«لسه جاى من وسط العتمة ضى.. يفرد جناح النور ويوهبلك حياة تفتح عيونك على الأمل وتشوف مداه.. وساعتها بس هتعرف إنك لسه حى». ربما لم انظر إلى فيلم الممر الذى عُرض فى عيد الفطر المبارك كمجرد فيلم سينمائى كبقية أفلام العيد ولكنه إشارة وبشارة لمن يعى ويتدبر ويستطيع أن يستنبط الدروس المستفادة دون الانجرار إلى تقييم بعض النقاد وانتقادهم لبعض جوانب العمل وفقًا لمستواها الفنى فقط.. الممر رسالة واضحة جدًا بأننا مازلنا على الدرب الصحيح حتى وإن تباعدت الخطى أو تفرقت أحيانًا ولكنها فى النهاية ما زالت فى نفس الممر. أجمل ما فى الفيلم الذى يبدأ من نقطة معتمة فى تاريخنا المعاصر وهى نكسة يونيو انه ينتقل بنا سريعًا من مرارة الانكسار إلى حالة البحث عن انتصار يداوى الجراح ويغسل النفوس من اليأس والوهن الذى أصابها.. أراد صناع الفيلم أن يذكرونا نحن الكبار ويخبروا أيضًا هؤلاء الصغار أن هذا الوطن لا يعرف معنى السقوط حتى وإن تجرع مرارة الهزيمة وأن جينات هذا الشعب الخالد أصيلة وثابتة ضد كل محاولات الطمس والتغييب فجاءت حرب الاستنزاف سريعًا بعد النكسة لتمهد الأرض لانتصار عظيم يعيد الثقة إلى النفوس قبل أن يعيد الأرض ويقتص للعرض. عودة إلى افلام السينما ذات القيمة والأثر بعد غياب طويل وفى وسط حالة من سيطرة السطحية والتفاهة على الفن المصرى الذى اصطبغ مؤخرًا بالعنف والبعد عن القيم المصرية الأصيلة حتى كاد أن يفقدنا أهم أسلحتنا الدفاعية ومنابرنا التنويرية وهى قوانا الناعمة التى كانت ولابد أن تظل دائمًا مجيشة لخدمة مصالح الوطن وأهله وقضاياه القومية.. من جديد نرى فيلمًا حربيًا بإنتاج ضخم ودعم كامل من أجهزة الدولة والمؤسسة العسكرية ليخرج الفيلم بشكل يليق بالماضى وبطموحات المستقبل ومن جديد يكسر شعب مصر كل التوقعات التى سادت قبل عرض الفيلم بأنه لن يحقق أى نجاح جماهيرى فنرى شبابا رائعا وأسرًا مصرية بأكملها أمام دور العرض وليحقق الفيلم إيرادات عالية ربما يحتل بها المركز الثانى فى موسم العيد وإن كنت أظن أنه سيقفز للمرتبة الأولى وسيبقى محفورًا فى ذاكرة المصريين لمدة كثيرا من تلك الأفلام التى تحقق طفرات سريعة فى إيرادات مواسم الأعياد ثم تختفى سريعًا أيضًا لانخفاض قيمتها الفكرية والفنية فما زال البقاء للأفضل والأكثر قيمة. لم يكن نجاح فيلم الممر مقصورًا على الإيرادات ولكنه تخطى ذلك إلى مرحلة إعادة الوعى وتنشيط الذاكرة وبث روح الهوية والانتماء من جديد إضافة إلى فتح شهية كثير من الشباب على البحث عن تفاصيل تلك العملية البطولية ومعرفة كواليسها وأبطالها الحقيقيين بل وتعدت ذلك إلى رواج حالة البحث عن كل بطولات الجيش المصرى والشعب الخالد خلال فترات أخرى من التاريخ والتعرف على حجم الجهد الذى بذل من أجل تحرير الأرض وبقاء الهوية المصرية ثابتة دون تجريف أو اهتزاز. شكرًا لصناع الفيلم وأبطاله وإلى مزيد من تلك الأعمال التى نحتاجها بشدة ليعود الفن المصرى رائدًا ومعلمًا ويجد شباب الوطن من يذكرهم بأيامنا الباسلة وبطولاتنا الخالدة فيعلم أنه ابن تلك الأرض الطيبة التى لا تتوقف ابدًا عن إنجاب الأبطال والعظماء فيجد القدوة والمثل فى زمن ندرت فيه مثل تلك القدوات أو كادت أن تختفى. من الممر إلى ما سيأتى بعده من أعمال فنية وأدبية نردد دائمًا تحيا مصر ويحيا جيشها وشعبها ومثقفوها ونخبتها ضد كل من يزرعون فى أرضنا ياسًا واسفافًا.. عظيمة يا مصر.