معركة مع السلفيين حول الشريعة ونائبي الرئيس أزمة مع البرادعي وشباب الثورة بعد التخلي عن العهد والوعود مخاطر صدام في الأفق مع الدولة العميقة حال اللجوء إلي 'أخونتها'!! تزايد حدة المطالب الفئوية والمشاكل المجتمعية في الفترة القادمة لم يكن عاديًا، فجأة وجد د.محمد مرسي نفسه يمسك بمقاليد السلطة التنفيذية والرئاسية في البلاد، كان الأمر يفوق كل التصورات، انه أول رئيس جمهورية منتخب انتخابًا حرًا مباشرًا في تاريخ هذا الوطن، غير أن الأخطر والأهم أنه بالتبعية أيضًا أول رئيس عربي ينتمي إلي جماعة الإخوان المسلمين، هذه الجماعة التي ظلت محظورة علي مدي عقود طويلة من الزمن. وبمجرد إعلان النتيجة الانتخابية سادت حالة من الارتباك بل والصدمة الكثير من المؤسسات والفئات الاجتماعية والسياسية بالبلاد، ولا نغالي إذا قلنا إن حالة الارتباك سادت أيضًا أوساط جماعة الإخوان المسلمين ذاتها، وذراعها السياسي 'حزب الحرية والعدالة'!! ومنذ الأيام الأولي حاول الرئيس الجديد أن يلملم الشتات سريعًا، فبعد تجاوزه لأزمة القسم الدستوري، راح يعقد اللقاءات والاجتماعات مع عدد كبير من المسئولين الرئيسيين بالدولة، ورموز النخب السياسية والثورية والإعلامية، في محاولة منه للاستماع إلي وجهات النظر، والتأكيد في الوقت نفسه علي انه أصبح بالفعل يمارس مهمته كرئيس للجمهورية في البلاد، وانه يريد أن يفرض أمرًا واقعًا علي الكافة خلال فترة الصدمة، باعتبار انه الرجل الأول الذي يحكم البلاد باسم الشعب، الذي جاء به رئيسًا من خلال صندوق الانتخابات!! لقد حاول رئيس الجمهورية منذ البداية فرملة أية توجهات معارضة والحد من أية وجهات نظر مخالفة، ولذلك راح في خطبه المختلفة يسعي إلي إرضاء الجميع، الميدان والجيش والشرطة ونواب المجلس 'المنحل' وقضاة المحكمة الدستورية العليا، وجماعة الإخوان، والأحزاب، السلفيون والأقباط وقس علي ذلك. من هنا بدا التناقض في بعض الآراء والأطروحات والتي تجلت في الموقف من الاختصاصات الخاصة برئيس الجمهورية، وبقاء الجيش أو عودته إلي ثكناته، والموقف من حل البرلمان، ومطالب الثوار والفئات الاجتماعية المختلفة، وغيرها من الأمور الهامة والأساسية. صحيح أن الرئيس حاول ولايزال البحث عن مخرج مسئول لبعض وجهات النظر التي طرحها، خاصة ما يتعلق منها بالموقف من أحكام القضاء، غير أنه بات يدرك الآن أن الحلول المطروحة سلبًا أو إيجابًا لن تعجب الجميع، وأن عليه أن يتخذ القرار المناسب والذي يحافظ علي كيان وبنيان الدولة بغض النظر عن ردود الأفعال، خاصة بعد أن أدرك عمليًا أن هناك فارقًا كبيرًا بين أحلام د.محمد مرسي المرشح الرئاسي وواقعية د.محمد مرسي الذي تبوأ الآن منصب الرئيس!! هناك أربعة تحديات أساسية تواجه الرئيس وتشكل مفاصل رئيسية في مسيرته ومواقفه، ومن شأنها أن تؤثر أيضًا علي مستقبله السياسي وهي: 1 العلاقة مع السلفيين: منذ الإعلان عن دخوله جولة الإعادة الانتخابية في مواجهة المرشح الرئاسي أحمد شفيق، توحدت كافة القوي السلفية واصطفت خلف لمرشح الإخواني د.محمد مرسي، وصدرت التعليمات إلي كافة القواعد بالعمل علي بذل كل الجهود لانجاح المرشح الإسلامي واسقاط ما اسمي بالمرشح الذي يسعي إلي إعادة إنتاج النظام السابق. وأجري كبار العلماء وقادة الحركة السلفية حوارات مكثفة مع د.عبدالمنعم أبو الفتوح المرشح الرئاسي الذي حاز علي الترتيب الرابع بهدف إقناعه بالانضمام للوقوف داعمًا ومؤيدًا للمرشح د.محمد مرسي. ونجح العلماء في تحقيق الهدف، وعقدوا العديد من الاجتماعات مع كافة القوي السلفية والقريبة منها لخوض هذه المعركة بكل جسارة وقوة لحسمها لصالح المرشح الذي قيل انه أبدي استعداده لتطبيق الشريعة والتعهد بذلك أمام الهيئة الشرعية. كان طبيعيًا والحال كذلك، أن يفي الدكتور مرسي بكافة تعهداته التي قطعها علي نفسه أمام السلفيين والتي لم تقتصر فقط علي قضية تطبيق الشريعة الإسلامية، بل أيضًا في تعيين نائب سلفي للرئيس وحصة من وزراء الحكومة وكبار مسئولي الدولة، ناهيك عن بعض التعهدات الأخري التي راحت الأحداث والتطورات تكشف عن البعض منها. لم تكن التعهدات التي تعهد بها الدكتور مرسي لكافة التيارات السلفية وفي المقدمة منها حزب النور، هي تعهدات شخصية قاصرة عليه وحده، بل إن جماعة الإخوان المسلمين كانت طرفًا أصيلاً وضامنًا لهذه التعهدات، والأمر هنا لم يقتصر فقط علي السلفيين بل إن تيارات الجماعة الإسلامية والجهاد وغيرها كانت طرفًا في هذه الاتفاقات. وقد ظهر هذا الخلاف جليًا أثناء مناقشة المادة الثانية من الدستور والمتعلقة بمبادئ الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريع، لقد طالب ممثلو حزب النور في الجمعية التأسيسية بشكل واضح وصريح برفض التنازل عن الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع دون الإبقاء علي كلمة 'مبادئ' أو إضافة تفسير لكلمة مبادئ يسمح بأن يكون فقه الأئمة الأربعة مصدرًا للتشريع. أما جماعتا الجهاد والسلفية الجهادية فقد أعلنتا أيضًا رفضهما لأن تكون مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع حيث تمت المطالبة باستبدال كلمة 'مبادئ الشريعة' بأحكام الشريعة، بما تنطوي عليه من تطبيق للحدود، لم ينجح حتي الآن أعضاء الجمعية التأسيسية من الإخوان المسلمين في اقناع الأعضاء السلفيين أو المنتمين للجماعة الإسلامية بتغيير وجهات نظرهم، والقبول بما هو مطروح أي عدم إجراء أية تغييرات في المادة الثانية من الدستور والإبقاء علي 'مبادئ الشريعة الإسلامية....إلخ'!! كان طبيعيًا والحال كذلك أن يتأزم الموقف، وأن تعلن بعض الأطراف السلفية أن د.محمد مرسي سبق وأن وعد خلال مرحلة ما قبل الإعادة انه ملتزم بتطبيق الشريعة وانهم لن يتنازلوا عن ذلك التعهد، ولن يقبلوا أبدًا بإبقاء نص المادة الثانية علي ما هو عليه!! وكانت القضية الثانية التي أصبحت تمثل نقطة خلاف بين الإخوان والسلفيين، هي قضية تعيين نائب لرئيس الجمهورية 'قبطي' ونائبة 'امرأة'، لقد سبق للرئيس محمد مرسي أن تعهد في أكثر من مؤتمر انتخابي قبيل انتخابات الإعادة وقبلها انه سوف يعين نائبًا قبطيًا ونائبة للرئيس. وبعد أن حقق الفوز في الانتخابات راحت بورصة الترشيحات تتحدث عن أسماء عديدة مطروحة للمنصبين، إلا أن د.يونس مخيون أحد أبرز قيادات حزب النور أعلن بصراحة وبكل وضوح رفض الحزب لتعيين قبطي أو امرأة في منصب نائب الرئيس، وقال 'إن أقصي ما يمكن الموافقة عليه تعيينهما في منصب مستشاري الرئيس أو في أية مناصب حكومية أخري، أما غير ذلك فهو أمر مرفوض وغير مقبول'. وقد جرت اتصالات بين قيادات سلفية وبين جماعة الإخوان المسلمين حذر فيها السلفيون من مغبة اصرار الرئيس علي تعيين قبطي أو امرأة في هذا المنصب الحساس، ذلك انه لا يتوجب أن يتولي قبطي حكم البلاد حال وقوع مكروه للرئيس، ولا ولاية لامرأة!! ومع انتقال هذا الخلاف إلي وسائل الإعلام والصحافة، كان طبيعيًا أن يجد الرئيس نفسه أمام مأزق كبير، فهو إذا أوفي بالوعد الذي قطعه علي نفسه، فمعني ذلك انه قد يخسر السلفيين وحلفائهم، وإذا استجاب لهم فحتمًا سيكون قد أخل بوعده المعلن أمام الجميع!! 2 البرادعي وشباب الثورة: عندما أعلن العديد من رموز القوي الثورية والليبرالية انضمامهم للجبهة الوطنية لمساندة الدكتور محمد مرسي قبيل إعلانه فوزه بساعات قليلة، كان الهدف هو تشكيل فريق رئاسي وحكومي يمثل كافة القوي السياسية والثورية جنبًا إلي جنب مع الرئيس!! وفي هذا الوقت طرح بشدة اسم د.محمد البرادعي لتولي منصب رئيس الوزراء، وترددت اسماء عدد من المشاركين وغيرهم للانضمام إلي الفريق الرئاسي وتولي حقائب وزارية محددة، وراحت التسريبات الإعلامية تؤكد أن قضية د.البرادعي قد تم حسمها، وأن الأمر مرهون ببدء التشكيل. ومضت الأيام دون أن يظهر في الأفق ما يؤكد هذه المعلومات، مما اضطر المقربين من د.البرادعي إلي التصريح أكثر من مرة بأن أحدًا لم يفاتح مرشحهم في شيء، وأن الأمر لا يعدو كونه معلومات تتردد دون سند أو دليل. كان ذلك الأمر غريبًا علي الجميع، فقد كانت كافة المصادر تؤكد أن أمر البرادعي قد حسم باتجاه تكليفه برئاسة الحكومة إرضاء لشباب الثورة، وفي نفس الوقت تأكيدًا علي مصداقية الطرح القائل بالمشاركة السياسية بين كافة القوي والتيارات الأساسية في البلاد، غير أن الأمر أخذ مسارًا مختلفًا عندما صدر تصريح من مصادر رئاسية مقربة أكدت ان اسم البرادعي ليس من الأسماء المطروحة لتولي رئاسة الحكومة. كان البرادعي قد أبدي استعداده وتقبل الاقتراح بتولي رئاسة الحكومة، وبدأ الرجل بالفعل في وضع رؤيته وتصوراته وشروطه لذلك، إلا انه فوجئ كما فوجئ أنصاره بعدم صحة الأنباء التي ترددت والمعلومات التي سربت. ويبدو من خلال المعلومات التي تتردد داخل الأوساط المعنية أن حصة شباب الثورة في التشكيلات المتوقعة سوف تكون محدودة للغاية، وهو أمر من شأنه أن يزيد من حدة الأزمة، خاصة بعد أن بات يقينًا أن د.محمد لبردعي لن يتولي منصب رئيس الوزراء. لقد وضح أن هناك اتجاهًا غالبًا داخل جماعة الإخوان المسلمين يقضي بضرورة التمهل في اختيار رئيس الحكومة والفريق المعاون للرئيس، كانت النية تتجه في البداية إلي تعيين المهندس خيرت الشاطر في منصب رئيس الوزراء ولكن الرئيس استطاع اقناع الجماعة بأن ذلك يناقض ما أعلنه قبل ذلك من أن رئيس الحكومة لن يكون من حزب الحرية والعدالة، ورغم إثارة الأمر مرة أخري داخل اجتماع مجلس شوري الجماعة يوم السبت الماضي، فإن الاقتراح لم يلق قبولاً لدي غالبية الحاضرين.. كان الاقتراح الآخر هو تولي د. محمد مرسي رئيس الجمهورية لمنصب رئيس الحكومة بشكل مؤقت إلا أن د.ياسر علي، القائم بأعمال المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، نفي ذلك واصفاً الأمر بأنه مجرد تكهنات صحفية ليس لها أساس من الصحة. وقال أنه ستكون هناك حكومة جديدة في القريب العاجل. أما د.محمود حسين الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين فقد نفي بدوره ما نشرته بعض وسائل الإعلام حول وجود ترشيحات من مجلس شوري الجماعة لرئاسة الحكومة أو الوزراء واصفاً ذلك بأنه عار ٍعن الصحة. لقد ترددت أسماء د.حازم الببلاوي ود.زياد بهاء الدين ود.فاروق العقدة كمرشحين لرئاسة الحكومة، إلا أن أحداً لا يستطيع حتي الآن الجزم بمدي صحة هذه الترشيحات التي يمكن أن تلقي ذات مصير الترشيحات الأخري التي سبق ترويدها أو تسريبها عن عمد!! 3 العلاقة مع مؤسسات الدولة العميقة. منذ بداية توليه لموقعة الرئاسي، حاول الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية أن يمد الجسور مع العديد من المؤسسات المختلفة، فقد التقي بالمجلس الأعلي للقوات المسلحة وأيضا المجلس الأعلي للشرطة والتقي العديد من قادة الأجهزة الرقابية والمحاسبية.. وكان خطابه خلال حفل تسلمه السلطة التنفيذية من المجلس الأعلي للقوات المسلحة في الهايكستب إشارة واضحة إلي أن الرئيس قرر الانفتاح بكل قوة علي المؤسسة العسكرية، فقد أشاد بدور الجيش في حماية الثورة وحماية البلاد، كما وجه التحية والشكر إلي المجلس الأعلي للقوات المسلحة علي دوره الحكيم في إدارة شئون البلاد، وهو ما اعتبر بداية هامة تفتح الطريق أمام التعاون بلا حدود بين الطرفين. صحيح أن هناك مخاوف مشتركة لدي العديد من هذه المؤسسات بأن يقوم الرئيس بتصفية الحسابات معها أو عزل قياداتها، أو السعي إلي تغيير مفاصل الدولة والدفع بعناصر اخوانية للقيام بهذه المهمة واختراقها من الداخل، إلا أن الرئيس لم ينجح رغم محاولاته في إزالة هذه المخاوف حتي الآن.. وهذه الدولة العميقة بمؤسساتها المختلفة يمكن أن تتسبب في مشكلات عديدة للرئيس حال احساسها بالخطر، خاصة مع توارد الأنباء عن وجود نوايا عن محاكمات وتصفية حسابات مع جهات كان لها دورها في مواجهة جماعة الإخوان في الفترة الماضية، وهو أمر إذا حدث يمكن أن يقود البلاد إلي مرحلة خطيرة قد تدفع إلي فوضي عارمة يدفع ثمنها الجميع. لقد ترددت أسماء شخصيات إخوانية لتولي مناصب رئيسية في جهات ومؤسسات أمنية، وهو أمر أثار حالة من الاستنفار داخل هذه المؤسسات التي أشار بعضها إلي أنه لن يقبل أطرافا لها حسابات سياسية وأيديولوجية وبعيدة عن الخدمة الأمنية والعسكرية لتولي هذه المناصب الحساسة والإطلاع علي ملفات سرية بقصد تصفية الحسابات واستغلالها لمآرب حزبية أو سياسية. ورغم نفي مصادر رئاسية مقربة صحة هذه الأنباء إلا أن حالة من القلق تعتري العديد من الضباط وكبار المسئولين العاملين بهذه المؤسسات والذين كان لبعضهم دور مهم في مواجهة جماعة الإخوان علي مدي سنوات عديدة مضت. ونفس الأمر بالنسبة للمؤسسات الصحفية القومية، فقد سادت حالة من القلق قطاعاً واسعا من الصحفيين من محاولات يقوم بها مجلس الشوري هدفها 'أخونة الصحافة'، أو تقييد حرية الصحفيين من خلال التلويح بسلاح إبعاد رؤساء التحرير المناوئين لتوجهات وفكر الإخوان المسلمين والمجيء بعناصر مقربة يمكن أن تقوم بمهمة تكبيل الآراء وفرض الرقابة علي الصحفيين.. وأمام ردود الأفعال الحذرة، وحالات القلق التي راحت تنتاب عناصر مؤسسات الدولة العميقة أطلقت عناصر إخوانية تصريحات حادة اتهمت فيها هذه المؤسسات بأنها تسعي إلي تعويق عمل الرئيس ومحاصرته والتحريض ضده، دون أن تسعي إلي تقديم خطاب مطمئن إلي هذه المؤسسات التي أدركت من خلال بعض التصرفات والتصريحات أن النية تتجه إلي 'أخونة الدولة' وتغيير هويتها، وزرع العناصر الإخوانية في كافة مفاصلها ومؤسساتها تمهيداً لإسقاطها كاملة في قبضة الإخوان والسيطرة عليها لعقود طويلة من الزمن. لقد أدرك الكثيرون أن الحرب التي تخوضها جماعة الإخوان وغيرها من القوي ضد 'الإعلان الدستوري المكمل' لا تستهدف كما يردد البعض استرداد الرئيس لسلطاته التي هيمن عليها المجلس الأعلي للقوات المسلحة عبر هذا الإعلان وإنما السيطرة علي الجيش وكامل السلطات بما فيها السلطة التشريعية والتي هي بالأساس مسئولية المجلس العسكري في حال غياب السلطة التشريعية. من هنا يبدو الصراع حول عودة 'مجلس الشعب' بأي صورة من الصور سوف يأخذ بعداً جديداً خلال الفترة القادمة خاصة بعد أن أعلن رئيس الجمهورية أكثر من مرة أنه يحترم حكم المحكمة الدستورية الذي قضي بحل مجلس الشعب إلا أنه غير مقتنع به، وسوف يسعي إلي عودة المجلس لممارسة دوره، وهو أمر من شأنه أن يدفع إلي صراع حاد بين مؤسسة الرئاسة والمحكمة الدستورية من جانب وبين الرئيس وبقية مؤسسات الدولة المعنية من جانب آخر. وبالرغم من أن حكم المحكمة الدستورية هو حكم نهائي يجب أن ينفذ بقوة القانون بمجرد النطق به ونشره في الجريدة الرسمية، إلا أن هناك محاولات حثيثة تبذل من جانب جماعة الإخوان والتي تمارس جل ضغوطها علي الرئيس لعودة مجلس الشعب ولو بثلثي أعضائه، رغم أن الحكم أكد في حيثياته بطلان المجلس بأكمله استناداً إلي عدم دستورية قانون الانتخاب الذي تسببت فيه الأحزاب السياسية ذاتها وكان في مقدمتها حزب الحرية والعدالة. وهناك معركة علي الأبواب قد تنطلق بكل قوة حال صدور حكم من محكمة القضاء الإداري ببطلان الجمعية التأسيسية للدستور حال نظر القضية غدا الثلاثاء .. لقد أصدرت المحكمة حكماً سابقاً قضي ببطلان الجمعية التأسيسية الأولي استناداً إلي عدم جواز انتخاب أعضاء من هيئة المنتخبين 'مجلس الشعب والشوري' فيها وبالرغم من ذلك جري التصميم علي تجاهل الحكم وقرر المجتمعون انتخاب جمعية تأسيسية ثانية ضمت بين صفوفها نحو 20 نائباً من أعضاء مجلسي الشعب والشوري وهو ما يعطي مبرراً لبطلان الجمعية التأسيسية الثانية. وفي حال صدور هذا الحكم من المتوقع أن يبادر المجلس الأعلي للقوات المسلحة باعتباره الهيئة التشريعية في غياب البرلمان أن يصدر تشكيلا جديداً للجمعية يعبر عن كافة أطياف المجتمع في فترة زمنية لا تزيد علي أسبوع واحد فقط. ومن المؤكد في حال حدوث ذلك سوف يسعي الإخوان المسلمون وحلفاؤهم إلي التصعيد علي اعتبار أن معركة الدستور سوف تحدد مستقبل الحكم ومستقبل البلاد، فالدستور الجديد يمكن أن تترتب عليه انتخابات رئاسية جديدة، وهو ما يرفضه الإخوان المسلمون بكل قوة، كما أن الدستور الجديد قد يضع قواعد ومواد دستورية ربما لن تنال رضي الإخوان وحلفائهم، مما يدفع نحو مزيد من الصراع مع المجلس العسكري. 4 المطالب الفئوية والمجتمعية: تولي الرئيس محمد مرسي مهام السلطة في البلاد في ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد، فالمطالب الفئوية تتزايد والمظاهرات وحركات الاحتجاج والاعتصام انتقلت من ميدان التحرير والوزارات والجهات المختلفة إلي منطقة قصر العروبة طالبة تدخل الرئيس لإصدار القرارات المناسبة في ذلك. وبالرغم أن الرئيس أصدر قراراً بإنشاء ثلاثة دواوين للمظالم وتلقي الشكاوي، إلا أن هناك إصراراً كبيراً من أصحاب الشكاوي والمطالب الفئوية والمجتمعية علي الزحف إلي القصر الجمهوري ومقابلة الرئيس. ويخطئ من يظن أن الرئيس سوف يمتلك عصي سحرية لحل الأزمات والمشكلات، ذلك أن الظروف الاقتصادية التي تعيشها البلاد في الوقت الراهن كفيلة بزيادة حدة الأزمة وتفاقم تداعياتها، خاصة مع زيادة العجز في الموازنة العامة وتراجع الاحتياطي الاستراتيجي من العملة الأجنبية. وليس صحيحا ما يتردد عن أن مليارات سوف تتدفق إلي البلاد من هنا أو هناك، فالأموال المعلن عنها حتي الآن أغلبها أموال استثمارية لن تكون لها أثار فورية علي الأحوال الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين، كما أن المبالغ التي ستقدم كمنح هي مبالغ محدودة ولا تكاد تذكر. لكل ذلك سوف يواجه الرئيس خلال الفترة القادمة تحدياً قوياً في مواجهة تفاقم الأزمة الاقتصادية وزيادة نسبة البطالة وتردي الأحوال المعيشية والخدمية للمواطنين، ناهيك عن المطالب الفئوية المتصاعدة داخل المؤسسات الحكومية أو المؤسسات الخاصة وهي كلها ستدفع بمزيد من الأعباء علي الرئيس الذي سيكون عليه الاستجابة لهذه المطالب وإلا وقع في صدام عنيف مع هذه الفئات المختلفة من شرائح المجتمع، والغريب أن ذات العناصر الإخوانية التي راحت تتهم المؤسسات بإعاقة عمل الرئيس هي ذاتها التي اتهمت المتظاهرين بأنهم مدفوعون من الفلول لإثارة الفوضي !! وبعيدا عن كل هذا وذاك فهناك استحقاقات عديدة ربما تتناقض حتي مع قناعات الرئيس وهي تتناقض بالقطع مع قناعات الشارع، كالاستحقاقات المفروضة في ملف العلاقة المصرية الاسرائيلية، والعلاقة ذات الخصوصية مع الولاياتالمتحدة وما يترتب عليها من مواقف سوف تكون مصر ملزمة بها في إطار معالجة بعض المشكلات الاقليمية، وكل ذلك بالتأكيد سوف يكلف الرئيس غاليا من رصيده الجماهيري وثوابته المبدئية المعلنة..!! لكل ذلك فالمهمة صعبة، والتحديات جسام، والمخاطر عديدة، فهل ينجح الرئيس في تفادي الألغام والمرور بسفينة الوطن إلي بر الأمان..؟! الأيام القادمة سوف تجيب حتما عن هذه التساؤلات!!