النوستالجيا أو الحنين إلى الماضي حالة إنسانية خالصة بالحب والشغف لكل ما هو قديم، لذلك على سبيل المثال تجد أن هناك كثافة مشاهدة كبيرة جدا لأعمالنا الفنية القديمة وخاصة السينما المصرية، خاصة تلك المشاهد التي نشاهد فيها الشارع المصري القديم بتفاصيله.. جنباته ومحلاته وجدرانه وإعلاناتها وناسه وأزيائهم وأيضا سياراتهم.. الأزياء ينتهي الشغف بها بانتهاء موضاتها، وان عادت تعود بتعديلات حديثة او برؤى مغايرة لذلك لا تجد شغفا باقتنائها مثلما نراه في هواية اقتناء السيارات القديمة فهي تبقى ذات بريق مغاير ويزداد رونقها سنين بعد سنين..
لذلك تعتبر هواية اقتناء السيارات القديمة حالة شعرية وشاعرية تنتاب صاحب الهواية والغواية، على الرغم من انها هواية تتسم بكثير من الصعوبات المادية والمهنية، فهي لا تقوم على هدف ربحي بالدرجة الأولى بل على متعة في إشباع الرغبة في مشاهدة تلك السيارات والبحث عن تاريخها وأصولها.
وفي حين يتسابق أغلب الناس على امتلاك سيارات حديثة بل ويبحث بعضهم عن الأقل استهلاكاً للوقود، يستمتع هؤلاء - أصحاب تلك الهواية - باقتناء سيارات قديمة، مهما كلفهم الأمر، بل تجد الفرد منهم يتعامل مع السيارة الواحدة وكأنها "الليدي سيارة" وكأنه برفقة واحدة من الهوانم الجميلات تجده يحنو عليها ويعاملها برفق ورقة معهودة لكل ثمين ونفيس.. يسيرون بها في الشارع يتباهون وكأنهم يشاركون بها في عرض أزياء.
هؤلاء الغاوون لا يكتفون بواحدة من السيارات القديمة أو الكلاسيكية، فشريعتهم أباحت التعددية المطلقة وما ملكت أيمانهم من السيارات بل ويبذلون جهوداً وأموالاً في سبيل توفير قطع الغيار لها وقبلها السكن الخاص بها.
ولأن الاهتمام بتلك الهواية قديم فقد برزت عدة مظاهر حضارية تحقق وتوثق لتلك الهواية والشغف تقليدية تطورت من شكل تراثي يتمثل في اقتناء السيارات القديمة والعناية بها، إلى درجة دفعت البعض إلى إنشاء متحف للسيارات القديمة ذات القيمة العالية والنادرة، اومعرضا خاصا مثلما يقتني الناس في منازلهم دولابا للأوسمة والنياشين، باعتبار ان تلك السيارات تراثا مهما يجب الاعتناء به.
ولطرافة الموضوع وأيضا أهميته الحضارية كان من الضروري ان نذهب إلى واحد من "عمداء" تلك الهواية في مصر.. وكان طبيعيا أن نتعرف على جوانب كثيرة عن تلك الهواية وذلك الشغف الكبير، ونسأله أيضا ما النتيجة النهائية التى ستصل إليها هذه الهواية وعند أي ملاسيك سيتخقق الحلم ، وما هى النصيحة والإرشادات لمن هم حديثي العهد لتجنب التورط بهدر أموالهم على شراء أي سيارة كانت لمجرد أنها قديمة الصنع..
يقول محمد وهدان رئيس مجموعة شركات "فاين سلكشن" إن هواية اقتناء السيارات العتيقة لديه بدأت منذ سنوات طويلة كان حينها يحلم باقتناء سيارة مرسيدس قديمة من سبعينيات القرن الماضي ، وذاتها الآن أصبحت أحدث سيارة في أسطول الكلاسيك لديه الذي بلغ عدد السيارات فيه 125 سيارة من أفضل الموديلات وأكثرها تميزا وندرة ومنها الفورد تى .بنتلي. رولز رويز. جاجور. كاديلاك.لينكولين وديملر. ام جي.
وفاجأنا محمد وهدان بقوله أن حلمه أن يكون لديه أكبر عدد سيارات كلاسيك في العالم أجمع ! وبادرته تريد أن تدخل جينيس بأمتلاك أكبر عدد من الكلاسيك قال ولما لا فهى عشقي الأول والأخير.!
دفعنا هذا الشغف والحديث عنه إلي السؤال عن الهدف الذي يدفع رجل أعمال ناجح له العديد من الشركات العاملة بالسوق المصري لاقتناء السيارات العتيقة وهذا الكم منها الذي بلغ 125سيارة من موديلات عتيقة فقال "وهدان" أنها هواية ليس لها سقف واصفا إياها بالعشق الأبدي الذي يجعله هائما خلفها في شتى ربوع الوطن ، والخارج إن تطلب الآمر.
وعن كيفية الحصول علي هذا الكم من السيارات الكلاسيك وطريقه شرائها أخبرنا وهدان قائلا "ابحث عنها في كل مكان، في أي محافظة، في أي نجع داخل قرية في أقاصي الصعيد لا يمكن أن أعلم بوجود إحداها في أي مكان ولا أذهب لاقتنائها حتى لو كلفني ذلك الكثير من المجهود ، فقد يستغرق الوصول إليها أيام وساعات".
وأشار وهدان إلي أن اقتناء السيارات العتيقة باتت من الأمور الصعبة بخلاف الآونة السابقة التي كان أصحاب هذه السيارات القديمة يتخلصون منها بالبيع لعدم وجود مكان لها ، بينما الآن أصبحت لها عشاقها والكل يبحث عنها ليقتنيها مما دفع الكثير للمغالاة فيها والتربح منها.
سألناه انه حين تشترى سيارة قديمة لابد وأن يكون بها عطب ما ، مقابض غير موجودة أو اعوجاج بالشاسيه الخاص بها ، أو إنها تفتقد لأي من أجزائها وهو الآمر الطبيعي نتيجة عمرها الطويل الذي قد يكون وراء عدم تحركها من أماكنها لسنوات، فكيف تعيدها إلي الحالة المجددة التي عليها الآن كل سياراتك..؟
قال محمد وهدان أن هناك طرق عدة لاستعادة السيارة الكلاسيكية رونقها وبريقها الأصلي فقد أجد قطع غيار سيارات منها موجود بالخارج، وأحيانا تطلب مصانعها الأصلية بالخارج، وأحيانا أضطر لشراء سيارة أو أكثر من نفس الموديل واستخدم إحداها كقطع غيار أصلية للأخريات من نفس الموديل ، وأحيانا أخري أقوم بتشكيل وصب قطع مماثله علي الأصلية حين يصعب الحصول عليها أصلية.
وعن طريقة تقدير القيمة المالية لسيارة قديمة او قطع غيارها جاء الرد مفاجئا وكاشفا أن القيمة المالية تعود للهوى الشخصي فقط، ومدى الحب للسيارة وكيفية الإنفاق عليها، مؤكدا انه ليس هناك قاعدة ثابتة للتقييم.
أما ترخيص هذه السيارات قال وهدان إنه كالسيارات الحديثة تماما ولكنه يجد صعوبة بالغة عند الحصول علي السيارة وترخيصها فأوراق الملكية قد تكون قديمة جدا أو غير واضحة وقد تكتمل الأوراق وتجد الشاسيه غير واضح الأرقام أو غير مطابق ، مما يتطلب إعادة البحث والتدقيق ، مما يجعل موضوع استخراج الرخصة ونقل الملكية من أصعب مراحل الحصول علي السيارة الكلاسيك.
وعن تنظيم وإقامة المعارض الخاصة بالكلاسيك قال وهدان أتمنى أن تتبنى الدولة كجهة رسمية إقامة معرض دولي للسيارات الكلاسيك بالقاهرة ، ووضعه علي خريطة المعارض الدولية والوجهات السياحية المميزة ، وأشار وهدان إلي أن معارض السيارات الكلاسيك في العالم أصبحت تحظي برواج شديد بين عشاقها في أنحاء العالم مما يدفعهم للبحث وراء ها في العالم كله وحضور المعارض واكتشاف الجديد في هذه الهواية التى تمتلك عشاقها وتسيطر علي أحلامهم.