لم يكن الرئيس عبد الفتاح السيسى يغالى عندما تحدث عن دور الشائعات وحروب الجيل الرابع فى هدم جدار الدول وإسقاط المؤسسات وإفشال الدولة الوطنية.. وفى الأيام الماضية تحدث الرئيس عن أن مصر تعرضت خلال ثلالة أشهر فقط إلى واحد وعشرين ألف شائعة استهدفت كافة مناحى الحياة على أرض الوطن وسعت إلى تشوية صورته ونشر الأكاذيب التى تستهدف الرموز والمواقف والقرارات المختلفة.. وقد سعى مروجو هذه الشائعات إلى استخدام مواقع التواصل الاجتماعى وصفحات «الفيس بوك» كمنصات فاعلة لإطلاق الشائعة التى سرعان ما تسرى كالنار فى الهشيم، فتصيح واقعًا يتعامل معها البعض وكأنها حقيقة لا تقبل الجدل أو النقاش، حتى تحولت صفحات «الفيس بوك» إلى لوحات إعلان تتضمن شعارات وإدعاءات وفتاوى ومواقف تجاوزت كافة الأعراف ومواثيق الشرف الإعلامى. لقد أصبحت هذه المواقع وتلك الصفحات جمهوريات مستقلة، ليس لها قانون، وليس لها حدود، يمارس عليها مستخدموها من المحرضين كافة أنواع الكذب دون حسيب أو رقيب، ويطلقون التوصيفات والنعوت مستخدمين فى ذلك اللغة المبتذلة حتى أصبحت هذه الصفحات تمثل خطرًا لا يقل عن خطر العنف والإرهاب. كما نقول منذ زمن طويل إن هذا الذى يجرى ليس حرية، فالحرية ليست خلاصًا للذين لا يؤمنون بها، ولا يملكون ثقافة ممارستها، لأنها وبالتأكيد فى حالات اللاوعى الجماعى، ستأخذ المجتمع أو الفرد إلى الانفلات الكامل أو الفوضى الكاملة التى تؤدى بالمجتمعات إلى الانهيار والتهلكة. لم يكن الأمر محض الصدفة، وإنما يعكس تخطيطًا منهجيًا منظمًا، الهدف من ورائه استخدام كافة آليات الحرب الناعمة لإسقاط الدول وتفتيتها بديلاً عن الحرب العسكرية المباشرة. لقد قالت وزيرة الخارجية الأمريكية )الأسبق( هيلارى كلينتون عشية ما اسمى بالربيع العربى، وتحديدًا فى 13 أكتوبر 2009 إن على الولاياتالمتحدةالأمريكية أن تعمل جاهدة من أجل استحداث أنماط مختلفة لغرض الوقائع الدولية المقبلة، وأن نسخر ما لدينا من قدرات عسكرية واقتصادية وسياسية وقانونية وإعلامية من أجل تحقيق ذلك. ولم تكن السوشيال ميديا هى وحدها الآلية التى جرى من خلالها وعبرها تنفيذ المخطط، بل إن بلدًا لا يزيد عدد سكانه عن المليون نسمة )قطر( استطاعت من خلال المال والإعلام فى تفجير العديد من ساحات الدول المستهدفة والتى يزيد سكانها عشرات الأضعاف عن سكان قطر، إلا أن الدور التحريضى وإطلاق الشائعات الكاذبة من خلال منصة قناة «الجزيرة» تسببت فى إرباك الأحوال وانهيار دول وسقوط أنطمة وسيادة الفوضى فى العديد من البلدان العربية. لقد نجحت هذه الحرب التى اسخدمت من الأكاذيب والشائعات وسيلة للى الحقائق وتشويه الموروث، وضرب القناعات فى خرق ساحة الرأى العام فى العديد من البلدان واللعب على أوتار الطائفية والمذهبية والعرقية، مما أدى إلى الانفجار الذى لا يزال يدوى فى أنحاء مختلفة من ساحات العالم العربى. ولم تكن مصر أبدًا بعيدة عن هذه الحرب، فكل إنجاز يتحقق على أرض هذا الوطن يجرى تشويهه، وكل مقولة يجرى تحريفها، مستخدمين فى ذلك كافة وسائل التكنولوجيا والاتصال. ولم يكن الأمر فقط قاصرًا على اللجان الإلكترونية المعادية من الداخل والخارج، بل إن العديد من مقدمى البرامج الفضائية فى الداخل والخارج انخرطوا فى هذه الحرب بشكل أو بآخر، وكانت المحصلة النهائية لذلك هى خلق عالم من الأكاذيب والأوهام أثمرت عن تسويق الشائعات واللعب على المتناقضات وإنتاج منظومة أكاذيب عبر أخبار مغلوطة وتقارير مصنوعة ورسوم كاريكاتير تقطر سمًا تطال المجتمع ورموزه. ومن أجل عملية التسويق والانتشار السريع يجرى إنتاج فيديوهات مرتبطة بالخبر، ذات طابع فكاهى، فيقوم رواد هذه المواقع بترويجها، دون أن يدركوا أو يعوا خطورة هذه المشاركة والترويج الذى يحقق هدف المعادين بكل تأكيد. إن المتأمل جيدًا لبعض هذه الشائعات التى شهدتها مصر ولا تزال يدرك أن الهدف منها: - التشكيك فى كل شىء. - التحريض ضد أى شىء. - شيطنة الرموز. - سقوط هيبة السلطة. وهكذا إن الكذبة كما يقول «تشرشل» ستدور حول العالم، بينما لا تزال الحقيقة ترتدى ملابسها نعم إنه فن إتقان الخداع!! هذه حرب غير مرئية، وغير محسوسة، تشتعل بهدف إفقاد الجماهير ثقتها فى كل شىء، لتضرب القناعات والحالة المعنوية للفئات الاجتماعية المختلفة وستأخذ الرأى العام إلى طريق مختلف عما كانت عليه. إن خطورة حرب الشائعات أنها قادرة على اغتيال الرموز والشعوب، وإثارة الفتن، والتمهيد للفوضى لكل ذلك يتوجب التصدى لها، باستخدام كافة الآليات الفكرية والثقافية والإعلامية والقانونية ولا يجب التوقف فقط عند حدود الشائعة والرد عليها. وطالما كنا على يقين أن مصر مستهدفة، وأن الشائعات هى واحدة من أخطر حروب الجيل الرابع، فيجب أن تكون هناك آليات وأدوات غير تقليدية فى مواجهة هذه الحرب الممنهجة والتى تدار من غرف سوداء فى الداخل والخارج على السواء!!