يعيش العالم الآن أزمة عاصفة تكاد تكون مدبرة لأغراض ودوافع سياسية كان العالم وبسبب ما يعيشه من صراعات وتحديات فى غني عنها ، ألا وهي توتر العلاقات البريطانية الروسية هذه الأيام على خلفية اتهام ببريطانيالروسيا فى الرابع من مارس الماضي بمسؤوليتها عن تسميم الجاسوس المزدوج وابنته داخل الأراضي البريطانية التي مازالت تداعياتها متواصلة من خلا ل الحرب الكلامية والتهديدات والمواجهات والاتهامات عبر وسائل الإعلام المختلفة وداخل أروقة مجلس الأمن ، ومن ثم خلق أجواء من الاضطرابات التي تستحضر في الأذهان عودة الحرب الباردة في وقت تتنامي فيه الخلافات السياسية بين الجانبين في قضايا أخرى كالملف السوري والقلق الغربي الأمريكي من تعزيز الوجود الروسي في سوريا، وملف أوكرانيا وجزيرة القرم وغيرها من الملفات التي تؤكد عودة روسيا بقوة أمام هيمنة القطبية الواحدة بعودة روسيا من جديد إلى قطب سياسي فاعل في المشهد العالمي، مما يجعلنا نعيش الحرب الباردة والسباق نحو التسلح وحروب ما يسمي بالوكالة، بعد أن أصبحت المواجهات بين القوى العظمى تتم الآن علي هذا النحو وعلي غرار المواجهة المبطنة بين الروس والأمريكان في سوريا ،وبين أمريكا والغرب ضد روسيا فى أوكرانيا ، ومؤخرا ما نراه الآن بين ببريطانياوروسيا حول تداعيات تسميم العميل المزدوج . فعلي إثر تسميم العميل وابنته بالغاز السام سارعت ببريطانيا عبر حكومتها برئاسة تيريزا ماي باتخاذ الخطوات العقابية مع دول غربية أخري ضد روسيا ومنه طرد الكثير من الدبلوماسيين الروس من أراضيها ،ومهددة روسيا باتخاذ الكثير من الإجراءات العقابية التي أيدتها أمريكا وكثير من دول الغرب ،ومنها توعد تريزا ماي بتجميد أصول للدولة الروسية،والتهديد بعدم المشاركة في كأس العالم لكرة القدم الذي تستضيفه روسيا هذا الصيف وغيرها ، هذا في الوقت الذي عبر فيه حلف الناتو عن استيائه العميق لاستعمال روسيا لغاز الأعصاب داخل أراض للحلف نفسه منذ تأسيس الناتو عام 1949، كما أعلن رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، من هلسنكي إن القمة الأوروبية يجب أن تظهر تضامناً مع المملكة المتحدة، ، وأعلنت كل من الولاياتالمتحدة ودول من الاتحاد الأوروبي دعمها للموقف البريطاني والقيام بمهاجمة روسيا وطرد الدبلوماسيين الروس من أراضيها وهو ما قامت به موسكو بالمثل،وأمام تلك الاتهامات والتهديدات أعلنت روسيا عبر خارجيتها عن عدم مسؤوليتها عن تسميم الجاسوس سيرجي سكريبال وابنته ، عارضة الكثير من البراهين والتفنيدات المنطقية ،ومعلنة استعدادها للتعاون مع التحقيق البريطاني في القضية رافضة ومهددة ما تتخذه لندن من إجراءات،كما اتهم وزر الخارجية الروسي سرجي لافروف بريطانيا بتضليل متعمد للمجتمع الدولي مشبها ما تقوم به لندن بالمسرحية الهزلية، ورأى أن قصة تسميم سكريبال قد يكون مدبرا من جانب ببريطانيا ل تحويل انتباه الرأي العام عن مشاكل بريكست ولحسابات سياسية غربية وأمريكية. ويرجع بعض المحللون والخبراء السياسيون هذا التوتر بين الجانبين لعدة أسباب منها تزايد عمليات اقتراب الطائرات والسفن الروسية من المياه الإقليمية البريطانية خلال الأشهر الماضية ما دفع بلندن إلى تصعيد اللهجة حيال موسكو، وملف اوكرانيا2013 الذي انتقدت خلاله بريطانيا بشدة السياسة الروسية منتقدة وبشدة ضمها لشبه جزيرة القرم ، ثم معارضتها للتدخل الروسي في سوريا ،ومن ثم وقوفها ضد روسياوسوريا فى مجلس الأمن بحجة الدوافع الإنسانية ووقف لإطلاق النار في الأممالمتحدة، وغيرها من المشاكل التاريخية بين الجانبين. وقد أخذت تلك الأزمة مؤخرا بعدا جديدا يمكن أن يؤثر على سمعة ببريطانيا وحكومتها وعلي سمعة الولاياتالمتحدة وجميع الدول الغربية المرتبطة بها ، والتي شاركت بأوامر واشنطن في طرد الدبلوماسيين الروس. وذلك بعد صدور نتائج مختبر بورتون الكيميائي في المملكة المتحدة بعدم قدرته بتحديد مصدر الجهة المنتجة للمادة الكيميائية السامة "نوفيتشوك"، المستخدمة في تسميم العميل ، ومن أن الاتهام يعود إلى معلومات استخباراتية ببريطانية دون إشراك الجانب الروسي فى التحقيق ،الأمر الذي دفع الكرملين بطلب الاعتذار من لندن بعدما أعلن مختبر بريطاني حلل المادة المستخدمة ضد العميل المزدوج الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته يوليا أنه لا يملك دليلا على أن مصدره روسيا وبالتالي فان تلك الاتهامات تعود لدوافع سياسية ، كما أظهر الاجتماع الذي دعت إليه منظمة حظر الأسلحة الكيميائية يوم الأربعاء، أن بريطانيا ترفض التعاون مع روسيا للتوصل إلى الحقيقة ،على الرغم من عروض روسيا بهذا الصدد، وأن عدم استجابة لندن لهذا الطلب يعني محاولتها إخفاء الحقائق. وأمام تشنج الموقف البريطاني الأمريكي الغربي تقدمت روسيا بطلب لانعقاد مجلس الأمن الدولي يوم الخميس الماضي بشأن هذه الأزمة ونجح السفير الروسي لدى الأممالمتحدة فاسيلي نيبينزيا من إسقاط الحجة الرئيسة التي بنت عليها لندن حملتها الشرسة ضد روسيا برغم وقوف المندوب الأمريكي بمجلس الأمن وغيره من مناديب دول الغرب مع ببريطانيا وتوجيههم الاتهام لبلاده ،ومؤكدا أن المصدر المحتمل لهذه المادة الكيماوية السامة مصدرها المملكة المتحدةوأمريكا، وطالبا إشراك روسيا فى التحقيقات ،وفي المقابل، قالت الصين عبر مندوبها أن كشف الحقيقة واستخلاص النتائج على أساس أدلة دامغة لأمر ملح و علي حق إشراك روسيا في التحقيق، وعلي إجابة ببريطانيا علي الأسئلة المشروعة التي تطرحها روسيا بخصوص القضية لإسماع صوتها ، لأن عدم استجابة لندن لهذا الطلب يعني محاولتها لإخفاء الحقائق أمام العالم. ولهذا يرجع بعض المحللون والسياسيون هذا التصعيد الغربي ضد روسيا قد خطط له مدروس بدقة وعناية من جانب أمريكا والغرب، لأنه يأتي متزامنا مع مرحلة مفصلية لتحرير الغوطة الشرقيةبسوريا، وكمحاولة ببريطانيا وحلفائها بالتشويش على الانتخابات الرئاسية الروسية ، ولإفشال تنظيم روسيا لكأس العالم ، وعلى الإنجازات الاقتصادية والعسكرية والالكترونية النوعية التي تحققها روسيا الآن، وذلك بعد شعور الرئيس بوتين بهذا التخويف وتحدثه إعلاميا عن مسعاه لإحداث التطور التكنولوجي للصناعة الروسية والخبرات الدفاعية، ومن ثم رسائل وزارة الدفاع الروسية تجاه من يفكر بضرب دمشق وقواعد روسيا بها، وضد توسع القواعد الأمريكية حول روسيا. ويبدوان سيناريو عودة المواجهة في النظام الدولي بين الغرب وروسيا هو السيناريو المرجح لتلك الأزمة، وأن هذا السيناريو يتضح يوما بعد الآخر ليصبح مسرح المواجهة يبدو أمراً ربما يكون حتميا ويقوم علي الكذب والخداع ، وان هذا الصراع علي هذا النحو يؤكد أن العالم عاد إلى الحرب الباردة لكن بسمات جديدة، حرب باردة أكثر سخونة مما كانت عليه في الأيام الخوالي للعهد السوفيتي ،وبالتالي فإن السير في ركاب الولاياتالمتحدةوبريطانيا والغرب في حملتهم العدائية ضد موسكو من اجل زعزعة الاستقرار في روسيا والمنطقة بأكثر مما هو عليه الآن يمكن أن يدفع العالم إلي حرب عالمية جديدة ، في حين أن روسيا في عقيدتها الجديدة تصر على أن يكون العالم متعدد الأقطاب واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها، وكل ذلك يتعارض مع سياسة الولاياتالمتحدة التي تشعل الحروب والفتن في العالم من أجل تحقيق أهدافها ، كما أن الغرب الذي يدعم سياسات الولاياتالمتحدة لا يريد أن تكون روسيا لاعبا في حل القضايا الساخنة في العالم، فهل يتطور الأمر إلى مواجهة بين القوتين؟