قليلون من لا يستعملون صفحات التواصل الاجتماعى «الفيس بوك» أو لا يجدون الوقت لكى يكتبوا «بوستات» تحمل رسالة يريدون توجيهها إلى شخص أو حتى جهة مسئولة. فأحيانًا تكون شدة الانتقاد على «الفيس بوك» أقوى من كل فضائيات العالم. منها قد تجد مبادرات للحياة ومنها ما يدعو للتشاؤم. بل قد تجد مخططات لضرب الأوطان باستخدام صفحة شخصية للتواصل الاجتماعى. و«الفيس بوك» كان له دور كبير فى اشعال ثورات الربيع العربى بداية من تونس مرورًا بمصر وغيرها من الدول العربية. كما كان له دور فاعل فى كشف جرائم جماعة الإخوان الإرهابية وتناقض تصريحاتهم، بل ومخططاتهم لهدم الدولة المصرية لتشتعل من خلال «الفيس بوك» ثورة أخرى فى 30 يونيوأطاحت بالإخوان من الحكم. وحكاية «الفيس بوك» يعرفها الكثيرون منا. منذ بدايتها عام 2004 على يد مارك روكزبيرغ وعدد من زملائه أنشأوا دفترًا ورقيًا يحمل صورًا ومعلومات لأفراد فى جامعة معينة أو مجموعة. وفى سبتمبر 2006م قرر مؤسس «فيس بوك» أن يفتح أبواب موقعه أمام كل من يرغب فى استخدامه وفى أكتوبر 2007م اشترت شركة مايكروسوفت حصة فى «الفيس بوك» نسبتها 1,6% بقيمة 240 مليون دولار بعد أن تم تقدير قيمة الموقع بنحو 15 مليار دولار ليصل عدد مستخدمى «الفيس بوك» إلى 400 مليون مشترك يقومون بتحميل أكثر من 41 مليون صورة يوميا. ويقدم خدماته بأكثر من 60 لغة مختلفة منها العربية والعبرية والتى حرص الموقع على أن يتم تسهيله بهذه اللغات. الفيس بوك والتغيير لا يمكن أن ننكر بأن «الفيس بوك» بدأ وسيلة للتعارف لكنه تحول بعد ذلك إلى وسيلة هامة للتغيير سواء ما شهدناه فى مصر خلال ثورة 25 يناير، حيث كان «الفيس بوك» وسيلة لتحريك الناس للنزول إلى الميدان. كما تم استغلاله للدعاية فى الانتخابات والجدل فى القضايا السياسية. ففى مصر ظهر الدور الفعال ل«الفيس بوك» فى قضية «وريث السلطة» من الرئيس المخلوع حسنى مبارك لابنه جمال، بين مؤيدى ترشيحه ومعارضيه وما بين مؤيدى الثورة وبين «أسفين يا ريس» كانت المواجهات شديدة على صفحات «الفيس بوك». مثلما كانت أكثر شدة وتطورًا بين مؤيدى الإخوان ومن رفضوا تصرفاتهم وساهموا فى كشف ادعاءاتهم على صفحات «الفيس بوك» ومنها إلى وسائل الإعلام مرورًا بحركة تمرد حتى تم التخلص من حكم الاخوان. وتشير الأرقام والإحصاءات إلى الانتشار الواسع لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعى فى مصر؛ ففى تقرير لشبكة تكنو وايرلس المتخصصة بالتسويق الإلكترونى وشبكات الهاتف المحمول ظهر أن عدد مستخدمى الإنترنت كان قبل 25 يناير حوالى 21.1 مليون شخص وارتفع بعد الثورة إلى 23.1 مليون، وارتفع عدد مستخدمى فيسبوك من 4.2 مليون قبل الثورة إلى 5.2 مليون شخص، ويقضى مستخدم الفيسبوك 1800 دقيقة شهريا بعد الثورة، وكان يقضى قبل ذلك 900 دقيقة شهريا. دراسات ونتائج وفى دراسة للباحث أحمد إبراهيم، أستاذ الإعلام بجامعة فاروس بالإسكندرية أن جمهور الطلبة الجامعيين اعتمدوا على الإنترنت فى الحصول على معلومات عن ثورة 25 يناير فيما كانت حصة التلفزيون 10% فقط، وكانت حصة فيسبوك: 44.6% يليه يوتيوب (24.9%) ثم المواقع الإخبارية (21.1%) ثم تويتر (5.8%) ثم المنتديات (1.9%) ثم المدونات (1.7%). وتشير دراسة أخرى إلى أن 31% من نشطاء «فيسبوك» استخدموه لرفع مستوى الوعى بشأن الحركات الشعبية، وأن 24% استخدمونه لنشر الأخبار والمعلومات، فى حين استخدمه 30% للتنسيق بين الناشطين وتنظيم الحركات الاحتجاجية، كما يؤكد ذلك مصعب قتلونى فى كتابه «ثورات الفيسبوك» والذى يرى أن شبكات التواصل الاجتماعى لعبت دورًا فاعلًا فى الربيع العربى، وتحولت من كونها مواقع للتواصل الاجتماعى وتكوين الصداقات وتبادل الطرائف والأحاديث الجانبية إلى مواقع يستغلها مرتادوها ونشطاؤها للعمل السياسى ومناقشة ظروف عملهم وهمومهم المشتركة، وحشد الجماهير بسرعة قياسية للعمل والضغط على الحكومات والأنظمة السياسية، وكان أبرز مثال ما حدث فى مصر وتونس. حيث ساهمت مواقع التواصل فى كسر حاجز الخوف، وتشكيل التفاعل بين الشعوب، وكشف العيوب والأخطاء التى وقعت فيها الأنظمة السياسية وتوثيقها بالصور الثابتة والمتحركة، وتحولت إلى مصدر لوسائل الإعلام الكبرى والفضائيات كما تم استغلال بعض مواقع التواصل الاجتماعى؛ وذلك من أجل أعمال الخير، وجمع التبرعات. الفيس بوك والتجسس مثلما كان «فيس بوك» ملهمًا لثورات قامت على أسس تريد تحقيق العدالة ثم انحرفت عن طريقها. كان «الفيس بوك» مصدرًا للتجسس حسبما اعترفت دول كبرى فبحسب الخارجية البريطانية فإن أجهزة الاستخبارات البريطانية لجأت إلى موقع «الفيس بوك» الإلكترونى للتعارف من أجل البحث عن موظفين. ونشر جهاز الاستخبارات الخارجية «M.I.6» إعلانات على الموقع، فى إطار حملة توظيف، وأوضحت متحدثة باسم وزارة الخارجية، أن الحملة المفتوحة التى يقوم بها جهاز الاستخبارات مستمرة، من أجل إيجاد مواهب تمثل المجتمع البريطانى اليوم، مشيرة إلى أن هناك تقنيات عدة، من أجل تقديم القدرات المهنية فى المنظمة، ويعتبر «الفيس بوك» نموذجًا منها. وقد اعترفت الخارجية البريطانية بأن أجهزة الاستخبارات البريطانية تستخدم موقع «الفيس بوك» لتجنيد العناصر واستقطاب العملاء. وقد واجه «فيس بوك» الكثير من الانتقادات، وتم حجبه فى بعض الدول مثل ميانمار وإيران وفى إسرائيل فرض الجيش الإسرائيلى قيودًا على المشاركة فيه، بعد ظهور صور لغرف عمليات وقواعد جوية وغواصات إسرائيلية على صفحاته، كما نشرت تقارير إعلامية عن أن هناك إمكانية تسريب المعلومات الشخصية للمستخدمين من خلال إضافة تطبيق إلى مواقعهم الشخصية يتم من خلاله سحب البيانات الشخصية. شبكات للتواصل أم للتدمير؟! هل هى شبكات للتواصل أم للتخريب؟! سؤال حاولت الباحثة أروى الموسى الإجابة عنه من خلال استبيان توصلت إلى أن شبكات التواصل الاجتماعى قد فرضت نفسها وبقوة داخل المجتمعات العربية خلال السنوات العشر الأخيرة. وأنها فضاءات مفتوحة للتمرُّد والثورة، بداية من التمرُّد على الخجل والانطواء، وانتهاء بالثورة على الأنظمة السياسية فى بعض الأحيان. «أروى» أشارت إلى أن الاستخدام السيِّئ لبعض الشبكات قد يُودِى بأصحابها إلى السجن، كما تمت الإشارة إلى ذلك فى المدونات الإلكترونية وأشارت الباحثة إلى أنه على الرغم من أن تلك الشبكات عالمية (الفيس بوك - تويتر - اليوتيوب) إلا أنه قد ظهرت بعض الشبكات العربية مثل (أصحاب مكتوب - وت وت - الساينس بوك - مكة دوت كوم) ولكنها لم تلقَ قبولًا مثل تلك الشبكات العالمية. الباحثة أشارت إلى العديد من السلبيات لتلك الشبكات منها إضاعة الأوقات. وقد يستغلها البعض فى نشر الرذيلة بين الناس. أو التشهير والفضيحة والابتزاز واستخدام الكوميكس أحيانًا كأداة لترويج مفاهيم خاطئة قد تدمر المجتمع مستقبلًا وهو ما كشفته دراسة أعدتها مؤخرا الدكتورة أسماء الجيوشى أستاذ الإعلام بجامعة المنصورة فى بحثها الذى أعدته بعنوان «الكوميكس كأداة لترويج فكرة التخويف من الزواج عبر شبكات التواصل الاجتماعى».. حيث اعتبرت «الجيوشى» أنه من أبرز الظواهر السلبية لشبكات التواصل الاجتماعى أنها أصبحت مسرحًا لصناعة الأزمات، ومنها أزمات تمس جوهر العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة المصرية منها الكوميكس الذى يحمل اسم «يوميات زوجة مفروسة» والحملة المضادة لها «يوميات زوج مطحون» هل هذا الكوميكس موجه لأصحاب القضية للتعاطف معهم؟ أم للرأى العام لتمرير رسالة أخطر تمهد لتسويق خطاب يدعم انتشار تفكيك الأسرة وتحديدا «فوبيا الزواج»؟ وما الأهداف من وراء هذه الحملة؟ وهل تسعى إلى دعم حرية تكوين العلاقات خارج منظومة الزواج؟ أم تخويف المجتمع العربى وتحريضه ضد قيمه وثوابته الأخلاقية؟ أم لخدمة مصالح أجندات اجتماعية؟ وهل يمكن الجزم بخطورة الشبكات الاجتماعية باعتبارها أداة لترويج صورة سلبية عن منظومة الزواج؟ أم يمكن استثمار نفس الأداة للمواجهة وللرد على الاتهامات والتلفيقات لمنظومة الزواج عبر الفضاء الافتراضى المتناهى؟! أسئلة حملتها الباحثة لتجد أن هناك علاقة بين استخدام شبكات التواصل الاجتماعى لصفحة «يوميات زوجة مفروسة» والترويج الإعلامى للتخويف من منظومة الزواج وأنه توجد فروق فى أدوات ترويج شبكات التواصل الاجتماعى للتخويف من منظومة الزواج. توصلت الجيوشى من خلال قراءة سيمولوجية لمحتوى عينة من الكوميكس المتداولة عبر الفيسبوك فى 2017 حول حملة «يوميات زوجة مفروسة» والمضادة لها «يوميات زوج مطحون» لترصد نداء التخويف من منظومة الزواج.