وصف رجال قضاء ومهتمون بالقانون الحصار الذي تفرضه عناصر تابعة لجماعة الإخوان علي مدي أكثر من أسبوعين علي المحكمة الدستورية العليا بأنه سابقة تاريخية تتطلب تحركًا قويًا لإنشاء شرطة قضائية لحماية رجال القضاء. لاسيما أن المحكمة المفروض عليها الحصار منذ مطلع الشهر الجاري تحت شعار 'التطهير' تناسي المحاصرون لها أنها مصنفة دوليًا بين المحاكم العليا في العالم في المرتبة الثالثة سواء في ترتيب نزاهة احكامها أو تشكيل قضاتها أو القانون الذي ينظم أعمالها واختصاصاتها وهي بذلك تسبق محاكم أخري لدول كبري في هذا الشأن. المحكمة الدستورية اذن تشهد مذبحة وأزمة لم تشهدها في تاريخها كله الذي يمتد إلي أكثر من أربعين عامًا وأصبحت الآن 'تحت الاسر'.. قضاتها لم يتمكنوا من ممارسة أعمالهم وسلطتهم القضائية في ظل غوغائية وفوضي ترعاها السلطة التنفيذية وتشجع عليها بهدف تحطيم سلطة أساسية من سلطات البلد 'سلطة القضاء' ولكي تنفرد بالسلطة وبعد ان تم توجيه تهديدات بالاغتيال لعدد من قضاتها - بحسب ما ذكرته المستشارة تهاني الجبالي نائب رئيس المحكمة. وأمام هذا الإرهاب اضطرت المحكمة 'برئاسة المستشار ماهر البحيري' إلي تأجيل نظر الدعاوي الخاصة ببطلان الجمعية التأسيسية وقانون انتخابات مجلس الشوري علي خلفية الاحتجاجات والاعتصامات التي بدأت فور انتهاء اعلان الرئيس مرسي العياط من دعوة الشعب للاستفتاء علي الدستور. ويرفض مساعد وزير العدل المستشار هشام رؤوف عضو تيار الاستقلال ما يحدث أمام المحكمة الدستورية العليا أيا كان الرأي فيها أو في أحكامها بهدف إجبار قضاتها علي اصدار حكم معين!! وقال إن هذا الحصار يمثل طعنًا في العدالة نرفضه عن القضاة، حيث لا يجوز ان يكون الشارع ضاغطًا بأي شكل من الاشكال علي القضاة والمحاكم سواء بخصوص الأحكام الخاصة بالثورة والثوار أو الشهداء أو غيرها من أحكام وسواء كانت أساليب الضغط علي شكل مظاهرات أو احتجاجات أو اعتصامات أو حصار أو بأي نوع آخر من أنواع الضغط. وأشار إلي أن العناصر المحتشدة أمام المحكمة الدستورية تحاول إجبار المحكمة علي إصدار حكم معين ولا بد أن يهدأ الشارع ولا بد أن تترك المحكمة وأن تنهي حصارها لها وإلا فلا داعي لأن تكون في مصر محاكم من الأصل. أما رئيس مجلس الدولة الأسبق المستشار محمد حامد الجمل فيري أن ما يحدث سابقة تاريخية لم تعشها مصر حتي في عهد الاحتلال ولم تحدث في أي دولة في العالم. وأكد 'الجمل' أن منع القضاة من ممارسة أعمالهم في إقامة العدالة ومحاولة اسقاط السلطة القضائية وفرض الفوضي وحكم الغوغاء جريمة واضحة المعالم، مؤكدًا أن هناك تقاعسًا واضحًا من الأجهزة الأمنية لمنع حصار المحكمة والاعتداء علي قضاتها وهذا أمر غير مسبوق. وكشف الجمل عن انه يحق للمحكمة في حالة الضرورة ان تعقد جلستها في مكان آخر في داخل النطاق الجغرافي لنفس المحافظة ويمكنها ان تعقد الجلسة في المكان والزمان الذي تراه ملائمًا حتي يزول الحصار وبعد ان يتم تأمينها بقوات ملائمة توفر الأمن والأمان للقضاة والعاملين في المحكمة. وطالب 'الجمل' بضرورة العمل بقوة علي تنفيذ المطلب الذي تم التأكيد عليه مرارًا وتكرارًا من جانب القضاة والعاملين في حقل القضاء والنيابة العامة علي مدي عدة عقود وهو توفير شرطة قضائية خاصة بالمحاكم تتبع وزير العدل ولا تتبع وزير الداخلية وتكون هذه الشرطة مختصة بحماية المحاكم والقضاة وتكون مسئولة عن حماية المستندات والأوراق الخاصة بالمحاكم والمتقاضين خاصة بعد الاعتداءات المتكررة من جانب البعض علي المحاكم والقضاة في الفترة الأخيرة فضلا عن ان هذا المطلب تكرر كثيرًا في عدد من المؤتمرات واللجان الخاصة بتنفيذ العدالة ومنذ سنوات عديدة إلا أن الحكومات المتعاقبة لم تسمع ولم تحاول تطبيق هذا المطلب الملح والذي اتضح مدي اهميته الآن خاصة في ظل التوترات الحالية التي تشهدها المحاكم اليوم. أما الفقيه القانوني عصام الاسلامبولي فيؤكد ان ما حدث من اعتصام وحصار أدي إلي تعطيل سير وعمل مرفق حيوي ومهم من مرافق الدولة يعد مخالفا للاعلان الرئاسي الذي اصدره الرئيس مرسي وهو عدم تعطيل سير العمل بمرافق الدولة المهمة والحيوية وتعطيل مصالح المواطنين والمتقاضين. ويشير الاسلامبولي إلي ان التصرفات غير المسئولة من جانب المحاصرين للمحكمة تؤكد أن هناك توافقًا واضحًا في الارادة ما بين الرئاسة وبين من قاموا بالحصار خاصة ان هتافهم الرئيسي كان 'ادينا الاشارة نجيبهم لك في شكارة' وهذا دليل واضح علي ان حصار المحكمة لم يكن نتيجة شعور تلقائي بل كان نتيجة توجيه أو إيحاء من جانب جهات بعينها لتعطيل العمل بالمحكمة ومنعها من اداء دورها. في حين يشير المستشار عمرو جمعة نائب رئيس مجلس الدولة إلي ان ما يحدث أمام الدستورية العليا يدل علي انحدار الثقافة المجتمعية عند بعض فئات الشعب لأن حصار مرفق من مرافق العدالة يعني قبولهم ضمنا بتأخير وعدم انجاز العدالة التي قد تخصهم شخصيا في محاكم أخري فلا يحق لهؤلاء ان يتحدثوا بعد ذلك عن تعطيل الدعاوي أو بطء سير العدالة في أي محكمة أخري ومن ناحية أخري نجد ان هناك سلبية غريبة من أجهزة الأمن التي هي مسئولة عن المحاكم وحمايتها من الداخل والخارج لا من الداخل فقط بل يجب ان يكون قضاة المحكمة والمحامون والموظفون والمدعون مشمولين بهذا الأمن الذي يتوجب عليه فض هذه الاعتصامات فورا. ومن جهة ثالثة فإن حصار المحكمة الدستورية يكشف عن تهاون النظام القائم في حق القضاء واصراره علي إدارة البلاد بمنطق الأهل والعشائر ناسيا أو متناسيا ان دولة بحجم مصر في هذا الموقع الجغرافي يجب ان تكون دولة مؤسسات قانونية.