فى محافظة المنيا وعلى بعد 25 كيلو من شمال المحافظة، هناك قرية البيهو التابعة لمركز سمالوط، ورغم حالة الهرج والمرج التى حدثت الأسابيع الماضية كان هناك شباب أبطال، يضربون أروع الأمثلة، ويقدمون أفضل النماذج، والآن سأصحبكم للتجول سويًا داخل شوارع وحوارى ومنازل تلك القرية التى أتشرف بأن أكون أحد أبنائها. وقبل أن أتجول بكم بداخلها، أطالب كل الأجهزة المسئولة التنفيذية والإعلامية والسياسية أن تأتى للتجول معى؛ لكى تتلامس مع واقع عظيم وصورة مصغرة لكيفية الحفاظ على مصر وبنائها. البداية كانت فى مجابهة سعار ارتفاع الأسعار الذى قارب على التهام شريحة كبيرة من المصريين الذين يقطنون قاع المجتمع، وعلى رأس تلك الأسعار كانت اللحمة التى كان يتجاوز الكيلو 125 جنيهًا، رغم أن أسعار المواشى قد انخفضت إلى المنتصف تقريبًا لكن ما زالت أسعار اللحمة ثابتة دون تغيير، وكان القرار من مجموعة من شباب القرية، بالاتفاق مع بعض الجزارين الشباب بالذبح وإعلان اللحمة بسعر الكيلو 75 جنيهًا، وبالفعل حدث ذلك وتم الإعلان ولم يكن أمام الجزارين الأخرين إلا تنزيل الأسعار، حتى لا يهرب منهم عملاؤهم، وأصبح جميع جزارى القرية يتنافسون على بيع اللحمة ما ببين 75 إلى 80 جنيهًا للكيلو، وانتشر هذا الخبر فى القرى المحيطة لمدينة سمالوط، وبدأ الأهالى يأتون إلى القرية لشراء اللحمة وكانت النتيجة أن جزارى تلك القرية ومدن سمالوط بدأوا فى تنزيل الأسعار، وهكذا تم مع معظم أسعار المواد الغذائية فى الأسواق والمحلات . هنا كانت المواجهة الشعبية الحقيقية غير التقليدية التى قام بها هؤلاء الشباب ومعهم بعض التجار والجزارين الوطنيين فلم يعلنوا المقاطعة تحت حملة خليها تعفن، بل اتخذوا منحى اخر ايجابيًا استفاد منه الجميع التاجر والمواطن، وقد نجحت حملتهم باقتدار مما جعل رئيس مجلس قروى البيهو والمسئولين يتواصلون مع هؤلاء الشباب ليقدموا لهم الدعم اللازم. وعلى جانب آخر قام هؤلاء الشباب بحصر أسماء الطلبة فى مدارس القرية «غير القادريين» لمساعدتهم على دفع رسوم الكتب المدرسية، وعلى بعد خطوات كان عملهم الإنسانى العظيم فى تخفيف العبء عن أصحاب المعاشات الكبار فى السن والذين يتوافدون على البريد فى نهاية كل شهر لقبض معاشاتهم، ونتيجة للعدد الهائل وعدم قدرة البريد على استيعابهم كان هناك زحام شديد فى هذا الجو الحار، فقام الشباب بتنظيم ذلك عن طريق تخصيص مكان مريح للجلوس، وتخصيص يوم لكل فئة، والحضور لمساندة كبير السن مما جعل الزحام والمشكلة تنتهي. وتعددت الاقتراحات من هؤلاء الشباب، فمنهم المحامى والمعلم والموظف والدكتور والمهندس، والكثير من الوظائف والتخصصات المختلفة، كل واحد منهم يقوم بمساعدة المحتاجين، وكل من يلجأ إليه من أهل القرية بدون مقابل، فالمحامى يستلم قضايا ومطالب الناس الغلابة دون مقابل، والمعلم يستلم التلاميذ والطلبة غير القادرين (دروس خصوصية)، والدكتور يكشف على المرضى الفقراء بدون مقابل، والمهندس يرسم ويخطط لمن لا يمتلك بدون مقابل، ومعهم الموظف الذى يقدم الدعم للبسطاء والفقراء فى مصلحته، وهناك التاجر الذى يعطى سلعته بسعر مخفض لمن يحتاج. وفى كل هذا لم ينس هذا الشباب الجميل نظافة وجمال القرية فانطلقوا برفع المخلفات وتوزيع صناديق القمامة وتنظيف الشوارع وتشجير وتجميل مدخل القرية. وفى كل ذلك خرج هؤلاء الشباب بالمئات وذهبوا إلى القاهرة فى الجمعة الماضية لمساندة الوطن مصر ضد مؤامرة الأشرار والإرهابين. ورسالتى الأولى إلى أهلى وأخواتى أبناء قريتى البيهو، استمروا على هذا العطاء، ستتسع دائرة عطائكم لتشمل المئات والألوف، ستكنون عنوان وطن عظيم يتم تسليط الضوء عليه لتنتقل تجربتكم فى كل مكان من ارض مصر، وما تقومون به هو البداية وسننتقل سويًا لعمل وطنى كبير، بإقامة مشاريع الصناعة والتجارة والاستثمار والزراعة والتعليم والصحة والثقافة والتنوير والتوعية، لنحول قريتنا إلى نموذج حضارى عظيم يعيش بداخله شبابنا وأولادنا وأحفادنا. رسالتى الثانية إلى المسئولين فى الدولة وعلى رأسهم معالى الوزير محافظ المنيا الرجل الوطنى اللواء قاسم محمد حسين الذى أراه رجل دولة من العيار الثقيل، وإن توافرت له الأدوات السليمة للعمل التنموى سيغير وجه المنيا إلى النقيض تمامًا، وكل المسئولين التنفيذيين ومعهم نواب مجلس الشعب باحتضان تلك التجربة ومساندتها لتحويلها إلى نموذج عملى يعمم فى كل نجوع وقرى ومدن المحافظة. رسالتى الثالثة وهى إلى زملائى الكتاب والصحفيين والإعلاميين، بأن يسلطوا الضوء على تلك التجربة الناجحة لتكون رسالة حية لكل شعب مصر، بأن هناك مشكلات كثيرة حياتية وبيروقراطية يمكن التغلب عليها بطريقة فاعلة وإيجابية، بعيدًا عن الدولة المثقلة بمشاكل كثيرة.