أيام فى أوكار الموت والإرهاب والدمار... الحلقة الأولى .. الطريق إلي بنغازى فى الصباح الباكر مضيت إلى مطار برج العرب القريب من مدينة الإسكندرية، كنت قد عزمت على السفر إلى ليبيا، بعد أن تلقيت دعوة كريمة من الصديق د.عبدالهادى الحويج وزير الخارجية الليبى، الذى كنت قد التقيته فى القاهرة أكثر من مرة. فشلت كل المحاولات السابقة لسفرى أو سفر آخرين إلى ليبيا لأسباب أمنية، ومخاوف من الأوضاع داخل ليبيا، ألح على الصديق محمد الورفلى وهو صديق ليبى قديم، أعرفه منذ نحو عشرين عاما مضت، أبلغنى الدعوة، وكان على ثقة بأننى قطعا سأسافر وألبى الدعوة، كنت على يقين بأن الأمر لن يكون بهذه السهولة، لكنه ظل مصممًا.. فى الموعد المحدد الاثنين 13 يناير 2020، اتفقنا على السفر عبر مطار برج العرب، على الطائرة الليبية المتجهة إلى بنغازى، قال لى الورفلى: إنه اتفق مع مدير شركة الخطوط الليبية على حجز تذكرتين للسفر على متن الطائرة التى ستغادر في نحو الثانية والنصف. كانت هناك محاولة للسفر عبر مطار عمان بالأردن، حيث الطائرة الإفريقية التى تتجه مباشرة إلى بنغازى، والأمر هنا لا يحتاج إلى تصريح مسبق، لكننى تراجعت فى اللحظات الأخيرة عن ذلك، وقلت: لن أسافر إلا عبر مطار بلدى، فليس معقولاً أن يظل الباب مغلقًا منذ أن اتخذت الحكومة المصرية قرارها بمنع سفر المصريين إلى ليبيا بعد الأحداث التي شهدتها مدينة سرت وأدت إلى ذبح )21( من المصريين الأقباط الذين كانوا يعملون على الأرض الليبية، وجرى اختطافهم، وذبحهم فى مشهد تقشعر له الأبدان، ونال سخطا وغضبا مصريا كبيرا. لقد سادت حالة من الحزن الشديد قطاعات الشعب المصرى المختلفة بعد أن بث تنظيم داعش الإرهابى فيديو لعملية ذبح المصريين الأقباط المختطفين فى 15 فبراير 2015، حيث ساقوهم واحدًا تلو الآخر، وأجلسوهم القرفصاء، وبدأوا عملية الذبح، حيث أظهرت الصور تلون مياه البحر بلون الدم.. وبعد نشر الفيديو، وجه الرئيس عبدالفتاح السيسى الدعوة لعقد اجتماع لمجلس الدفاع الوطنى لبحث كيفية الرد على المذبحة، بعد أن أصدر بيانًا نعى فيه إعدام هؤلاء الرهائن الذين جرى اختطافهم فى وقت سابق على يد تنظيم داعش.. كانت العملية الإجرامية قد بدأت فصولها فى الثلاثين من ديسمبر 2014، حيث جرى اختطاف سبعة من العمال المصريين الأقباط فى مدينة سرت شرق ليبيا، أثناء عودتهم إلى مصر بعد تردى الأوضاع داخل ليبيا، بعدها تم خطف )14( آخرين فى 3 يناير 2015، حيث جرى اقتيادهم من مساكنهم ليلاً، وكانوا جميعهم من محافظة المنيا بصعيد مصر. لقد تقدم الأهالي بشكاوى عديدة إلى الجهات المصرية المعنية، وتم رفع الأمر إلى رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى الذى أمر بإنشاء خلية أزمة داخل وزارة الخارجية لمتابعة قضية المخطوفين، على أن تبقى هذه الخلية فى حال انعقاد دائم، وضمت ممثلين عن كافة الوزارات والأجهزة الأمنية المعنية. لقد تواصلت الخلية فى هذا الوقت مع العديد من شيوخ القبائل الليبية وكذلك الحال مع السلطات الليبية بالإضافة إلى عدد من وزراء الخارجية الأوربيين بالإضافة إلى وزير الخارجية الأمريكى «جون كيرى» بهدف تحرير المختطفين وضمان عودتهم سالمين. كان أهالى المختطفين لا يتوقفون عن إجراء الاتصالات مع كافة الجهات المعنية فى مصر، حتى وصل بهم الأمر إلى التظاهر أمام مبنى وزارة الخارجية المصرية للمطالبة بسرعة الوصول إلى حل يضمن الإفراج عن ذويهم من المختطفين. وبعد مرور عدة أسابيع علي الاختطاف نشر تنظيم داعش فى ليبيا فيديو مدته )5( دقائق على الإنترنت يظهر عملية ذبح المختطفين )21 شخصا( بطريقة مشينة، وذلك فى 15 فبراير 2015.. بعدها مباشرة أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كلمة مصورة له «أنه حان الوقت للتعامل مع الإرهاب بدون أى ازدواجية في المعايير، وقال: «إن مصر تمتلك حق الرد ضد تنظيم داعش»، وقال مقدما العزاء لأسر الضحايا: «إن المصاب هو مصاب كلها، وأن هذه الأعمال الجبانة لن تنال من عزيمة مصر، وأعلن أن أول قراراته هو دعوة مجلس الدفاع الوطنى للانعقاد والتباحث حول القرارات والاجراءات المقرر اتخاذها». وطلب الرئيس من وزير خارجيته سامح شكرى التوجه إلى واشنطن لإجراء الاتصالات العاجلة مع الأممالمتحدة للمشاركة في اتخاذ قرارات مهمة ضد الإرهاب، مؤكدًا أنه قد آن الأوان لهزيمة الإرهاب مرة أخرى. وفى نفس اليوم وجه الرئيس حكومة رئيس الوزراء إبراهيم محلب باتخاذ الاجراءات التى تقضى بمنع سفر المصريين إلى ليبيا لحين استقرار الأوضاع الأمنية هناك. كان الضحايا ينتمون إلى خمس قرى بمحافظة المنيا فى صعيد مصر، وقد اكتست هذه القرى ومعها كل أبناء مصر بلباس الحزن، حيث غطى هذا الحدث على كافة الأحداث الأخرى، وبات المصريون فى انتظار رد الفعل المصرى على هذه الجريمة النكراء التى وقعت فى منطقة «السبعة» غرب سرت بحوالى 7 كيلو مترات. وفى السادس عشر من شهر فبراير 2015 شنت القوات الجوية المصرية غارات قوية ومكثفة علي مواقع تنظيم داعش فى ليبيا وتحديدا فى درنة ردًا على مذبحة الأقباط وقد جرت هذه العملية بتنسيق مشترك مع الجهات الليبية وبموافقة منها وأن حصيلة القتلى من هذا التنظيم بلغت 64 قتيلاً من جراء الغارة الجوية. وقد أحدث هذا الرد ردود فعل ايجابية فى كافة الأوساط المصرية- الليبية على السواء، باعتباره أول رد فعل قوى يستهدف هذه الميليشيات التى باتت تشكل خطرًا على الأمن القومى المصرى والليبى على السواء. لقد كانت الأوضاع التي نجمت عن أحداث 17 فبراير 2011 وسقوط حكم العقيد معمر القذافى بعد تدخل حلف الناتو قد شهدت تدهورًا شديدًا، كما شهدت البلاد حالة من عدم الاستقرار والاضطرابات وتغلغل الميليشيات الإرهابية فى شتى المناطاق وسيطرتها على العديد من مفاصل الدولة الليبية. كانت مصر تتابع هذه الميليشيات، وتحذر من خطورتها خوفا من امتدادها إلى داخل البلاد، خاصة أن ليبيا تشترك مع مصر فى حدود برية تبلغ أكثر من ألف كليو متر، خاصة أن الأجهزة الأمنية المصرية كانت تعرف حجم التعاون بين هذه الجماعات الإرهابية فى ليبيا وبين جماعة الإخوان وبعض التنظيمات الإرهابية الأخرى فى مصر، وكذلك عمليات تهريب الأسلحة التى كانت تأتى من ليبيا إلى مصر ومنطقة سيناء تحديدا.. عندما جرى إعدام ال21 من الأقباط المصريين فى 12 فبراير 2015، وإعلان ذلك بنشر الفيديو فى 15 فبراير كان طبيعيًا أن ترد مصر بكل حسم وقوة.. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد نشرت وسائل الإعلام المحلية فى ليبيا أن هذه الجماعات ألقت القبض على نحو 35 مصريًا آخرين، معظمهم من العمال الزراعيين. فى هذا الوقت أكد العميد صقر الجروشى قائد القوات الجوية الليبية أن الطلعات الجوية التى نفذتها القوات المصرية بالتنسيق مع ليبيا استهدفت معاقل للإرهابيين بمدينة درنة وأن المحصلة الأولية أشارت إلى مقتل 50 إرهابيًا منتمين لتنظيم داعش. وقال الجروشى: «إن استهداف درنة جاء كونها تحتوى على مراكز لتدريب الإرهابيين الذين قدموا إلى ليبيا عبر ميناء درنة من سوريا والعراق، فضلا عن إرهابيين آخرين من السودان وموريتانيا، حيث أقاموا مراكز تدريب داخل المدينة القريبة بين الحدود المصرية- الليبية. فى هذا الوقت كان المشير خليفة حفتر القائد العام للقوات المسلحة الليبية يتابع الأوضاع ويقوم بالتنسيق مع الحكومة المصرية.. حيث اعتبر أن الجريمة التى وقعت ضد المصريين على يد تنظيم داعش الإرهابى جريمة بشعة تكشف حجم الخطر الذى تواجهه الدول العربية ومما يستدعى ضرورة التكاتف والتوحد من أجل مواجهة وملاحقة هؤلاء المجرمين. وقال إنه يؤيد وبقوة التدخل العسكرى المصرى فى ليبيا لضرب تنظيم داعش الإرهابى وغيره من المجموعات الإرهابية حيث إن هؤلاء الإرهابيين ينشرون الفزع والرعب والخوف فى نفوس الليبيين قبل المصريين، وقال: «إننا نتعاون مع مصر للقضاء عليهم». لقد كان هذا الحادث الإرهابى هو السبب الرئيس فى القرار الذى اتخذته الدولة المصرية بمنع سفر المصريين إلى ليبيا نتيجة هذه المخاطر، وفتح مصر الأبواب لعودة المصريين العاملين فى ليبيا حرصًا على حياتهم. كنت أدرك هذه الحقائق، والمخاوف التى اعترت الجهات الأمنية المصرية حرصًا على حياة العاملين المصريين المقيمين فى ليبيا، وكذلك الذين ينوون السفر إلى هناك في مثل هذه الظروف الصعبة. عندما وصلت إلى مطار برج العرب يوم الأحد 19 يناير وجدت مدير أمن المطار في انتظارى، اصطحبنى أنا وصديقى إلى داخل المطار، ثم إلى مدير الجوازات داخل المطار، الذى اعتذر إلى بلطف شديد، وقال: أنت تعرف أن السفر إلى ليبيا ومنذ ذبح الأقباط المصريين يتم بتصريح خاص من الجهات الأمنية، ولذلك لا يمكن سفرك إلا بعد الحصول على هذا التصريح، أجريت اتصالات بالعديد من المسئولين الأمنيين، فكان الرد لابد من التصريح، ولابد أن تتقدم أولا بخطاب إلى رئيس مجلس النواب للتنسيق مع الجهات الأمنية. كنت قد تقدمت بهذا الخطاب قبل هذا الموعد بنحو شهر تقريبا، إلا أننى أخطرت بأن الجهات الأمنية قالت: إن الوقت لم يعد مناسبًا للتصريح بسفرى.. عدت بعد ظهر هذا اليوم إلى منزلى مرة أخرى، وعاد معى الصديق الليبى، فقد رفض السفر وحده خصوصا أنه كان فى صحبتى، لقد رأيت الحزن يخيم على وجهه أثناء عودتنا من برج العرب إلى القاهرة، خصوصًا أن وزارة الخارجية الليبية كانت قد أعلنت عن تنظيم ندوة لى عن مصر وليبيا فى مواجهة الإرهاب وقد حدد لها يوم الثلاثاء 21 يناير فى مدينة بنغازى. فى يوم الأربعاء مضيت فى زيارة إلى بلدتى لمتابعة القبض على 24 من أبناء البلدة، كانوا قد قاموا بوقفة أمام كوبرى المعنا بعد مصرع طفلة من المنطقة لم تبلغ من العمر 11 عامًا بسبب عدم وجود كوبرى يربط بين البلدة والمزلقان، أمضيت معهم يومًا كاملاً ولم أعد إلا بعد أن صدر قرار من القضاء بالإفراج عنهم. عدت فى وقت متأخر من المساء، وفى صباح الخميس 23 يناير شاركت فى احتفال الشرطة المصرية بعيدها الثامن والستين بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى. وبعد انتهاء الاحتفالات التقيت مسئولًا أمنيًا كبيرًا، وطلبت منه التصريح لى بزيارة ليبيا، إلا أن المسئول تخوف من الأوضاع الأمنية هناك، وانضم معى رئيس مجلس النواب د. على عبدالعال الذى كان واقفًا معه في هذا الوقت، وبالفعل وافق المسئول الأمنى الكبير على سفرى إلى ليبيا، وبدأت عملية التنسيق مع الجهاز الأمنى المختص، وأخطرتهم أننى سأسافر يوم السبت 25 يناير، فأكدوا لى أنه تم إخطار مطار برج العرب، وأن الأمور ستمضى كما يرام. وبالفعل أخطرت صديقى الليبى الذى صاحبنى فى هذه الزيارة.. مضينا في وقت مبكر إلى مطار برج العرب مرة أخرى، كان الجو باردًا في هذا اليوم، والأمطار تتساقط بين الحين والآخر، بينما سائق السيارة يمضى سريعًا متجهًا إلى المطار حتى نصل قبل الموعد بفترة، لربما تطرأ أمامنا عقبات أخرى، فيكون لدى متسع من الوقت لإجراء الاتصالات اللازمة.. وما أن وصلنا إلى بوابة المطار حتى وجدت أحد الضباط في انتظارى، أخذ منى الجواز، وبدأ فى إنهاء الإجراءات علي الفور، اصطحبنى مدير المطار إلى مكتبه ومعه عدد من القيادات الأخرى، بقيت فى مكتبه لفترة من الوقت، ثم مضيت أنا وزميلى محمد الورفلى إلى البوابة رقم )2( للصعود إلى سلم الطائرة بعد قليل.. عندما دخلت إلى صالة المطار، كانت مكدسة بالمسافرين، خاصة هؤلاء الذين سيستقلون الطائرة الليبية إلى بنغازى، تقدم نحوى طفل ليبى صغير، وقال لى: أنت مصطفى بكرى؟ قلت له: نعم. قال: بشوفك فى التليفزيون وعاوز أتصور معاك، ضحكنا سويًا، والتقطنا صورة تذكارية، وبعد قليل وجدت العديد من المسافرين من أبناء ليبيا يطلبون التقاط صور تذكارية لهم معى، كنت سعيدًا بالحديث معهم، بعد قليل تقدم نحوى أستاذ جامعى ليبى، وبعد أن تصافحنا، سألنى: إلى أين أنت متجه؟ فقلت له: إلى بنغازى. توقف لبعض الوقت ثم قال لى: كيف؟ أنا أعرف أن المصريين لا يذهبون إلى ليبيا إلا بتصريح، فهل حصلت على هذا التصريح؟ قلت له: نعم حصلت عليه. وقف مندهشًا وقال: هذه بشرى جيدة لأن معنى ذلك أنه سيتم السماح للمصريين بالذهاب إلى ليبيا بعد فترة طويلة من منعهم من السفر. قلت له: انت تعرف الظروف التى دعت السلطات المصرية إلى اتخاذ هذا القرار. قال لى: ولكن المنطقة الشرقية الآن آمنة. وأنا سعدت كثيرًآ بزيارتك إلى بلادنا. تبادلنا التحية، وإذا بصوت يدعو المسافرين على الطائرة الليبية إلى الدخول إلى بوابة المغادرة. لم تكن معى سوى حقيبة صغيرة، أدخلتها معى إلى الطائرة، كانت الطائرة مزدحمة، كنت المصرى الوحيد على متنها، وكان الآخرون ينتمون إلى منطقة الشرق الليبى، أقلعت الطائرة فى نحو الثانية والنصف تقريبا، إذن ها هى تحلق فى السماء، تمضى باتجاه الساحل متجهة إلي منطقة الحدود الفاصلة بين مصر وليبيا.. لا أعرف لماذا تذكرت صورة الإرهابى هشام عشماوى مقبوضًا عليه، وهو ينزل في مطار القاهرة على متن طائرة خاصة بصحبة الوزير عباس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة، الذى تسلمه من السلطات الأمنية الليبية بعد لقاء جمعه مع المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطنى الليبى، فى يوم الأربعاء 29 مايو من عام 2019.. كانت مصر تتابع التحقيقات التى أجرتها السلطات الليبية مع هشام عشماوى عقب القبض عليه فى عملية أمنية فى منطقة «درنة» فى الثامن من أكتوبر من العام 2018. كان هشام عشماوى الضابط السابق بالقوات المسلحة قد ارتكب العديد من الجرائم الإرهابية فى مصر فى أوقات سابقة فقد شارك فى محاولة اغتيال وزير الداخلية الأسبق لواء محمد إبراهيم وعملية كمين الفرافرة فى عام 2014 والتخطيط لعملية الواحات واغتيال النائب العام هشام بركات.. كان هشام عشماوى عضوًا فى تنظيم القاعدة، ثم انخرط في عام 2012 مع تنظيم أنصار بيت المقدس، إلا أنه انشق عن التنظيم فى عام 2015، بعد إعلانه الولاء لتنظيم داعش، ثم شكل تنظيمه الخاص الذى أسماه «المرابطون» واتخذ من منطقة «درنة» التى هرب إليها مقرًا له، كان عشماوى قد أعلن فى شريط فيديو عن تأسيس هذا التنظيم، حيث قال إنه سيكون مواليًا وتابعًا لتنظيم القاعدة بدلاً من تنظيم داعش وهو ما أثار سخط وغضب هذا التنظيم، حيث قام أنصار داعش بالرد عليه من خلال بيان وصفوه فيه «بالمرتد» وأعلنوا عن مكافأة لمن ينجح فى القبض عليه وأسره أو اغتياله. وقد أصبح لتنظيم «المرابطون» أنصار بعد فترة وجيزة من إعلانه وبدأ يجد له موطئ قدم في العديد من المناطق الليبية، خاصة بعد أن طالب عشماوى من أسماهم ب«المجاهدين» بشن هجمات ضد الأنظمة التى كان يراها معادية، وتحديدًا الحكومة المصرية، كما أنه أصدر بيانًا فى مارس 2016 دعا فيه إلى حشد الشباب المسلم لطرد الغزاة من دار الاسلام وشن الجهاد ضد النظام المصرى.. وقد ارتبط عشماوى بعلاقة وثيقة مع التنظيمات الإرهابية فى ليبيا، خاصة مجلس شورى مجاهدى درنة، وقد اتخذ لنفسه اسما هو «أبو عمر المهاجر»، وقد قتل مساعده عماد عبدالحميد بعد قيام السلطات المصرية بشن هجمات جوية فى الصحراء بعد قيام التنظيم بقتل عدد من رجال الأمن فى منطقة الواحات وقد نسبت أجهزة الأمن المصرية إلى هشام عشماوى ارتكاب نحو 17 هجومًا ضد الدولة المصرية ومنشآتها وعناصرها.. كانت مصر تتابع هشام عشماوى وتسعى إلى القبض عليه بأية وسيلة، لكن الأمر بات أكثر صعوبة بعد هروبه إلى «درنة» فى وقت سابق. وفى الثامن من أكتوبر 2018 وخلال العملية العسكرية التى بدأها الجيش الوطنى الليبى فى 7 مايو لتحرير درنة من الإرهابيين، أعلن اللواء أحمد المسمارى الناطق باسم القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية عن القبض على هشام عشماوى خلال عملية مفاجئة قامت بها وحدة من اللواء )106( فى منطق جبلية فى درنة، بالإضافة إلى القبض على مسلحين آخرين. كانت العملية وفقا لما قاله «ناصر النجدى» قائد الكتيبة )169( العكسرية الليبية قد جاءت نتيجة لتبادل المعلومات الاستخباراتية بين الحكومة المصرية والجيش الوطنى الليبى وذلك بعد أشهر من إنشاء شبكة أنفاق سرية تم الكشف عنها فى «درنة» خلال معركة بين قوات الجيش الوطنى الليبى، ومجلس شورى المجاهدين الذى يتولى قيادة التنظيمات الإرهابية فى درنة، لقد تم القبض على هشام عشماوى أثناء محاولة الهرب وكان برفقته عدد من السيدات، حيث تم مفاجأته قبل أن يفجر نفسه بحزام ناسف كان قد لفه حول جسده تم اصطحابه فى مدرعة إلى أحد المقار الأمنية العسكرية التابعة للجيش الليبى، حيث جرى التحقيق معه، كما بدأت مجموعات من المحققين المصريين تصل إلى ليبيا للاطلاع على المعلومات وسير التحقيقات مع هذا الإرهابى الخطير. كان اللواء عباس كامل رئيس جهاز الاستخبارات المصرية يتابع شخصيًا هذه التحقيقات ويرفع تقاريره إلى القيادة السياسية التى كانت تنتظر بفارغ الصبر وصول عشماوى إلى القاهرة للتحقيق معه والتوصل إلي كافة المعلومات المطلوبة فى العديد من الملفات الأمنية والجرائم التى ارتكبها عشماوى فى أوقات سابقة. كانت المشاهد تتراءى أمام عينى، وأنا غارق فى التفكير فى هذه اللحظات، وبعد نحو ساعتين إلا ربعًا من مغادرة القاهرة لمطار برج العرب، كان الصوت يأتينى مدويًا، بعد قليل سوف تهبط الطائرة فى مطار «بنينا» بمدينة بنغازى، نظرت من شباك الطائرة، أراض صحراوية مترامية، تحتضن مياه البحر الأبيض المتوسط، ورويدًا رويدًا، بدأت الطائرة فى الهبوط، بينما تبدو البيوت وكأنها شاهد على ذكريات الأيام التى مضت، فى هذا الوقت كنت قد اتخذت قرار الذهاب إلى «درنة» مهما كانت المخاطر والتحذيرات. بعد قليل هبطت الطائرة فى مطار «بنينا» وجدت مندوبا من وزارة الخارجية فى انتظارى ومعه عدد من كبار المسئولين بالمطار، مضيت ومعى صديقى محمد إلى قاعة كبار الزوار فى المطار، بالمصادفة التقيت هناك النائبة الليبية «صباح» عرفتنى على نفسها، وقالت إنها كانت على متن الطائرة نفسها، وأن والدتها مصرية، وهى عضو بمجلس النواب عن منطقة «ترهونة»، وبعد قليل وجدت مرافقى يطلب منى الاستعداد للمغادرة إلى مدينة «البيضا» على بعد 200كم2 من مدينة بنغازى، كان السائق شعبان قد وضع حقيبتى بداخل السيارة، وكانت الساعة قد اقتربت من الخامسة مساء، بعد قليل سيحل الظلام، وأمامنا 200 كم للوصول إلى هذه المنطقة مرورًا بالجبل الأخضر، وما أدراك ما الجبل الأخضر!! الحلقة القادمة: في الطريق إلى البيضا.