بعد عودته من مهرجان "دبا الحصن" بالشارقة... عاد الشاعر والكاتب المسرحي ميسرة صلاح الدين، من الإمارات مؤخراً، بعد مشاركته بفعاليات الدورة الخامسة لمهرجان "دبا الحصن للمسرح الثنائي"، الذي اقامته إدارة المسرح بدائرة الثقافة في إمارة الشارقة. شارك ميسرة صلاح الدين، ضمن محور "المسرح والخيال"، ب"ورقة عمل" عنوانها "الصورة التي لا تكتمل/ قراءة في تقنيات مسرح ما بعد الدراما"، وكان ل"الأسبوع" معه هذا الحوار: ** مبدئياً، ما المقصود بمصطلح "مسرح ما بعد الدراما"، وما مضمون ورقة العمل التي شاركت بها في "دبا الحصن"؟ في عام 1999، ظهرت دراسة للباحث الألماني "هانز سيز ليمان"، وضع فيها تصورات لمفهوم ما بعد الدراما، كأحد الظواهر المسرحية الجديدة، وجمع سمات مشتركة لعدة أشكال من المسرح، كالتسجيلي والوثائقي والعبثي ومسرح الشارع والمهمشين، وغيرها من الأشكال المستحدثة أواخر القرن العشرين، وتدور فكرة البحث الذي شاركت به في مهرجان "دبا الحصن" حول تطورات المسرح بداية من الحرب العالمية الثانية، والمبنية على فكرة "التفكيك"، وإعادة صياغة الماضي بمنظور معاصر، فأنا أؤمن بمقولة الفنان الفرنسي "أونوريه دومييه": "على الفنان أن يكون إبن عصره". ** ولكن هذا المصطلح، ما بعد الدراما، يبدو غريباً بعض الشيء على فنون المسرح العربي، فهل وجدت صعوبة في الاستناد إلى المراجع؟ بالفعل، لا توجد مراجع كافية باللغة العربية في هذا المجال، ولجأت للنسخة الإنجليزية من كتاب "مسرح ما بعد الدراما"، للباحث الألماني "ليمان"، وهو بالمناسبة مسرح يبحث عن "متلقّ" جديد، ويعتمد بالأساس على التعبير الحركي ولغة الجسد، كأحد العناصر الرئيسية لمسرح ما بعد الدراما، كما يعتمد بشكل كبير على تقنيات التكنولوجيا الحديثة كملفات الصوت والخدع البصرية. (( تراجع دور النص)) ** ألا يطغى هذا النوع من التحديث على دور النص المسرحي؟ في هذا النوع من المسرح، يتراجع دور النص والحبكة الدرامية، بشكل كبير، فلم يعد لنظريات أرسطو ذات البداية والوسط والنهاية، وجود في مسرح ما بعد الدراما، ولا يمكن تأويل الأحداث بشكل مفهوم وموحد الرؤية، ولكنها أحداث وتقنيات مستخدمة على خشبة المسرح، دون تأويلات واضحة، وربما دون تأويلات على الإطلاق. ** ماذا استفدت من تجربة مشاركتك كباحث، في مهرجان "دبا الحصن"، بعد تعدد مشاركاتك السابقة في مهرجانات عربية، كشاعر؟ لاحظت أن دولة الإمارات العربية الشقيقة، مهتمة بالفن والمسرح، وحريصة على خلق جيل جديد من الشباب والأطفال المتذوقين للفنون، والمتفاعلين معها في غطار بناء إنسان جديد، وظهر ذلك بوضوح خلال مهرجان "دبا الحصن"، بإقامة ورش عمل تفاعلية مع طلاب المدارس، والمدرّسين، وكان لغير المتخصصين أيضاً، من جمهور الشباب والأطفال تواجد كبير بحضور فعاليات المهرجان، والعروض المسرحية، وورش العمل. ** أنت ككاتب مسرحي، قدمت عدداً من العروض المسرحية، التي لاقت إقبالاً جماهيرياً بين الشباب، حدّثنا عنها. شاركت في مهرجان "دبا الحصن" كباحث فقط، وتم تقديم عدة عروض مسرحية من "5" دول عربية بالمهرجان، ولكني في مصر، قدّمت عدداً من العروض المسرحية، أذكر منها: الآخر "مسرح تجريبي"، وترام الرمل، بار الشيخ علي، أحوال شخصية، خفيف الروح، الفيلسوف "عن حياة وأشعار صلاح جاهين"، الورد البلدي "مسرحية إذاعية". ** لك نشاط ملحوظ في السنوات الأخيرة ك"مترجم" أيضاً، فهل تختار نوعية محددة من الروايات لترجمتها؟ على حسب الظروف، قد تعرض عليّ دور النشر عدداً من الروايات لأختار من بينها، وقد يتم تكليفي بترجمة روايات بعينها، ومن الروايات التي صدرت لي خلال العام الحالي، كمترجم، رواية بعنوان "الغربة"، وهي رواية للكاتبة البرتغالية "دولسي ماريا كارادوزا"، والتي تم تصنيفها كواحدة من أفضل "10" ورايات صدرت في أوروبا عام 2014، وهي قصة حقيقية مرّت بها الكاتبة، صاغتها في قالب درامي حول إجبارها على العودة إلى موطنها الأصلي البرتغال، بعد أن ولدت وعاشت عمرها في أنجولا، التي كانت في الماضي إحدى مستعمراتها، لتعيش الكاتبة حالة من الاغتراب النفسي والتمزق بين الوطن الأصلي وموطن الميلاد والنشأة. كما قمت بترجمة رواية "الناقوس الزجاجي"، سيرة ذاتية للمؤلفة والشاعرة الأمريكية "سيلفيا بلاث" التي أنهت حياتها بالانتحار، وتدور روايتها بالأساس حول فكرة الاغتراب والتخلص من الحياة، حيث خاضت المؤلفة خلال رحلتها محاولات سابقة للانتحار باءت بالفشل، حتى نجحت آخر محاولاتها، ولفظت أنفاسها. وكانت الرواية الثالثة التي ترجمتها، بعنوان "كل جزري الوحيدة"، للكاتبة الفلبينية "ميجي كامبيلان"، وتدور أحداثها حول جريمة ارتكبها شباب فلبيني ومعاناتهم من عذاب الضمير. ** يبدو هناك خيط مشترك بين الروايات الثلاثة الأخيرة، وكأنه بُعد درامي للاغتراب النفسي رغم اختلاف البيئات والبلاد التي دارت فيها الأحداث، فما السر وراء ذلك؟ وهل تؤثر مثل هذه الكتابات النفسية "المعذّبة" على من يترجمها؟ ((اكتئاب الترجمة)) يضحك ميسرة، ويأخذ رشفة من فنجان قهوته "المضبوطة"، ويقول: لقد تعرضت لحالة نفسية سيئة خلال ترجمتي لهذه الروايات، ربما وصلت إلى درجة الاكتئاب، من فرط التوحد مع الشخصيات التي تتألم بفعل الغربة والوجع النفسي، خاصة مع رواية الكاتبة التي انتحرت بالفعل، والتي كانت تشرح في روايتها كيفية الانتحار، وبرغم اختلاف جنسيات مؤلفات الروايات، إلا أن المشاعر والأحاسيس النفسية واحدة لدى كل البشر، وما يختلف فقط هو طرق التعبير عنها. ** تأخذني حالة التوحد التي تتحدث عنها، إلى التساؤل عن خطوات معايشتك، كمترجم، لأماكن الأحداث، وشخوص رواياتك، فكيف تستطيع التعايش معها، وهي في بيئات مختلفة، لم تعش فيها أنت على أرض الواقع؟، المعايشة تأخذ مني مجهوداً شاقاً، ووقتاً طويلاً، بالبحث والدراسة، ومعرفة أدق تفاصيل الأماكن التي تدور فيها الأحداث، لفهم طبيعة الشخصيات وعلاقاتهم المتشابكة، وطرق تعبيرهم عن أفكارهم ومشاعرهم، وقد أكسبني عملي كمترجم، ثقافة وزوايا جديدة، واطلاع لا نهائي على العالم، بمختلف أجناسه، وقد سبق لي ترجمة روايات أخرى، منها "الجبل العميق"، و"تلغراف"، و"قصص شعبية للأطفال. ** ألم يأخذك عالم الترجمة، من إبداعك الأصلي، كشاعر متميز له العديد من الدواوين الشعرية على مدار عشرين عاماً؟ كان أول ديوان لي "أنا قلبي مش فارس"، عام 2000، وتوالت بعده الدواوين، شباك خجل، أرقام سرية، الاسد الحلو، حرب الردة، وبينهم سنوات من النضج والقراءة والاطلاع، وتمكنت من فهم الكتابة، ودوافعها، بشكل أعمق، وبالمناسبة فإن لي ديوانين تحت الطبع، أحدهما تجربة ذاتية مهمة في سياق أعمالي، ولكن مع تعدد كتاباتي بين المسرح والترجمة، تمكنت من التعمق في التجربة الأدبية المعاصرة، وتحررت من الأشكال التقليدية للكتابة، وأتمنى أن يلاحظ القاريء ذلك في دواويني المقبلة.