علي الرغم من حالة الهدوء الحذر التي تعيشها العاصمة الثانية للبنان طرابلس عقب تجدد الاشتباكات يوم الجمعة الماضية بين العناصر المسلحة علي خلفية الازمة السورية الا أن الاهالي غير مطمئنين لهذه الحالة الهشة . ويعرب السكان عن رغبتهم في أمن وأمان دائمين لا يعكر صفو الاستقرار في الفيحاء طرابلس ويطلبون من قوي الجيش والاجهزة الامنية الانتشار الكثيف وتخليص المدينة وضواحيها من كل مظاهر التسلح والا تكون طرابلس صندوق بريد للازمة السورية الطاحنة علي الحدود مع الشمال اللبناني خاصة في منطقتي جبل محسن ذات الاغلبية العلوية المناصرة للنظام السوري وباب التبانة السنية المؤيدة للثورة السورية . وقد صمدت الخطة الامنية التي أعادت الهدوء الي مدينة طرابلس حتي الان علي الرغم من بعض الخروقات الامنية الفردية المحدودة ليلة امس, وسمحت بنجاح انتشار الجيش اللبناني بمؤازرة قوي الامن الداخلي في كل من جبل محسن وباب التبانة, منذ ساعات صباح امس, الامر الذي فتح المجال امام اهالي طرابلس لتنفيذ اضراب عام اليوم لتوفير الغطاء الاهلي للجيش اللبناني وقوي الامن في منع العودة الي الاحداث التي اشتعلت ليل الجمعة - السبت, وادت الي سقوط 15 قتيلا من المنطقتين و48 جريحا في اخطر انهيار لوقف النار بين المنطقتين المتوترتين منذ العام 2008. وتوقعت مصادر مطلعة أن تصمد التهدئة , وكشفت أن سباقا يجري بين رغبة قيادات طرابلس وفاعلياتها ونوابها لانهاء الازمة الامنية واستخدام الخلافات المذهبية والطائفية علي خلفية الموقف من الازمة السورية كأوراق في الصراعات الجارية وتداعياتها علي الساحة اللبنانية الداخلية .. إلا أن المصادر تخوفت من أن يبقي الوضع في المدينة كالنار تحت الرماد , واشبه بهدنة هشة , طالما أن السلاح موجود , والخطاب المذهبي المتشنج , والخوف من انتقال مفاعيل الاحداث في سوريا علي الوضع اللبناني عموما , مشيرة الي ان محصلة الجهود التي بذلها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي منذ انتقاله السبت الي طرابلس , هو اتفاق امني بموجبات سياسية وتحريض للرأي العام الطرابلسي علي محاصرة معنوية للاحداث المتكررة , من اجل منع تكرارها, في كل مرة يريد فيها طرف توجيه رسالة سياسية الي طرف معين داخلي او اقليمي. وشكك وزير الشباب والرياضة فيصل كرامي في صمود الهدنة بين المتقاتلين معلنا في تصريح له أن أسباب التوتر في طرابلس لم تنتف بعد , والسلاح ما يزال بأيدي الناس , وبالتالي فالهدنة هشة ولا يمكننا ان نطمئن بشكل تام الي أن التهدئة الحالية هي نهائية وثابتة , مشيرا الي أن المطلوب من الاجهزة الامنية والعسكرية أن تتحمل مسئوليتها بملاحقة المخلين بالامن ووضع حد لهم , لا سيما بعد الاجتماع الاخير الذي عقد في منزل رئيس الحكومة ورفع خلاله الغطاء عن المسلحين , وبرأيي من يحاول حماية أي مسلح بعد الآن يجب التشهير به وفضحه .. وإعتبر أن الحل الجذري يتطلب انتشارا جديا للجيش لأنه ما يزال غير جدي , وتفعيل مخابرات الجيش لدورها , ومن ثم النهوض بالمدينة إنمائيا بعدما أصبحت المعاناة تشمل كل طرابلس وليس فقط جبل محسن وباب التبانة , وتتويجا لهذا المسار الامني الانمائي تأتي المصالحة بين جبل محسن وباب التبانة .. في حين اعرب رئيس بلدية طرابلس نادر الغزال عن امله في أن تمر أزمة طرابلس وأن تكون نهائية , معلقا آماله علي القوي الامنية والوعي الطرابلسي لإنهاء الأزمة .. داعيا عدم استبعاد جبل محسن عن الاجتماعات والمشاورات , ومؤكدا أنه كثرت الايدي التي تخل بأمن طرابلس. وأشاد بالقوة الأمنية التي تعمل بجهد لإنهاء الفتنة , مشددا علي ان القرار الامني لا يكف بل يجب نزع السلاح الغير الشرعي من المنطقة , متخوفا من أن تكون طرابلس بوابة لفتنة أهلية في البلد. وحث عضو كتلة "المستقبل" النائب خالد زهرمان علي ضرورة معالجة الوضع من جذوره . وأعلن زهرمان تأييده لوقف الإقتتال في طرابلس ومؤكدا أن النار ما زال تحت الرماد , مشيرا الي أنه في السابق تم رفع الغطاء السياسي والقوي الأمنية دخلت علي المناطق التي حصل فيها الإقتتال. وشدد علي أن الحل لا يكون الا بسحب السلاح من الساحة الطرابلسية وغير ذلك يكون تأجيل للمشكلة , ويجب معالجة الجرح القديم الجديد بين باب التبانة وجبل محسن , وصرف أموال لإنماء المنطقة , وسحب السلاح , ولا يجوز أن يكون هناك سلاح موجود بين أيدي الناس , متسائلا ماذا تفعل مدافع الهاون في جبل محسن?. ولفت الي أنه من الأساس كتيار سياسي رفعنا الغطاء , ونطلب من الفريق الذي يغطي جزءا من المسلحين في طرابلس أن يرفع الغطاء عن الجهة التي يدعمها , وغير ذلك سنبقي في حالة مفرغة , وتبقي الساحة الطرابلسية صندوق بريد للخارج. وأشار الي أن هناك جرحا قديما لا يزال موجودا في المنطقة وكان يتم التعاطي معه بحكمة من كل الفرقاء في المنطقة , معتبرا أن هناك أيدي خارجية تلعب بالساحة الطرابلسية , والنظام السوري يحاول أن يشعل الساحة الطرابلسية , نظرا لموقف المدينة تجاه النازحين السوريين ودعمها للثورة السورية , فما يحصل هو أيدي خارجية تحاول أن تفتعل مشكلة في الشمال. ومن ناحيته رأي وزير الثقافة جابي ليون أن لبنان مستهدف . وميدانيا علي الأرض فلا تقدم لأي فريق يقاتل علي الفريق الآخر, مشيرا الي أن موضوع استيراد الأزمات موضوع خطر ولا يمكن جبهه الا بحكمة الجيش اللبناني ومن هنا كانت مطالبتنا بإيلاء الجيش الإهتمام اللازم لمنع سقوط هيبة الدولة. وكرر أنه طالما ان هناك شرارة قائمة فان من يطفيء هذه الشرارة هو الجيش اللبناني , مبديا أسفه إذ إنه سمعنا أصوات منددة بدور الجيش وهذه مقدمات لشرارة تحاك علي الجيش وعلي لبنان. وأوضح النائب روبير فاضل أن الليلة التي مرت علي طرابلس كان الوضع فيها هادئا في شكل عام , باستثناء بعض الخروقات. والآن فالتنسيق قائم بين الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية , ولكن لا حلا جذريا بتطبيق خطة أمنية فقط وانما بحل الأسباب الأمنية والإنمائية والمصالحة بين جبل محسن وباب التبانة , سيما وأن المشكلة بين البلدتين قائمة منذ سنين. ولفت الي أن ما يحصل في لبنان بشكل عام متعلق بالوضع الأقليمي واذا تمكنا من إغلاق هذا الجرح فلن ندع هذه الأزمة تصل الي لبنان , وبالتالي يجب ان نعمل علي معالجة المشاكل من جذورها , مستطردا هناك أسس وضعت في العام 2009 في منزل مفتي طرابلس والشمال مالك الشعار , ولكن للأسف لم تنفذ .. والمطلوب المباشرة بتنفيذ هذه الخطة الموجودة والتي وافق عليها جميع الفرقاء. وإعتبر أنه يلزمنا الجرأة لحل المشاكل ولا سيما من أساسها. واعتبر الوزير أحمد كرامي ابن طرابلس أن ما يحصل هو تبادل رسائل لجهات خارجية ومصالح خارجية علي حساب أهلنا في طرابلس وعلي حساب الاقتصاد ومصالح المواطنين , وقد لمسنا رغبة عند الجميع بعدم الاقتتال لكن اقول لا تكفي الرغبة بل نريد أن يقوم الجيش بكامل مسئوليته وآن أوان الحسم العسكري , وان يتخذ الجيش خطواته علي محمل الجد بصرامة وقوة ودون تداعيات ولا يوجد غطاء لاحد ولا نعترف بأي غطاء. وعلي الجيش ان يحسم الامر ويقوم باعتقال المسلحين لانهم معروفون بالاسماء ولا غطاء سياسي وهذا ما قلناه ولا يمكن التغاضي بعد الآن. ووصف عضو المكتب السياسي في تيار "المستقبل النائب السابق مصطفي علوش الوضع في طرابلس بالمتأزم , ورأي أنه لا إمكانية لمعالجة جدية له في المدي المنظور , معتبرا أن حل الأزمة لن يكون إلا من خلال نزع السلاح غير الشرعي , ولكن أعتقد ان هذا الامر لن يتحقق إلا بزوال النظام السوري . وأوضح أن منطقة باب التبانة هي ضحية نظام الرئيس السوري بشار الأسد , والكلام عن وجود عناصر تابعة لقائد "الجيش السوري الحر" رياض الأسعد في طرابلس , هي محاولة لإقحام لبنان في الأزمة السورية أكثر فأكثر , وإذا كان هذا الكلام صحيحا , فلماذا لم يقبض حتي الآن علي أي عنصر من الجيش الحر ? . مشيرا إلي ان إشعال منطقة طرابلس هدفه خلق الفوضي والأذي كي يؤكد بشار الأسد للعالم أنه قادر علي إشعال المنطقة من أفغانستان الي ساحل المتوسط.