السياحة تأثرت كثيرا بالعوامل الخارجية التي أدت إلي تراجع معدلات السياحة عالميا. وكان الإرهاب هو العدو الأول لهذه الصناعة الواعدة ولولا الإرهاب لتضاعفت أعداد السائحين حول العالم.
ولكن موجة الإرهاب آخذة في التراجع بشكل كبير بسبب الجهود المبذولة من قبل الدولة المصرية في مواجهته والقضاء عليه.
و كل صاحب بصيرة يدرك أن الإرهاب لن ينتهي تماما ولكن محاولات السيطرة عليه تفسد من خططه وتقلل من فرص نموه مرة اخري.
التضحيات التي بذلها رجال الجيش والشرطة من أجل دحر الإرهاب لا تعد ولا تحصى وهي تضحيات خالدة لا يمكن محوها أو التقليل منها لأن هؤلاء الرجال ضحوا بأعز وانفس ما يملكه الإنسان. ضحوا بأرواحهم ونالوا شهادة يتمناها كل صاحب همة.
ونتيجة لهذه التضحيات بدأت السياحة في الانتعاش الجزءي الذي سوف يلحقه حالة من الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي تحقق للدول المزيد من النمو السياحي الذي يعود بالفائدة علي كل عناصر المجتمع.
التحدي الأكبر الذي مازال ينتظر صناع السياحة في مصر هو الارتقاء بالخدمات المقدمة للسائح ومحاولة الوصول بها الي درجة تشبه ما تقدمه الدول المتقدمة سياحيا.
الخدمة التي يتلقاها السائح نوعان:معنوية ومادية ملموسة. الخدمة المعنوية هي مجمل ما يتعين علي مقدمي الخدمة من توفيره بدرجة عالية الدقة والجودة. والمادية هي كل ما يتعلق بالساءح منذ لحظة وصوله الي لحظة مغادرته.
وسواء هذه أو تلك فإن مقدم الخدمة أو ما اصطلح علي تسميته بالعامل البشري هو حجر الزاوية في العلاقة التي تنشأ بين السائح وبين موطن تقديم الخدمة.
منظمة السياحة العالمية وبعض من المنظمات التابعة لها أكدوا في أكثر من دراسة بحثية وميدانية أن العنصر البشري أصبح يمثل قوة لا يستهان بها.اما أن تكون قوة داعمة ومحفزة واما أن تكون قوة منفرة ومعطلة لحركة النمو السياحي.
ويوجد اختلافات جذرية بين وسائل الدول لمعالجة موضوع العنصر البشري فالدول المتقدمة تضع اشتراطات وقيود يلتزم بها كافة الأطراف من أجل ضمان جودة العنصر البشري.
اما في دول أخري فالأمر يكون مجرد واجهة تتباهي بها القطاعات السياحية دون حدوث تقدم نوعي ملموس فيما يخص موضوع العمالة.
هذا الأمر يعود في المقام الأول الي ثقافة الشعوب وايمانها بأهمية السياحة ودورها الفعال في نهضة المجتمع ومحاربة الأفكار الهدامة.
فالاعتراف بأهمية السياحة ليس مجرد أيقونة ترددها المحافل المحلية لإيصال رسالة ما الي العالم الخارجي بل هو واجب قومي واطروحة امن قومي.
ولا يوجد مسؤول عن الملف السياحي المصري لا يعترف بضرورة تأهيل وتدريب العمالة في القطاع السياحي ولكنها تظل مجرد أقوال لم تنفذ علي ارض الواقع لعدة أسباب لا تسأل الدولة عن معظمها.
اول هذه الأسباب عدم رغبة صناع السياحة في الإنفاق علي القطاع البشري لأن أي استثمار في تنمية ورفع وعي العمالة مجرد إهدار للمال من وجهة نظر العديد ممن يملكون النفوذ والسيطرة.
والسبب الثاني هو غياب القوانين الملزمة وتراجع الرقابة الجادة علي كافة المرافق والمنشآت السياحية.
أكثر من 40 عاما من التراخي والاكتفاء بترديد عبارات الغزل المتبادلة بين القطاع الخاص والحكومة كفيلة بالقضاء علي هذا القطاع الهام.
وسطوة رجال الأعمال لا يمكن إنكارها ومحاولة لي ذراع الحكومة قصة تتكرر يوميا والمواجهة لم تحدث بعد.
ونحن هنا لا نتبني وجهة نظر تدعوا الي التصادم بين الطرفين.كل ما ندعوا إليه هو تفعيل القوانين وتكثيف الرقابة الحقيقية وترك المجاملات التي تؤثر علي جودة المنتج السياحي.
ومشاكل القطاع السياحي الحقيقية مازالت بعيدة عن أعين الدولة التي أراها المسؤول الأول والأخير عن السياحة وكل ما يتعلق بها من قضايا ملحة.
والاكتفاء ببعض المحاولات الفردية هنا وهناك ليس حلا لقضية رفع مستوي العنصر البشري فالدول لا تتقدم بالمبادرات الفردية.
وقصة الخسائر وعدم تحقيق الأرباح أصبحت المحلل الشرعي لتكاسل رجال الأعمال واهمالهم قضية العمالة.
نعم لا ننكر الخسائر التي تعرض لها القطاع السياحي ولكن لا يمكن أيضا نسيان الأرباح الفلكية التي تحققت لرجال الأعمال ابان فترة الانتعاش السياحي قبل يناير 2011.
لا نريد أن يهجر رجال الأعمال القطاع ولا نريد أن يستغلوا حاجة الدولة لفرص العمل التي يوفرها القطاع ليقوموا بالضغط علي الدولة لتمرير لوائح وقوانين تخدم مصالحهم الشخصية فقط.
نريد لهم إن يربحوا وان يجنوا الملايين وفي نفس الوقت نطالبهم بالإنفاق علي تدريب العمالة بشكل يضمن وجود عامل علي كفاءة عالية وأداء محترف.
هذه القضية الشائكة لن تحل بالكلمات الرنانة أو الوعود الزائفة بل لابد من وجود إطار يحكم العلاقة بين كافة الأطراف.
الحكومة من مصلحتها أن ترتفع بأداء ووعي العمالة وكذلك القطاع الخاص من أساسيات نجاحه هو جودة اليد العاملة إلا ان ذلك كله يبقي أمنيات لم تتحقق علي أرض الواقع.
في بلادنا لا يوجد كتالوج لتحديد شروط العمل بالقطاع السياحي. فالكل يعمل في كل الوظائف بدون تقدير لأهمية الموقع الذي يتطلب مهارات معينة لا تتوفر في كل المتقدمين لوظيفة ما.
حتي الشروط التي تضعها المنشآت السياحية عبارة عن مجرد شروط تحمي المنشأة ولا تقدم جديدا للقطاع السياحي.
تخيلوا ان أهم شروط التعيين هو تقديم صحيفة الحالة الجنائية حتي لا تسأل المنشأة فيما بعد إذا ما حدث مكروه لا قدر الله.
والباقي مجرد شكليات مثل المؤهل وشهادة الميلاد.
أما السمات الشخصية والمهارات الفردية التي تختلف من شخص لآخر فلا وجود لها في كتالوج التوظيف السياحي المصري. لذلك لا عجب أن تجد من لا يجيد اي لغة يعمل موظفا في قسم الإستقبال واخر لا يعرف قيمة الابتسامة ورغم ذلك يتم وضعه في واجهة المنشأة في قسم العلاقات العامة. أما عمال الغرف والنظافة فحدث ولا حرج المهم ان يذهب لمديره آخر اليوم بأكبر قدر ممكن من البقشيش الذي قام علي جمعه طوال اليوم.
بالطبع لا يمكن السيطرة علي سلوك الإنسان ولا يمكن مراقبة سلوكيات العمال بشكل فعال او لنقل بالطريقة التي تضمن توصيل خدمة مميزة للعميل.لكن من الممكن جدا وضع أساسيات وطرق وخطط ممنهجه ودورية لرفع مستوي العامل.
العنصر البشري أخطر علي السياحة من الإرهاب وتدني مستوي العنصر البشري يؤدي الي كوارث لا يمكن التنبؤ باثارها الوخيمة.
الكل مشترك في المسؤولية بدءا من التعليم الذي لا تجد في مناهجه اية إشارة الي أهمية السياحة وانتهاء بالإعلام الذي انشغل بمتابعة عروض الازياء واخبار الراقصين والراقصات واهمل كثيرا في حق السياحة.
حتي بعض البرامج التي تسمي سياحية مجرد برامج بلهاء لا تفيد القطاع السياحي بأي شكل من الأشكال لأنها مازالت تعتمد الأسلوب القديم وهو استضافة بعض زوار الوطن وتوجيه الأسئلة البلهاء إليهم من عينة هل أعجبتك مصر وهل ستأتي مرة ثانية...الخ. من المتوقع ان يشهد القطاع السياحي نشاطا ملحوظا خلال الفترة القادمة وذلك بسبب قدرة الدولة علي تحجيم الارهاب ودحره وبسبب تعافي القطاع بشكل عام عالميا.ولابد لنا ان نستعد بقوة لهذه الانتعاشة ليس فقط بتجديد المباني والمنشآت ولكن وقبل كل شيء بتدريب وتثقيف وتوعية العنصر البشري.
ارجوا أن يلتفت القاصي والداني لمشاكل القطاع السياحي وأن يتم وضع السياحة في واجهة الإعلام والصحافة وأن يكون عام 2020 هو عام السياحة المصرية. حفظ الله مصر جيشا وشعبا.