الموقف المحترم الذي اتخذه الدكتور شاكر عبدالحميد وزير الثقافة من عقد محاكمة المتهمين في مذبحة بورسعيد في قصر ثقافة الإسماعيلية، يؤكد أن الرجل ينتمي فعلاً إلي الجماعة الثقافية، فلقد عبر بموقفه هذا عن غضب الحركة الثقافية في القري والنجوع والمدن من الإسكندرية إلي أسوان لأن قصور الثقافة أنشأها عمنا ثروت عكاشة لتكون منارات للحرية والوعي والإبداع، وليست مكانا للمحاكمات .. الأهم في موقف وزير الثقافة هو تمسكه بشكل حاسم باستقلال الحركة الثقافية بمؤسساتها عن القرارات الحكومية الغبية التي تتعامل مع قصور الثقافة علي أنها مجرد 'مبانٍ' حكومية تملكها المحليات. كنت ومازلت ضد فصل الآثار عن وزارة الثقافة لأن حضارتنا الشامخة ليست مجرد أحجار ومبانٍ تحتاج إلي الترميم والصيانة كما أنها ليست مجرد مزارات سياحية تجلب العملات الأجنبية .. ولكنها صروح ثقافية أنجزها الإنسان المصري عبر التاريخ وشيدها بوعيه وإبداعه وعلمه .. فالحضارة كما علمنا أساتذتنا هي تجليات الثقافة 'ماديًا' علي أرض الواقع، فالهرم ثقافة والمعبد ثقافة .. والقصر ثقافة .. والتكية والسبيل ثقافة .. لذلك فأنا مازلت أطالب بإعادة الآثار إلي الوزارة الأم بأسرع ما يمكن حتي يتلئم جسد الثقافة المصرية الذي مزقوه استجابة لبعض النعرات والمطالب الفئوية، الأهم هو رفض وزارة الآثار لتسديد نسبة ال01٪ المقررة قانونًا لصندوق التنمية الثقافية بحجة انها غير تابعة لوزارة الثقافة، بل إنها تطالب الآن بعد 'استقلالها' بإجلاء أنشطة الوزارة الثقافية من بعض المباني الأثرية كقبة ووكالة الغوري وبيت السحيمي والهراوي وقصر الأمير طاز بعد أن أصبحت منارات ثقافية يمارس فيها المبدعون الشبان إبداعاتهم .. ورغم أنني من المطالبين بإعادة هيكلة صندوق التنمية الثقافة وإعادة النظر في لائحته ليصبح داعمًا للأنشطة الثقافية، وليس منتجًا لها .. لكن حتي يتم ذلك لابد من تحصيل نسبة ال01٪ المقررة قانونًا لأن حجبها يهدد بتوقف أنشطة ثقافية عديدة تفتح آفاق الإبداع أمام المبدعين الشبان في مختلف مجالات الإبداع، بالإضافة إلي توقف بناء عشرات المشروعات الثقافية بعد توقف المقاولين عن العمل لأنهم لم يصرفوا استحقاقاتهم في حين أن ميزانية الوزارة المحدودة لن تفي بهذه المستحقات .. المطلوب الآن: أن يتخذ الدكتور الجنزوري موقفًا حاسمًا لتحصيل 'النسبة القانونية' من الآثار انقاذًا للموقف إلي أن تتم إعادة هيكلة ورسم دور الصندوق المستقبلي. مازال قرار إعادة الاستديوهات والمعامل ودور العرض السينمائية إلي وزارة الثقافة مجمدًا رغم صدوره منذ أكثر من عامين .. ومازالت هذه الثروات الهائلة بعوائدها الضخمة تصب في ميزانية الشركة القابضة لدور العرض والسياحة وجيوب المستأجرين من رجال الأعمال، في حين أنها حق أصيل لوزارة الثقافة، وإعادتها إلي الوزارة سيدعم الخدمة الثقافية لفقراء هذا الوطن فمتي يتخذ الدكتور الجنزوري قراره بتفعيل القرار وإعادة 'أملاك' الوزارة إلي مكانها ودورها الطبيعيين، أعتقد أن قراره المنتظر سيكون له أكبر الأثر في تشكيل ملامح مستقبل الثقافة المصرية بعد ثورة 52 يناير .. فهل يفعل؟! .. أتمني!!