لدى فى المعتاد تحفظات على الكتابة باللهجة العامية، ولكنى اؤمن أيضا أن لكل قاعدة استثناء، وبعض المواقف تحتاج للهجة الدارجة لإيضاح معناها ومضمونها الإنساني الحقيقي، فاسمح لي عزيزي القارئ باستخدامها للكتابة عن بسطاء الشعب المصري، هؤلاء الذين تنتابني الفرحة للحظات حينما أرى لمحات من حياتهم البسيطة!! * سائق الميكروباص وهو يحيى صاحبه حين يصادفه على الطريق ويداعبه بكلمات تضحكهما وربما تضحك كل الركاب، ثم يواصل كل منهما طريقه!! * عمال النظافة أثناء فترة الراحة، وتناول الطعام البسيط المكون غالبا من (عيش، جبنة، فول، بصل، طماطم مخلل)، وهزارهم وضحكهم رغم الشقاء. * عمال المعمار-البنايين والحمالين- وسط الطوب والزلط والاسمنت والحديد والرمل تتعالى أصواتهم الصاخبة بدعابات قد لا يفهمها غيرهم لكنها تهون عليهم العمل الشاق. * أطفال البواب وبائع الخضار ...الخ حينما يجتمعون ويلعبون ألعابا بسيطة فتتعالى ضحكاتهم البريئة. * عاملات المنازل التقليديات (مش اللى على الموضة) ولقائهن في السوق والدردشة اثناء الفصال والشراء وما يتخلل ذلك من مناوشات وضحكات رنانة أحيانا. * البائعات الريفيات والابتسام على استحياء ومداراة وجوهن، وكأن الضحك جريمة اجتماعية تخالف العادات والتقاليد وينبغي الاختباء بها. * اجتماع الباعة والعمال حول طبق أو اثنين مع كوم من العيش، ودعوتهم لكل واحد معدى رغم إنه (يا دوب على الأد)، وحلف 100 يمين إنه لازم يأكل معهم. * البائع المتجول، الذى يسعى على رزقه بسلع زهيدة الثمن تجعلك تتساءل هل تكفي تلك الجنيهات القليلة احتياجاته؟! فيفاجئك أنه يجمع حوله قطط الشارع لتشاركه طعامه البسيط، بل أحيانا يشترى لها نوعا من اللانشون أو الأسماك (أنواع رخيصة الثمن فى نظر البعض لكنها قد تلتهم كل دخله اليومى) لإطعامها، ممثلا الرحمة في أوضح صورها. * عسكرى المرور الفرحان بكوب مياه مثلجة (تطرى) عليه فى الجو الحار، واللى اعتبر نفسه محظوظ لوجود سبيل (كولدير) بالقرب من مكان خدمته. * عربة الفول الخشبية، التي أصبحت طقسا صباحيا، ومشهدا معتادا في شوارع مصر، والتفاف الناس حولها، كل منهم أمامه طبق الفول بكل مستلزماته زيت وليمون وطحينة.. وبجواره المخللات والباذنجان المقلى والبطاطس وغيرها من المشهيات التى يسميها اولاد البلد (الحبشتكانات)، وطبعا الطعمية التى لا تفارق الفول أبدا. إن عربات الفول تمثل تجمعا اجتماعيا مثيرا للدهشة حيث التعامل البسيط بين زبائنها، والتعاون والكرم وكأنهم عائلة اجتمعت على مائدة الطعام!! والغريب أنها تضم مختلف الطبقات الاجتماعية عمال، موظفين، طلاب، حرفيين، مع الطبقات الأكثر رفاهية، فلا يندهش أحد من أن تتوقف سيارات فارهة ويترجل راكبوها للانضمام إلى حلقة الآكلين حول عربة الفول!! وغير ذلك الكثير من المواقف اليومية التي بالتأكيد رأى كل منا واحدا منها على الأقل، ووجد نفسه يبتسم لا إراديا، وكأن جرعة من السعادة قد انتقلت إليه عبر الأثير من هؤلاء البسطاء. إنها صور من حياة الشعب الكادح المطحون (الشقيان بجد)، ضحكات رغم المعاناة والشقاء والفقر تمثل بصيصا من الضوء وسط الظلام الحالك، ضحكات من القلب تؤكد أن هذا الشعب الطيب سيعيش رغم كل الظروف الصعبة، ضحكات لا تستغرق إلا لحظات لكنها (تخفف) مشقة وصعوبات الحياة وتساعده على مزيد من التحمل، ضحكات تعكس الإيمان بالله والرضا بالقدر والصبر على الشدائد، إنها ضحكة (الشقيانين) من أهل مصر الطيبين، ملح الأرض كما يقال عنهم. شئ في أعماقي يجعلني أردد فور رؤيتي أو سماعي لضحكات القلوب الطيبة جملة تعيشي يا ضحكة مصر، فمن أجل هؤلاء وبهم تحيا مصر.