لم تكد تنتهي تبعات أزمة اتحاد المهن الطبية مع خريجي كليات العلاج الطبيعي والمطالبات بضمهم إلى النقابات المهنية الأربع «الطب البشري، طب الأسنان، الصيدلة، البيطريين» مع تعديل مشروع قانون مزاولة العلاج الطبيعي ليعطي الحق لخريجي تلك الكليات، في التشخيص والعلاج وكتابة الدواء، حتى دخل الأطباء في أزمة جديدة مع كليات «العلوم الصحية» التي منحت خريجيها مؤخرًا لقب «إخصائي» عبر ترخيص صادر من وزارة الصحة، وهو ليس طبيبًا مؤهلًا لممارسة المهنة. بدأ تأسيس المعاهد الفنية الصحية المتوسطة منذ سنوات طويلة، وكانت مدة الدراسة بها عامين، وذلك لتخريج فنيين يعملون بالمنظومة الصحية (معامل، أشعة)، وتم إنشاء كليات العلوم الصحية ببعض الجامعات الخاصة على أن تكون مدة الدراسة بها 4 سنوات لتخريج تقنيين متميزين (علميين)، مثلما حدث مع معاهد التمريض التى تم تحويل بعضها لكليات تمريض. بعد ذلك تم إنشاء كليتين حكوميتين للعلوم الصحية في جامعتي (بني سويف، المنوفية) وبمرور الوقت تدخل أصحاب المصالح من أجل زيادة أرباح كليات العلوم الصحية بالجامعات الخاصة وزيادة عددها مستقبلا، وعبر الضغوط المتكررة تم تغيير مسمى تلك الكليات من كلية العلوم الصحية إلى كلية العلوم الطبية، لإيهام الطلبة من ناحية بأنهم سوف يتخرجون أطباء ومتخصصين (مختبرات، أشعة، رعاية مركزة)، ومن ناحية أخرى تستطيع الكليات الخاصة مضاعفة الرسوم السنوية، وصحة المواطنين هي آخر ما يفكرون فيه. وزارة الصحة ترحب تقدمت وزارة الصحة بطلب إلى الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة حتى يوافق على أن يكون مسمى خريجي كليات العلوم الصحية هو إخصائى (مختبرات، أشعة)، حتى يتمكن هذا الخريج من العمل كطبيب أو إخصائي ووافق الجهاز على الطلب وأصدر قراره رقم 93 لسنة 2015 بهذا المسمى الوظيفي. هنا أصدرت وزارة الصحة الترخيص رقم (1) لأحد خريجى جامعة 6 أكتوبر تحت مسمى (إخصائى مختبرات طبية). غضب الأطباء تصاعدت حدة الرفض العام من قبل جموع الأطباء الذين تقدموا ببلاغات وشكاوى إلى وزارة الصحة لإيقاف منح هذه التراخيص، وخاطبت النقابة العامة الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة بطلب تعديل المسمى الوظيفى لإيقاف ما وصفته ب«المهزلة»، حيث إن منح لقب إخصائى أو مساعد إخصائى هو لقب فنى للأطباء البشريين، ومنح اللقب لهؤلاء الخريجين سيؤدى إلى خلط خطير لدى المرضى، حيث قد يسلم المريض نفسه للتشخيص والعلاج من غير الأطباء. كما أن هذا التعديل سيسمح لغير الأطباء بممارسة مهنة الطب، وبالتالي اقترحت النقابة العامة أن يكون مسمى الخريج هو (تقني) وليس إخصائيا. هنا استجاب الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة الذي بدوره أرسل خطابا إلى وزارة الصحة بموافقته على مقترح نقابة الأطباء بالتعديل، وطلب من الوزارة موافاته بالتفاصيل المطلوبة، ولكن وزارة الصحة لم ترد على الجهاز. «بيزنس» خاص الدكتور إيهاب الطاهر، أمين عام نقابة الأطباء، أعلن أن ثمة محاولات جارية من قبل وزارة الصحة لتعديل اللائحة التعليمية، بحيث يتم وضع عبارة أن الخريج سيكون إخصائيا، مع محاولة إلغاء عبارة أنه يعمل مساعدا للطبيب وتحت إشرافه، أى أنهم يحاولون «تقنين تخريج طبيب»، وأيضًا متخصص بعد دراسة مدتها أربع سنوات فقط، بما يصب في مصلحة «بيزنس» الكليات الخاصة. وأوضح الطاهر أن الطبيب البشرى نفسه لا يحصل على لقب إخصائي إلا بعد دراسة طويلة وسنوات عمل تتخطى 17 عامًا مقسمة على 7 سنوات دراسة وتدريب لمناهج الطب، سنة تكليف، إضافة إلى 4 سنوات أخرى مقيم بالتخصص يدرس خلالها درجة الماجستير و5 سنوات مساعد إخصائي. وأعلن أمين عام الأطباء عن كامل التقدير والاحترام لكل من يعملون بالمنظومة الصحية، لأنهم جميعًا يعملون ضمن منظومة طبية متكاملة، ولا يمكن الاستغناء عن أى فئة تعمل بالمنظومة الصحية، إلا أنه أكد ضرورة أن يلتزم كل شخص في المنظومة بأداء دوره المنوط به دون محاولة القفز على أدوار الآخرين أو محاولة خداع المواطنين بمسميات وهمية. بني سويف الأولى ومن جانبها قالت الدكتورة منى مينا، الأمين العام المساعد لنقابة الأطباء، إنهم فوجئوا بقرار جامعة بني سويف بتعديل اللائحة الداخلية لكلية العلوم الطبية التي تنص على منح هذا اللقب للخريجين من الكلية، ولم تنص على عمل خريجى الكلية تحت إشراف طبي. كما أن اللائحة الموجودة حاليا تنص على أن خريجي العلوم الطبية "هو مساعد للطبيب المتخصص"، ويعمل تحت إشرافه وتعديل هذا البند من اللائحة يعد جريمة. وأضافت أن إتاحة اللقب لخريجى العلوم الطبية يعرض حياة المرضى للخطر، مطالبة بمناقشة هذه القضية المهمة فى أثناء عقد الجمعية العمومية الطارئة غدًا الجمعة في «دار الحكمة» مع ضرورة وضع قواعد واضحة تمنع الخلط بين خريجى العلوم الطبية وخريجى كليات الطب. أساتذة «بني سويف» يرفضون التدريس ومن جانبهم أعلن أعضاء هيئة التدريس ومعاونوهم بقسم الباثولوجيا الإكلينيكية بكلية الطب جامعة بنى سويف عن رفضهم تغيير لائحة كليات العلوم الصحية وتغيير مسماها إلى كلية العلوم الطبية التطبيقية ورفضهم تغيير المسمى الوظيفي لهذه الكليات بعد التخرج إلى إخصائي وما تبع ذلك من تطاول وتهديدات من طلاب هذه الكليات على أعضاء هيئة التدريس والأطباء. وقرر الأعضاء مخاطبة كل من رئيس المجلس الأعلى للجامعات، ووزيري التعليم العالي والصحة بالرفض التام لهذا المسمى، والذي يقتصر على الأطباء الحاصلين على بكالوريوس الطب والجراحة والتدريب العملي والدراسات العليا. وأعلن أعضاء هيئة التدريس عن امتناعهم عن المشاركة في أى من الأعمال التعليمية لطلاب تلك الكليات إلا بعد تغيير اللائحة بوضوح وشفافية، بما يضمن عدم التدخل فى الاختصاصات المهنية للطبيب، والتأكيد على عدم التعامل مع المريض إلا تحت إشراف طبيب بشري. ودعا أعضاء هيئة التدريس كل الأعضاء بكليات الطب بالجامعات المصرية الحكومية والخاصة، لاتخاذ قرارهم والتضامن لتصحيح هذا الوضع الكارثي. القانون يُجرم المادة 11 من قانون مزاولة مهنة الطب تنص على أن يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في المادة السابقة (وهي الغرامة والحبس سنتين) كل شخص غير مرخص له في مزاولة مهنة الطب يستعمل نشرات أو لوحات أو لافتات أو أية وسيلة أخرى من وسائل النشر إذا كان من شأن ذلك أن يحمل الجمهور على الاعتقاد بأن له الحق في مزاولة مهنة الطب، كذلك كل من ينتحل لنفسه لقب طبيب أو غيره من الألقاب التي تطلق على الأشخاص المرخص لهم في مزاولة مهنة الطب. وطالبت النقابة العامة بضرورة إعطاء خريجي هذه الكليات أى مسمى آخر غير إخصائي لمنع الخلط بين مسميات الأطباء، وغيرها وحتى لا يؤدي ذلك لإضفاء درجات علمية وهمية وممارسات غير قانونية لمهنة الطب وإلحاق الضرر بالمواطنين. خريجو الكليات التطبيقية التي تشمل (العلاج الطبيعي والتحاليل الطبية والأشعة) في عدد من الدول العربية كانوا يحصلون على لقب إخصائي، ويحظر عليهم استخدام لقب طبيب، ولا يحق لهم كتابة وصفات طبية، وهذا مجرّم بنص القانون. وفي حالة صدور اللائحة محل الجدل تصدر نقابة الأطباء قرارًا بتعديل مسمى الطبيب الحاصل على دراسات عليا في تخصصه إلى (إخصائي طبيب أو طبيب إخصائي)، وبالتالي تقطع الطريق أمام كل من يريد الخلط بين خريجي كليات الطب البشري، وخريجي الكليات الأخرى المنوط بها تخريج الكوادر الطبية المساندة. وحذر الدكتور أسامة عبد الحي، وكيل نقابة الأطباء من خطورة التفريط والعشوائية فى منح الألقاب العلمية لخريجي كليات العلوم الصحية والطبية التي تريد أن تعامل معاملة خريجي كليات الطب. ودق عبد الحي جرس الإنذار للمجتمع كله جراء ما يحدث من اختراقات للمهنة، وانتهاكات لحرمة وقدسية المريض المصري. كارثة صحية وتابع: خريج تلك الكليات حين يتحول إلى إخصائى أشعة مثله كالطبيب خريج كلية الطب الذى يحصل على ماجستير أو زمالة ليصبح إخصائيا فهذه كارثة على المجتمع وعلى المريض المصرى الذى لا يستطيع التفرقة بين إخصائى حقيقى خريج كلية الطب وإخصائى خريج علوم صحية. بحكم القانون، الوحيد الذى له حق توقيع الكشف على جسد المريض هو الطبيب، حسب عبد الحي الذي خاطب رئيس جهاز التنظيم والإدارة لتوضيح خطورة منح توصيف إخصائي لخريج علوم صحية وأن لقب إخصائى لا يمنح إلا للطبيب الحاصل على درجتي «ماجستير أو زمالة». ووجه عبد الحي نداءاته للمجتمع الطبي للدفاع عن مهنته وللمجتمع كله والمسئولين ضرورة الانتباه لحل ما سماه بالكارثة قبل أن تصبح واقعا يهدد المهنة والمريض. كما أن خريجي كليات العلوم التطبيقية يدرسون أربع سنوات في تخصص صغير ومن ثم يتم توصيفهم ك«تقنيين» أو «مساعدين» جيدين ولكن ليسوا أطباء، لأن الطبيب الذي يسمح له بالتشخيص والعلاج والتعامل بشكل مستقل مع المريض يتحتم عليه أن يدرس الجسم كله، لأن التشخيص والعلاج والمتابعة تحتاج إلى فهم عام للطب ولا يمكن لأي طالب في كليات الطب أن يدرس العظام وحدها أو التخدير وحده. مطالب برلمانية بالتعديل كما تقدم الدكتور عبد الله علي عبد الله، عضو مجلس النواب، بطلب إحاطة عاجل لوزير التعليم العالى بسبب تغيير لائحة كليات العلوم الصحية. وأضاف أن عددا من كليات العلوم الصحية التي تم إنشاؤها فى عدد من المحافظات تم تعديل اللائحة الداخلية لها لتغيير اسمها إلى كليات العلوم الطبية، وهذا ما يعد تعديا على مهنة الطب والمرضى. كما تم إطلاق لقب إخصائى على خريجى هذه الكليات، التى لا تتعدى دراستهم فيها 4 سنوات، رغم أن لفظ إخصائى يمنح لخريجى كليات الطب الحاصلين على دراسات عليا. وأكد عبد الله أن تعديل هذه اللائحة جاء تحت حساب المجاملات لجذب الطلاب للكلية، وهذا ما يعد غير مقبول، موجهًا تساؤلًا إلى وزير التعليم العالي عن الضوابط التى استند إليها لتعديل هذه اللائحة. وأوضح الدكتور محمد العقاد، عضو مجلس النواب أنه تقدم بطلب إحاطة إلى الدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب بأنه استنادا إلى المادة 134 من الدستور والمادة 212 من اللائحة فقد تقدم بطلب الإحاطة الخاص بشأن كلية العلوم الصحية التى تمنح لقب إخصائى لخريجيها وهو ليس طبيبا وغير مؤهل لممارسة المهنة. خريجو العلوم الصحية يؤيدون في المقابل أبدى عدد من خريجي كليات العلوم الصحية ترحيبهم الشديد بقرار وزارة الصحة بمنح ترخيص العمل لهم بعد سنوات دراسة طويلة. وتساءل رضا عمرون، خريج المعهد الفني الصحي بسوهاج حول من يتهمونهم بممارسة ومزاولة عملهم بدون ترخيص، فقبل أن يمارس أي خريج علوما طبية منهم لا بد فى البداية أن يحصل على ترخيص، وهذا شيء طبيعي وقانوني. «لا تؤولوا القانون على غير ما يحتمل».. يقول عمرون إن هذا النص القانوني، ليس هم كإخصائيين طبيين المطالبين به وحدهم، ولكنه نص قانوني عام مجرد ينطبق على جميع الأطباء الذين يمارسون مهنة الطب بغير ترخيص، بل هو صادر في الأساس لمن لم يحصل على ترخيص من الأطباء.