إن شغف الإنسان بقاع البحر، ومحاولة اكتشاف ما هو بالأعماق قديم قدم البشرية ذاتها، ولا شك أن الحياة البحرية غنية بما يثير الدهشة والتعجب ويجعلنا لا نفتأ أن نردد سبحان الله، واهتمام الإنسان وفضوله لمعرفة ما يخبئه البحر من اسرار وكنوز وأهوال لا ينتهى، وخير دليل على ذلك نسب المشاهدة غير المسبوقة التى حققها برنامج عالم البحار الذى قدمه الدكتور حامد جوهر (رائد علوم البحار) عبر شاشة التليفزيون المصرى أسبوعيا ولمدة 18 عاما، واستحوذ على قلوب وعقول متابعيه بأسلوبه المميز وصوته العميق ومحتوى برنامجه السابق لأوانه فى ذلك الوقت، حيث كان البرنامج مختصا بالأعماق وكافة أشكال الحياة البحرية، مع شرح مفصل ودقيق وبسيط فى ذات الوقت لفصائل الكائنات البحرية وأنماط حياتها ووعاداتها ... الخ، فى عصر ما قبل الفضائيات، وقبل التفكير فى انشاء ناشيونال جيوغرافيك National Geographic وهي مجموعة قنوات تتبع الجمعية الجغرافية الوطنية الأمريكية بدأت البث عام 1997، وتعرض أفلام وبرامج وثائقية عن الطبيعة والعلم والحضارة والتاريخ -وتتبعها ناشيونال جيوغرافيك أبوظبي الناطقة باللغة العربية التى أطلقت عام 2009- وغيرها من القنوات الفضائية المهتمة بهذا المجال والتى تحظى بمتابعة ملايين المشاهدين فى شتى أنحاء العالم. ولقد حبا الله مصر على طول سواحلها خاصة المطلة على البحر الأحمر بحياة بحرية متنوعة بالغة الروعة من شعب مرجانية Coral وكائنات بحرية، ومن الجدير بالذكر أن منظمة اليونسكو قد ضمت 30 موقعا فى مصر إلى قائمة التراث العالمي ومنها محمية رأس محمد فى سيناء التي تتميز بالشواطئ ذات الشعب المرجانية والأحياء المائية النادرة والسلاحف البحرية المهددة بالانقراض، كما أن مصر تتبوأ مكانة متميزة بين محبى الغطس السطحى تحت الماء والغوص، ومن أهم المناطق ذات الشهرة العالمية فى هذا المجال البلوهول وخليج فيورد بالإضافة إلى شرم الشيخ وسفاجا ومرسى علم، كما يوجد (اكواريوم) الغردقة وهو واحد من افضل متاحف الأحياء المائية فى العالم ويحتل المركز الثانى فى المنطقة العربية بعد اكواريوم دبى. وبالرغم من ان ساحل البحر المتوسط لا يتمتع بمثل هذه المقومات إلا أن تحت مياهه تكمن كنوز لا تقدر بثمن، وللأسف لا تستغل سياحيا!! حيث يوجد تحت مياه البحر المتوسط حطام سفن تاريخية مثل المدمرات الأسبانية والبريطانية والسفن التى دمرت وغرقت اثناء الحروب العالمية الأولى والثانية، وسفينة (لوريانت الشرق) الخاصة بقيادة الأسطول الفرنسى فى معركة (ابوقير) البحرية بين نيلسون ونابليون، وغيرها من السفن الغارقة التى توجد جميعها على عمق يتراوح ما بين 5 و60متر، أى أنها على عمق يسهل الوصول إليه غطسا. والأهم من هذا وجود مواقع أثرية كاملة، تنتمى للاسكندرية القديمة التى غرقت بفعل الزلازل العنيفة التى تعرضت لها، ومن الحقائق المثبتة بواسطة خبراء وعلماء وباحثى الآثار أن تحت الاسكندرية الحالية توجد اسكندرية مطمورة تحت الارض ومغمورة تحت البحر. ورغم كل الآثار التى تم انتشالها من البحر المتوسط إلا أن مازال هناك المزيد والمزيد لم يتم انتشاله ربما لصعوبة ذلك أو للتكلفة الباهظة، وعلى سبيل المثال يوجد قصر كليوباترا والحى الملكى، وبقايا مكتبة الاسكندرية القديمة، ومنارة الاسكندرية (الفنار) التى كانت من عجائب الدنيا السبع، مع أطلال معابد ومنازل وتماثيل ...الخ إلا أن الغوص فى تلك الأماكن غير مسموح به. ولكن إلى متى تجاهل تلك الكنوز واهمالها، واهدار فرص الاستفادة منها سياحيا وثقافيا ؟! لقد قدمت عدة شركات عالمية منذ سنوات – تقريبا نهاية عام 2005 - عروضا لانشاء متحف تحت الماء – ربما هو الأول من نوعه فى العالم – تتلخص فكرته ببساطة فى إنشاء نفق زجاجى تحت الماء يسمح بمشاهدة الآثار الغارقة فى موقعها الطبيعى سواء تحت الميناء الشرقية أو منطقة أبوقير، ولكن لم تنفذ الفكرة، ودفنت العروض فى الأدراج المغلقة برحيل سيادة اللواء عبد السلام المحجوب عن منصبه كمحافظ للاسكندرية، وتبعا لعادة مسئولى الحكومة فى مصر ألا يكمل أحدهم ما بدأه من سبقه، ماتت الفكرة!! ولم يفكر واحد من السادة المحافظين فى أهمية تنفيذ هذا المشروع العملاق لإضافة مقوم سياحى جديد يرفع من شأن الاسكندرية ومكانتها سياحيا بعدما سحب البساط من تحت قدميها لحساب دول سياحية مجاورة، وما سينتج عنه من جذب فئات جديدة من السائحين، بالإضافة إلى تأثيره المتوقع بتحقيق عائد مادى يضاف للدخل القومى. ألا تستحق عروس البحر نظرة اهتمام بمدينتها الغارقة ؟! أم أنها ستظل غارقة فى بحور الاهمال والتجاهل ؟!!!