يقولون إن للتاريخ مصفاة سحرية تُسقط الأكاذيب وتُبقى على الحقائق وبفضل هذه المصفاة ظلت الشائعة تقرع الشائعة والأكذوبة تضرب الأكذوبة حتى لم يبقى فى النهاية إلا الحقيقة وحدها .. 66 عاما من الجدل تكفى ..!! حين نُقَيم حدثًا تاريخيًا بحجم ثورة 23 يوليو 1952 وما أحدثته من تغيير جذرى فى شكل الوطن العربى بأسره وليس فى مصر وحدها لابد ان نكون منصفين ومتمتعين ببعض الحيادية بعيدًا عن الشخصنة والاهواء وان نحاول فهم عوامل الزمان والمكان جيدًا فلكل حدث خلفياته وعوامله التى تؤثر على شكله ومخرجه النهائى بين السلب والإيجاب ..!! 66 عاما من الجدل .. بين من يقيم ثورة يوليو 1952 على أنها مجموعة من المساوئ وألاخطاء القاتلة فقط ادت فى النهايه إلى نكسة يونيو المريرة .. وبين من ينظر إليها نظرة دوجماتية خالية من العيوب والأخطاء أو يعتبر أخطاءها أشياء طبيعية لا يمكن تجنبها فى ذلك الوقت فمن وجهة نظرهم ان قوى الشر كانت متربصة متحفزة تحاول القضاء على الثورة منذ قيامها بكل وسيلة ممكنة.. بين الفريقين المتناحرين طويلًا وفى الوسط دائمًا توجد الحقيقة فأفعال البشر لا تُقاس بمقاييس الأنبياء ولكن يظل الرهان هو اى كفه ستعلو عن الأخرى فى ميزان الحسنات والسيئات ..!! بعد 66 عاما نتسائل : هل كانت الثورة او تلك الحركة العسكرية ضرورية حقًا ؟؟ اعتقد ان الاجابة ستكون نعم وبكل تأكيد لأن الفساد السياسى والظلم الإجتماعى قبل الثورة كانا يفوقان الوصف ولنستمع بإنصاف إلى شهادات أهلنا فى ريف مصر الذين عاصروا الثورة او استمعوا إلى آبائهم وهم يتحدثون عن الذل والفقر والمرض االذى ساد بينهم فى عصر الأقطاع وقت أن كانت الأرض الزراعية ومصدر الثروة الأول فى البلاد مقصورة على عدد قليل جدًا من سكان مصر الذى استعبدوا الباقيين وإمتهنوا آدميتهم فى معادله ما كانت لتستمر أبدًا مهما طال الزمان ..!! من هنا جاءت أهداف عبد الناصر والثورة فى العدالة الأجتماعية نبيلة ورائعة وكانت خطته فى التنمية وأعادة البناء وتاسيس دوله مستقلة الأراده أكثر من عبقريه لولا اعتماده على أهل الثقة بدلًا من أهل الكفاءة وعدم ترسيخ الثوره لنظام ديموقراطى صحيح الممارسة كأسلوب للحكم وهو الذى ان حدث وقتها لتغير اليوم تاريخ مصر وتاريخ المنطقة العربية بأسرها خاصة فى مجالات الممارسة السياسية والفكرية ولكن سيظل لتلك المرحلة أيضًا انجازاتها فمجرد الأستقلال عن الغرب وبناء السد العالى وتأميم قناة السويس واتاحة مجانية التعليم وغيرها من المشروعات الصناعية الضخمة التى تمت اقامتها هى فى النهاية انجازات لابد من احتسابها لنظام قليل الخبرة حديث العهد بالعمل السياسى وإدارة البلاد فى حينها ..!! تاريخ طويل من رحلة البحث عن المنقذ وسط صراعات العرب والصهاينة والبحث عن الهوية فى أعقاب الأستقلال عن الاحتلال الانجليزى ليأتى عبد الناصر ورفاقه ليجسدون هذا الحلم حتى وان كانوا غير مؤهلين له بحكم السن وقلة الخبرة وقتها إلا أن التوقيت والمناخ العام كان مشتاقًا لهذا البطل الرمز الذى سيأخذ بيد الجميع نحو الحرية والأستقلال والكرامة وهو ما شكل ضغطًا نفسيًا هائلًا على الرجل ومن حوله فكانت الأنجازات وكانت ايضًا السقطات والعثرات ولكن فى النهايه سيظل يوليو 52 حدثًا مؤثرًا وفارقًا فى تاريخ الأمة العربية ولنتوقف الأن عن الجدل ونكتفى بالذكرى فقد طال الأمد ولم يعد لدينا ما نتشاجر بسببه حقًا .. رحم الله ابا خالد وعاشت مصر حرة مستقلة وليُغلق كتاب التاريخ باب الاجتهاد فأمام هذا الشعب وذلك الوطن مستقبلًا يستحق كل التركيز والنظر إلى الأمام بدلا من الشجار الدائم حول ما كان وما حدث منذ عشرات السنين.. حفظ الله مصر الوطن .