"كنت فين ياخشب لما كنا نجارين"، لا أدري لماذا يلح علي هذا المثل الشعبي هذا الأسبوع الذي يضج بالأحداث السينمائية، من استعدادات ساخنة لانتخابات نقابة المهن السينمائية في مصر، ولفحة ساخنة لأفلام كسرت موجة السينما النظيفة التي اجتاحت السينما المصرية في السنوات الاخيرة رافعة الشعار الوهمي لنظافة زائفة لاعلاقة لها بالفن السينمائي، بل هي "أوحلت" السينما في "طين" السطحية والبلاهة والابتذال والردة الفنية والثقافية التي اصابت الشارع السينمائي في مقتل. كما مرت هذا الاسبوع ذكري يوسف شاهين لتمنح المناخ لحظة سخونة ماأحوجه اليها، وما أحوجنا أيضاً لمخرج مثله كان قد هيأ حياته كلها للسينما، وكنا نظنه دائماً انه في "كفة" والسينما المصرية بل والعربية كلها في "كفة" اخري، وغالباً ما كانت ترجح "كفة" يوسف شاهين لانتصاره الدائم لقناعاته الخاصة بالفن السينمائي، حتي وإن كانت لا تعجب اخرين يلجأون في الغالب الي مرفأ الاستسهال. هذا الاستسهال الذي يفتح "شلال" الهجوم علي الفنانين كلما أتيحت الفرصة والمناسبة، كهذا النجوم الذي تعرض له عادل امام مؤخراً بسبب وقفته الاحتجاجية بعد استشهاد الجندي المصري في أحداث المعبر الآخيرة، حيث طالبت بعض الأقلام بأن يتفرغ الفنان لفنه فقط دون أي داع لأن "يحشر" نفسه فيما لا شأن له به، ولاأعرف لماذا يجب أن يفصل الفنان نفسه عن مجتمعه وأن يعيش "مرتاح البال والدماغ" من الأحداث المحيطة به، كما افترضت هذه الأقلام. فبغض النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا مع عادل إمام ألا يكفل له الدستور كمواطن مصري أن يعبر عن رأيه وأن يبوح ويصرخ ويقف محتجاً، أم أننا نفضله "أخرس" بلا صوت لمجرد أن رأيه لايعجبنا أو لايتوافق مع وجهة نظرنا في الحياة والمجتمع والناس.. هل الأفضل أن يكون نجومنا لهم نصيب من الثقافة وحرية التعبير مثل عادل إمام ونور الشريف 'مع الفارق في قناعات ورؤي الاثنين' ولا أن يكونوا جهلة وخائفين وملتزمين بالقاعدة السخيفة "امشي جنب الحيط". هذه القاعدة التي رفضها مخرج مثل أسامة فوزي، فأطل علينا بفيلمه "بالألوان الطبيعية" الذي يكشف حقيقة مجتمع يحرم الفن ويتعامل معه علي أنه "عورة" يجب اخفائها.. مجتمع ازدواجي يسمح بالرذيلة في الخفاء ويمنع الفن في العلن، في مقابل فيلم لخالد يوسف هو "كلمني شكراً" صحيح أنه يكسر موجة السينما النظيفة لكنه لاينتصر لأحلام خالد يوسف نفسها في تقديم سينما تنير ظلمة المجتمع، وعلي ضفة أخري يقف فيلم المخرج داود عبدالسيد "رسائل البحر" الذي يعرض البرومو الخاص به حالياً ويتوقع أن يتواصل مع الموجة المناهضة لاستسهال السينما وفقاعات الصابون التي تتطاير ولا تنظف. وعلي أي حال فالسينما المصرية لاتتوقف معاناتها عند هذه الفقاعات، فهناك الكثير من المنحنيات الوعرة التي تهدد طريقها والتي تكشفت اكثر مع الانتخابات الآخيرة لنقابة المهن السينمائية والتي يقف فيها رمز للأحلام القديمة هو المخرج علي بدرخان في مقابل صورة التغيير التي تتمثل في المخرج خالد يوسف، وبينهما تتشابه الآسماء سواء كان سكرتير النقابة مسعد فودة أو مخرج المنوعات التليفزيوني شكري أبو عميرة أو غيرهما من اسماء تسعي للفوز بمقعد النقيب، ولعلهم جميعاً يدركون أن قضايا السينما والعاملين بها أهم من الفوز بمقعد يظل مجرد صورة و"برستيج" لمن يجلس عليه وليس للسينمائيين. "برستيج" لم يحلم به مخرج مثل يوسف شاهين الذي حلت علينا ذكراه هذه الأيام، فنشعر بمدي افتقادنا لفنان كانت لاتعنيه "المظاهر الخادعة" وكان يمتلك من الشجاعة ليعبر عن رأيه وأن يقول "للأعور ياأعور في عينه" حتي لو لم يكن يعجب ذلك الآخرين، المهم أن يكون مقتنعاً بما يفعله ويشعر بالرضا لأنه صنع فيلماً أو ساهم في بناء فنان، وليس بناء جسور من الأوهام الوظيفية التي كانت لاتقنع فناناً مثله جعل من الديك شعاراً لشركته ' مصر العالمية' لأنه أحب الديك منذ طفولته، كما ذكر الناقد الأستاذ سمير فريد في إحدي مقالاته، فقد كان الديك ، والقول لسمير فريد، ولايزال شعار شركة باتيه الفرنسية التي عشق أفلامها، وظل يحلم في شبابه بأن تكون له شركته الخاصة ويتخذه شعاراً لها أيضاً، حتي حقق الحلم ، وقد كان يوسف شاهين يحب الحياة اللذيذة التي يوفرها المال ولكنه لم يحب المال، ولم يستهدف من إنشاء شركته تحقيق الأرباح، وإنما الحصول علي أكبر قدر ممكن من الحرية في التعبير، ولم يستهدف أن تمنح الشركة هذا القدر من الحرية له وحده، وإنما أيضاً لمخرجين كبار آخرين، وكذلك لتلاميذه ومحبيه من المخرجين.