في أكتوبر من عام 1980 كنت أتلمس أولي خطواتي نحو المدرسة الابتدائية بقريتي الواقعة شمال الجيزة وكنت قبلها بسنوات قليلة أتردد مع أترابي علي كتّاب الشيخ عبد الواسع بالقرية وكان أن تصادف مع بدء العام الدراسي في تلك السنة أن كلل الله مسعي أحد أبناء القرية البررة وكان موظفا كبيرا في الأزهر الشريف فحصل علي موافقة الأزهر بإنشاء معهد ديني بالقرية، وهو حدث لم يكن لمن هو في مثل سني ولا طموحي أن يدرك قيمته أو مغزاه. ولذلك فقد رفضت وبشدة إلحاح أستاذي الشيخ فوزي عبد الونيس 'متعه الله بالصحة والعافية' وقتها بأن أترك المدرسة وأنضم للمعهد الديني الناشئ، وأدرت وجهي وصممت أذنّي تماما عما عدّده لي من مزايا وما ساقه من إغراءات وذلك لقصور في الرؤية قد تغفره لي حداثة سني في ذلك الوقت. وبقدر ما سررت وأنا أتابع مسيرة هذا المعهد الذي أصبح مستعمرة أزهرية تضم معاهد ابتدائية وإعدادية وثانوية للبنين والفتيات، وما أتحف به قريتنا من علماء في تخصصات شتي 'دينية ودنيوية'، فإنني لم أستطع أن أخفي حزني علي ضياع تلك الفرصة التي أري 'بعد فوات الأوان' أنها كانت فرصة ذهبية، فمن يدري؟.. فلعلّني كنت اليوم واحدا من الدعاة الذين يجوبون الأرض من أقصاها إلي أقصاها داعين إلي الله، مبشرين بدينه ومدافعين عنه، أو لعلني كنت الآن واحدا من خريجي كلياته العملية أمارس عملي علي هَدْي من قيم الإسلام السمحة وأخلاقه النبيلة. ويتضاعف الحزن، وتشتد المرارة حين أري تلك الهجمة الشعواء علي الأزهر، المبني والمعني.. المؤسسة والرموز، لأسباب ودوافع لا تخطئها العين وأنا أنظر إلي نفسي فلا أجدني مسلحا بما يكفي لأكون ضمن كتيبة المدافعين عنه. يتضاعف الحزن، وتشتد المرارة وأنا أتلفّت حولي فأري الأزهر يكاد يساق إلي مصيره الذي يراد له أن يساق إليه بأن يعود منطلقا لنشر التشيع أو علي أقل تقدير يكون عاجزا عن مجابهة محاولات نشره في مصر السُّنة بمباركة جماعة الإخوان المسلمين التي يؤمن رموزها بأن خلافنا مع الشيعة الروافض هو خلاف في الفروع وليس في الأصول'!!'، ولا أدري هل يعتبر هؤلاء الرموز أن زعم الشيعة بأن القرآن محرف هو خلاف في الفروع؟ أم في الأصول؟ يتضاعف الحزن، وتشتد المرارة وأنا أري بعضا ممن ينتسبون إلي الأزهر يغلقون عقولهم، وينحُّون جانبا ما ائتمنوا عليه من علم ومن فقه، وما يفرضه عليهم انتماؤهم إلي هذه المؤسسة العريقة من العمل علي نشر قيم الدين الصحيحة وإذا بهم يغضون الطرف عما يحدث بدعوي أن مصر كانت وستبقي علي مذهب أهل السنة'!!'، ولا أدري من أين لهم كل هذه الثقة وهم يرون محاولات تشييع المصريين علي أشدها، وها هي الحسينيات الشيعية التي يُسَبُّ فيها النبي محمد صلي الله عليه وسلم وآله وصحابته الطاهرون قد وجدت أخيرا طريقها إلي مناطق عدة في مصر مدعومة بالمال والجهل والخيانة. يا سادة.. اتقوا الله في دينه، واتقوا الله في مصر، وأدوا الأمانة التي ائتمنتم عليها يرحمكم الله. [email protected]