تبددت أعمدة السحاب التي أطلقتها إسرائيل علي غزة، أخفقت في هزيمة المقاومة التي صمدت علي مدي ثمانية أيام -21/14 نوفمبر الحاي- ارتكبت فيها إسرائيل الموبقات من خلال قصف مكثف للقطاع سقط من جرائه أكثر من 160 شهيدًا وجرح أكثر من ألف ومائة فلسطيني، محرقة أخري نفذتها إسرائيل بدم بادر عصفت خلالها بكل المعايير والشرائع الدولية، إنها جريمة حرب شبيهة بالمحرقة التي نفذتها نهاية 2008 واستمرت حتي 18 يناير 2009، ولا غرابة فبفضل الدعم الأمريكي الكامل لها تمضي في غيها وتمارس التطهير الإثني ضد الشعب الفلسطيني. إلا أن غزة بمقاومتها الباسلة وضعت نهاية لأعمدة السحاب، ولا شك أن هذا العدوان قد فضح الدول التي تسلح المعارضة السورية بالمال والسلاح بينما لا تجرؤ علي مد المقاومة الفلسطينية بطلقة رصاص واحدة! ولكن بفضل شجاعة المقاومة وبفضل دعم جمهورية إيران الإسلامية أمكن للمقاومة أن تحقق هذا الصمود الأسطوري والنصر التاريخي الذي أجبر إسرائيل علي أن تذعن وتقبل باتفاق وقف إطلاق النار. حرب 'نيتانياهو' علي غزة أساءت إليه لا سيما أنها لم تحقق له أي هدف وإنما كانت وبالاً عليه أثبتت تهوره وعجزه وهو الذي دخلها طمعًا في أن تمكنه من إحراز نجاح غير مسبوق في الانتخابات المبكرة التي تعقد في يناير القادم. ظل موقف أمريكا منحازًا لإسرائيل إلي حد أن اغتيالها لأحمد الجعبري في 14 نوفمبر الحالي لم يمثل عدوانًا وفق الرؤية الأمريكية بدعوي حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، فأمريكا ظلت دومًا تتبع سياسة العين الواحدة فهي لا تري إلا مصلحة إسرائيل وغير ذلك فليذهب إلي الجحيم، وعليه وقف 'أوباما' حليفًا مخلصًا للكيان الصهيوني، فلم ير مجازره وإنما رأي فقط صواريخ المقاومة الفلسطينية بوصفها هي التي أدت إلي أندلاع الأزمة في القطاع وفق رؤيته الظلامية، ومن ثم سارع بدعم إسرائيل منذ بداية عدوانها علي غزة. أما اتفاق وقف إطلاق النار فكان بضغط أمريكي مكثف علي إسرائيل للقبول به، ولم يكن هذا من قبيل رفع العدوان عن غزة وإنما كان لإفساح المجال من أجل التفرغ للملف السوري والانتهاء منه وفق السيناريو الذي رسمته أمريكا وتنفذه بحرفية دول في المنطقة تتصدرها تركيا بهدف الاجهاز علي سوريا وهي المهمة التي أخذتها أمريكا علي عاتقها والتي تصب بالايجاب في صالح إسرائيل الحليف الاستراتيجي، فلقد سرت خشية لدي أمريكا من أن استمرار إسرائيل في قصف غزة قد يحول الأنظار بعيدًا عن القضية السورية، ولربما نجح أوباما في تمرير هذه الفرضية لدي نتنياهو للقبول بوقف إطلاق النار من خلال منحه ضمانات بإمكانية عودة إسرائيل بعد انتهاء المهمة في سوريا إلي القيام بكل ما تريد القيام به ضد غزة. ولهذا كان يتعين علي دول المنطقة التي تضطلع بمعالجة الملف السوري كتركيا التصرف بإيجابية من أجل حل الأزمة السورية سلميًا ووقف دعم المعارضة بالسلاح والمال، بيد أنها وللأسف أسقطت هذا الاعتبار من حساباتها وعلي النقيض شرعت في التعامل مع سوريا كعدو يجب استئصاله.