"بجنيه فول وخمس ترغفة وبصلة لو سمحت"، سمعت الجملة لأنظر خلفي وأرى عامل تراحيل يتحدث مع بائع على عربة فول، بالطبع لست أعاني من حالة فراغ حتى أخصص حديثي عن طلب الرجل، ولكن إجابة البائع هي من جعلت الكلمات تُكتب وحدها. "الطبق بثلاثة جنيه والعيش باتنين ونصف.. الحساب 5 ونص يا ريس"، تعجبت من ارتفاع سعر الطبق، وتعجبت أكثر من رد عامل التراحيل "طيب معليش يا باشمهندس.. خليهم تلت ترغفة علشان هخلص واحدة بليل ولازم أسند طولي". الحديث دار أمامي، والحياة دار شريطها أيضا، لأن قدرة الفول هي قدر المصريين، فبين "حباته" تكمن التفاصيل، نعم أقولها إن الفول ليس مسموما، لأنه سبب حياة المصريين منذ بدء الفساد، حيث لم يجد المصري سوى بعض حباته ليقنع نفسه بأنه "شبعان"، فهل سنسمح له بالاختفاء، نتيجة ظهور أقاويل تفيد بأن هناك مادة مسممة توضع فيه ؟!. العامل البسيط لا يجد مالا في جيبه المثقوب، لشراء طعام الأغنياء، ولكن قد يكتفي بطبق واحد منه ومعه "بصلة" وخمسة "ترغفة" لإخراس عصافير معدته التي تصرخ كل حين وآخر، وإن كان سعر الطبق نفسه أرتفع إسوة بأخوته من الأغذية، وكأنه يخرج لسانه للغلبان ويقول له "هتتشطر عليا أنا"!. بائع الفول نفسه أتجه لهذا العمل ليس لأنه أقل من كاتب المقال، - لا سمح الله – بل لأنها غايته و"لقمة عيشه"، ويعلم أنه يربح ومنها سيفتح بيته، والقضية ليست دفاعا عن الفول، بل دفاعا عن طعام رخيص "بعض الشئ" يجعل الحياة أفضل بالنسبة للبسطاء، وليس أيضا تهكما كما يظن البعض الذي سيقول "مين اللأهبل اللي كاتب الكلام ده.. ده أكيد كان بيحب الفول.. والفول خانه"، نعم اتوقع هذه السخرية، ولكن دعونا نقرأ في صمت. فالفلاح البسيط لا يأكل "باتون ساليه"، ولن يستطيع قراءه اسمه من الأساس، ليس تقليلا منه، بل لأنه لا يحب "الفشخرة"، ويجد "في "قدرة" الفول "قدره" المكتوب، ليلتف مع عائلته البسيطة حوله لإيمانه بأن "بروتين" بقرشين، أفضل من "بروتين" بمئات الجنيهات، مما سيجعله مفلسا خلال يومين على الأكثر. أنظروا في وجوه الواقفين حول عربات الفول، وأحفظوا ملامحهم جيدا، لأن البعض لا يراهم وسط زخم الحياة، ولاحظوا سعادتهم بالطعام البسيط الذي أمامهم، ولا تمحوا ضحكتهم البسيطة بأحاديث كبار العقلاء الذين يعتقدوا بكون الحياة وردية، لأنها ليست كذلك، تأملوهم جيدا ثم تحدثوا عنهم، فقبل أن تدمروا هيبة الفول قللوا سعر اللحوم والدواجن، فلا تعاقبوا المصري على قلة حيلته، لأن البعض يأكل من صندوق الفضالات حتى لا يسقط ميتا، فأرفعوا أيديكم عن الفول، وإلا لن يجد المصري البسيط طعاما يأكله، وحينها سيأكل من حوله، وهذا ليس حديثي بل أن "الفول يحذر" !!.