بينما كانت في الماضي تعج الحوائط أينما ذهبت في مصر بملصقات انتخابية قديمة و إعلانات لمحلات وشركات تجارية ، وحتي اعلانات لمدرسي الدروس الخصوصية .. جاءت ثورة يناير لتحمل لتلك الحوائط المفعمة بالتشوية فناً يعيد لها بريقها بطريقة تذكر من يراها بمثيلتها من الحوائط في بعض المناطق من المدن الاوربية ، فتش في صورك القديمة او صور أيا من أصدقائك في بلاد الغربة لتتأكد أن ثمة صورة قد تم إلتقاطها بجوار حائط يحمل عبارات و رسومات جرافييتي ! مبدئياً ، أنا ضد وجود روسومات الجرافيتي علي كل حائط وفي كل مكان ، والا لصار ذلك تشويهاً وتخريباً و ليس فناَ و إبداعاً ، كما انني ضد بعض العبارات التي يكتبها البعض والتي تمس أديان وتسخر بشكل مهين من بعض الشخصيات ، وهذا لا يتعارض قبولي للنقد الفني والرسومي البناء كما في رسوم الكاريكاتير ، وان كنت عموما أحبذ جداريات الجرافيتي التي تجسد لأحداث عظيمة و تبقيها للذكري كأيقونة رسمتها عفوية الموقف والحدث كي تبقي مع التاريخ تذكر بالحدث وبأصحابه ، مشكلة الجرافيتي الحقيقية هي أن من يريد التخلص منه يقوم برشه بدهان أسود داكن اللون ، وهو ما يشوه المكان بأكمله وليس الحائط فقط ، كما انه لا يخفي الرسم تماما ، فيبدو صراع من يريد التخلص مما هو مرسوم بأنه صراع مع الحائط أكثر مما هو رغبة في محو النقد أو الرسالة التي يحملها الرسم . دعني أشارك مستشار الرئيس المصري "أيمن الصياد" كلماته عندما وصف ما قامت به أجهزة الدولة المصرية من محو لرسومات الجرافيتي من شارع محمد محمود بأن " العقلية التي قامت بذلك تحاول محو الثورة و آثارها " ، وهذا تأكيد بأن تلك الرسومات هي نوع من تسجيل التاريخ والأحداث ، ولعل الفعل وان كان غير مقصود بحسب ما ادعت بعض المصادر فإن رد الفعل كان سريعا و أكثر قسوة ، فقد قام الشباب بإعادة رسم رسومات جديدة وعبارات جديدة ، منها : " تمسحها ميت مره..هرسمها ميت مرة.. لوحتي بتفكرك بذكريات مره ..صورة شهيد مننا متلونة بدمعنا .. والعند من طبعنا ..مش جايبه من بره " ! قرأت خبراً بأن وزير الشباب قد دعا فناني الجرافيتي والتشكليين للرسم علي جدار كل مراكز الشباب ، وهذا عمل حميد لو تم إنجازه بالفعل ، و يمكن تخصيص جدران معينة في بعض المؤسسات والاماكن و يتم دعوة الموهوبين و المبدعين لإضفاء روح مختلفة علي حوائط تلك المؤسسات التي غطها الموت قبل الأتربة ، مع وضع معايير فنية لضبط الرسومات والعبارات التي تصاحبها ، حتي نضمن أن أي محو مستقبلي هو عداء مع الرسم أكثر مما هو حفاظ علي الحائط ، وأن كل رسمة هي روح جديدة للحائط أكثر مما هي عداء معه !