم تشهدها من قبل حتى أنهم أطلقوا على هذا العام "عام السيل"، حيث أن الماء غطى باب الكعبة مما منع الناس من الطواف إلا أن البعض أصر أن يسبح ويطوف حول الكعبة في هذه الظروف، وخلدت الصور الفوتوغرافية هذا المشهد لهؤلاء السباحين الذين فعلوا ذلك. واستكمل الخبير الأثري تاريخ غلق الحرم المكي بأنه في 20 نوفمبر من عام 1979م استولى جهيمان العتيبي على الحرم بقوة السلاح لمدة أسبوعين بعد ادعائه بأن صهره محمد القحطاني هو المهدي المنتظر، وبالتالي توقفت الشعائر 14 يوماً حتى استطاعت السلطات السعودية القضاء على هذه الفتنة بتاريخ 4 ديسمبر لعام 1979م.