حال الطب والأطباء أصبح حديثًا يشغل الرأى العام، ففى بلد تجاوز تعداد سكانه مائة مليون نسمة أصبح حال الصحة يحتاج إلى كثير من الدعم ليس فقط فى التوسع فى المنشآت الصحية، ولكن أيضا فى توفير الكوادر البشرية من الأطباء، وهيئة التمريض بل إن الحفاظ على بقائهم على رأس العمل أصبح فى الآونة الأخيرة هدفًا سعت الحكومة من خلال عدة إجراءات للوصول إليه. وقف طبيب شاب حديث التخرج فى قسم العناية المركزة فى أحد المستشفيات الحكومية وحيدًا، يحاول إنقاذ مريض يعانى أزمة قلبية، لم تكن لديه الخبرة الكافية لهذا العمل، ولكنه حاول بدافع ضميره الإنسانى ان يبذل أقصى ما فى وسعه، طلب عمل أشعة لكنه فوجئ بعدم وجود فنى، استغاث بالطبيب المناوب، الذى نزل من سكن الأطباء متكاسلاً، ومعاتبًا على انفعال طبيب الامتياز وتأثره «الزائد»..ترك الشاب المكان وفى قلبه أسى على حال فرض عليه التعامل مع آلام المرضى بقلب «ميت». حال المستشفيات الحكومية أصبح، فى معظم الأحيان، مثيرًا للشفقة نظرا لنقص الإمكانات المادية والبشرية، فلم يعد المستشفى الذى يقصده الفقراء ويدفعون جنيهين فقط مقابل الكشف، والدواء هو نفس المستشفى، ولكن تبدل الحال وأصبحت المستشفيات تعانى نقصًا شديدًا فى المستلزمات والأجهزة الطبية، بالإضافة إلى الكوادر البشرية.. حكت لى طبيبة أنها لم تستطع تحمل العمل فى مستشفى حكومى فى إحدى المدن الجديدة، نظرًا للنقص الشديد فى الأجهزة والأدوات الطبية، إلا لمدة أربعة أيام فقط، واضطرت للتقدم بطلب إجازة رعاية طفل، وهى إجازة لا يمكن رفضها. وكان رئيس الوزراء قد وجه بدراسة تخريج دفعات استثنائية من خريجى كليات الطب فى ظل العجز الشديد الذى تواجهه الدولة حاليًا فى أعداد الأطباء وكذلك زيادة أعداد الطلاب المقبولين بكليات الطب والسماح لخريجى الجامعات الخاصة بالتدريب فى المستشفيات الحكومية. المشكلة ترصدها الأرقام الصادرة من نقابة الأطباء والتى تحدد عدد المقيدين ب220 ألف طبيب من بينهم 120 ألف طبيب خارج البلاد. قبل عدة أشهر وقفت الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة ترد على طلبات الإحاطة أسئلة النواب حول عذابات الفقراء فى التعامل مع المستشفيات الحكومية. وقتها لم تبرر الوزيرة التقاعس والإهمال، ولكنها شكت أيضًا من جوانب أخرى أدت لما وصل إليه قطاع الصحة، فقالت إن هناك عجزًا شديدًا فى الكوادر الطبية من الأطباء والممرضين، وإذا كانت هناك حلول لسد العجز فى التمريض بزيادة أعداد المقبولين، فإن المشكلة الافدح هى هجرة الأطباء، أو الاستقالة من المستشفيات الحكومية، حيث يوجد نقص شديد جدا فى أطباء التخدير والرعاية المركزية، وهناك عزوف من الأطباء فى هذا التخصص، وهناك 180 طبيبًا فى القصر العينى سافروا استراليا، وأشارت الوزيرة إلى أن 50% من أسِرة الرعاية المركزة «فاضية»، وأن هناك أقساما كاملة مغلقة ل«أسِرة رعاية مركزة وحضانات حتى فى القاهرة»، وهذا سببه أن هناك مستشفيات لا يوجد فيها طبيب متخصص. وكانت الوزيرة قد اشارت من قبل امام لجنة الصحة بمجلس النواب إلى أن 60% من الأطباء المصريين يعملون فى السعودية.. و50% ممن بقوا فى مصر يعملون بالقطاع الخاص.. بينما لا تخرج كليات الطب العدد الكافى لتلبية احتياجات سوق العمل. الوزيرة بكلامها دقت جرس الإنذار الذى يعكس حالة اصبحنا نعانيها، فالأطباء حديثو التخرج أصبح حلم الكثير منهم الهجرة إلى إحدى الدول الأوروبية التى تقدم تيسيرات كبيرة، وفرص عمل مغرية، وهم يسعون لتحقيق حلمهم بكل جهد، أما الجزء المتبقى فيعمل لسنوات ليعد نفسه للسفر إلى إحدى دول الخليج، وكلها تفتح أذرعها لأطباء جاهزين.. فماذا نحن فاعلون..؟