مع بداية كل صباح ، تبدأ شوارع المدينة فى الاستيقاظ ، حاملة أحلام البسطاء ، ويبدأ السعي من أجل الرزق ، وتتغير الصورة الليلية الساكنة إلى أخرى مليئة بالحيوية والنشاط ومظاهر الحياة ، ولكن للأسف أحيانا تظهر صورة مشوهة بسبب سيطرة سلوكيات وظواهر عشوائية غوغائية. ** هذا بائع يروج لبضاعته بميكروفون ، وآخر يتسول بصوت جهوري ، وثالث لا يستطيع القيادة إلا باستخدام الكلاكس كل 5 ثوانى فى متلازمة لا مبرر لها ، وهذه مدرسة لا يحلو لها تنظيم طوابير الصباح للتلاميذ إلا من خلال الصراخ عبر مكبر الصوت ، وشاب يتباهى ويلفت النظر بموسيقى راب تصدح من سيارته وتتداخل مع ضوضاء (المهرجانات) التى تنطلق من الميكروباص المار بجواره ، وهذا توكتوك يدخل سباق الازعاج مع رفاقه بأغانى (زفة) احتفالا بموكب منقولات عروس فى طريقها لمنزل العريس وأمامها سرب من (التكاتك) والموتوسيكلات ويستمر الصخب حتى المساء ليزيد عليها سرادقات العزاء وزفات العرائس وأفراح الشوارع ، ازعاج الكافيتريات والمقاهى ... دون مراعاة حالة مريض أو نائم أو طالب يستذكر دروسه !! لتشكل فى النهاية سيمفونية صخب وتلوث سمعى مزعجة ترسم خطوط أول لوحة فى عالم الضوضاء المحيط بنا !! فهل يمكن تبنى حملة توعية قومية لزيادة وعى المواطن ضد السلوكيات السلبية ؟! ** (إزالة .. إزالة) هتاف تردد بأحد الشوارع التجارية الشهيرة بقلب المدينة ادى إلى حدوث هرج ومرج وسط الزحام ، تسابق الباعة الجائلون فى حمل بضائعم والهروب للأزقة الجانبية ، وتوقفت سيارة تتبع شرطة المرافق وترجل راكبوها ، ففزع الصبية وهرب معظمهم تاركين بضاعتهم خلفهم ، وفى لحظات تم نقلها الى سيارة الشرطة ، انه مشهد متكرر لحملات شرطة المرافق التى تقوم بها لضبط تجار الأرصفة ، حيث تصادر البضائع وتحرر مخالفات للبائعين. من المؤكد أن القضاء على تلك الظاهرة المزعجة - المعطلة للمرور والتى تخلف وراءها كما هائلا من القمامة وتسبب فوضى وازعاجا شديدا - وإزالة الاشغالات وتنظيم الطرق لتسهيل عملية السير هو هدف ومطلب حيوى ولكن ماذا عن مصير هؤلاء الباعة ؟! إنهم فقراء يسعون للبحث عن رزق حلال ، بالتعبير الدارج (عاوزين لقمة عيش شريفة) ، ليس لديهم القدرة على دفع ايجار أو تملك محلات تجارية ولهذا يفترشون الأرصفة ، ومصادرة بضائعهم - التى يقبل الناس على شرائها لأسعارها الرخيصة نسبيا - هو ببساطة تدمير لرأس مالهم مما قد يضطرهم للانحراف بعيدا عن الطريق القويم . إنها احدى الصور المشوهة والمسيئة للشكل الحضارى فى وجودها ، وفى طريقة التعامل معها !! ألا يمكن البحث عن حل لهذه المشكلة بعيدا عن المطاردة والمصادرة ؟! هل يمكن منحهم تراخيص للوقوف فى أماكن محددة منظمة أو توفير أماكن بديلة بايجارات رمزية ؟! أليس من الأفضل مساعدتهم للحياة بكرامة كمواطنين شرفاء بدلا من مطاردتهم كأنهم مجرمون !! ** ظاهرتان متشابهتان تساهمان بقوة فى نسج لوحة التلوث البصرى الذى نعيشه تتمثلان فى انتشار المتسولين والمتشردين أو ما يطلق عليهم أولاد الشوارع . ومصطلح التسول فى تعريفه كظاهرة اجتماعية هو ((ممارسة أسلوب استعطاف الآخرين واستجداء كرمهم للحصول على المساعدات المالية أو العينية كالطعام والكساء )) ، ويعتمد المتسول على اظهار سوء الحال أو إصابة بعاهة جسدية أو فقدان إحدى الحواس .. الخ سواء كذبا أو صدقا ، والمتسول فى أغلب الأحيان له مكان يأوى إليه آخر اليوم بعكس المشرد الذى لا مأوى له ، فالتشرد هو ((بقاء الانسان فى العراء لفترات طويلة أو المبيت فى أماكن مختلفة نتيجة عدم امتلاكه للمسكن ، ويفتقد المتشرد الشعور بالأمان والحماية ، ولا يحمل أى طموح للمستقبل وإنما يقتصر تفكيره على تأمين غذاء يومه ومكان نومه ، وغالبا يعتمد على بقايا طعام المطاعم او صناديق القمامة او المساعدات الخيرية ، ويتسم سلوكه بالحقد والكراهية والعدوانية)) ويتشابه كلاهما فى اعتمادهم على استجداء الآخرين بوسائل متنوعة ، فهناك تسول واضح من خلال طلب مباشر للمساعدة أو تسول مقنع بتقديم خدمات تافهة مثل حمل المشتريات او مسح زجاج السيارات او بيع سلع بسيطة كالورد والمناديل مع مطاردة المارة للالحاح عليهم. وقد ترجع اسباب انتشار تلك الظواهر المسيئة للمجتمع الى أسباب عديدة كالفقر والبطالة والتكاسل عن العمل وفقدان المعيل والتفكك الأسرى أو توارثها كمهنة ....الخ ويستغل الأطفال فى ذلك المجال استغلالا بشعا من قبل أباطرة عالم التسول ( كما ظهرت شخصية المعلمة/ الكاتعة - فيلم العفاريت). ومن المؤسف امتداد تلك الظاهرة للأماكن السياحية ، وتعلم المتسولون نطق بعض الكلمات الأجنبية للتسول من السائحين مما يسئ لسمعة مصر ، فأين الجهات المعنية ؟! وما هى خططها للتتخلص من تلك الظواهر المزرية المخجلة ؟! اننا نعيش فى عالم من التلوث السمعي والبصرى يحيط بنا من كل اتجاه ، كأننا نحيا داخل لوحة مشوهة رسمت ملامحها بخطوط متعرجة متداخلة من الضوضاء والقبح !!