فى الوقت الذى يأمر فيه الرئيس الروسى بوتين ببدء سحب قواته من سوريا، فإن أمريكا تعلن وبتحدٍ سافر عن بقاء قواتها دون الإفصاح عن حقيقة وأسباب بقائها، لقد علمتنا تجارب الوجود الأمريكى فى الكثير من البلدان توقع وقوع مزيد من المحن والكوارث والتوابع التى تشبه توابع الزلازل، إذ تسعى أمريكا لخلق حجج باطلة وافتعال أزمات لتبرير بقائها وتوظف وجودها وفقًا لمصالحها وبما يضر بأمن واستقرار البلد الذى توجد فيه وهو ما يحدث فى سوريا الآن. فما هى مخاطر الوجود العسكرى الأمريكى فى سوريا؟ ولماذا تتمسك أمريكا بالبقاء بها؟ إن أمريكا تملك الآن 7 قواعد عسكرية وأكثر من 4000 جندى فى سوريا وبخاصة فى الجزء الشرقى والشمالى الشرقى من البلاد، حيث تنتشر قوات العمليات الخاصة الأمريكية، فى الوقت الذى تعمل فيه أمريكا على خلق دولة كردية موازية شمال سوريا نواتها قوات الشعوب الديمقراطية على غرار سيناريو كردستان العراق من شأن هذه الدولة أن تهدد وحدة البلاد وتعمل على إضعافها وبما يعمل لصالح إسرائيل وتفوقها فى المنطقة،وقد أكد مؤخرا المتحدث باسم البنتاجون أن أمريكا ستحتفظ بوجودها وبالتزاماتها طالما دعت الضرورة لدعم شركائها بالمنطقة ومنع عودة الجماعات الإرهابية إلى هذا البلد ضمن شروط مكافحة التهديد الذى يشكله الإرهابيون وبما يضمن تحقيق الاستقرار فى المناطق المحررة،ولفت إلى أن الولاياتالمتحدة تريد أيضا مساعدة قوات سوريا الديمقراطية على أن تصبح قوات أمن محلية دائمة ومكتفية ذاتيًا ومتنوعة عرقيا وذلك من أجل الاعتماد عليها ولضمان مصالحها فى سوريا مستقبلًا، ولهذا فقد رأت روسيا فى تصريحات البنتاجون مدعاة للاستغراب، متسائلة عن قانونية تواجد القوات الأمريكية فى سوريا جدل على الأرض يتزامن فى الأجواء مع تصاعد محاولات الطيران الأمريكى اعتراض حركة الطائرات الروسية شرق نهر الفرات فى تحرك تعتبره موسكو سعيًا لعرقلة استهداف مسلحى داعش، وترى الحكومة السورية أن الوجود الأمريكى على أراضيها غير شرعى، لكنها فى المقابل منحت موافقات لتواجد روسى منذ عقود زاد بشكل واضح بعد الحرب الأهلية إلى جانب تواجد إيرانى بأشكال متعددة؛ وتتواجد قوات روسية على الأقل فى قاعدة جوية فى محافظة اللاذقية وأخرى بحرية فى محافظة طرطوس من شأنهما تعزيز تواجد روسى طويل المدى غرب سوريا وعلى الساحل المطل على البحر الأبيض المتوسط وبما يخدم سوريا. أما عن مهام وأهداف التواجد الأمريكى فى سوريا: فإنه يمكن لقواعدها غير الشرعية فى سوريا أن تشكل نوعًا من التواجد العسكرى الأمريكى الدائم لأهداف عدة من بينها: منع إيران من تواجدها فى سوريا حتى لا تشكل خطرًا على أمن إسرائيل وخطر تمددها فى المنطقة، والأهم هو خلق موازنة مع النفوذ الروسى بالتواجد الدائم على شواطئ البحر الأبيض المتوسط فى القاعدة البحرية فى محافظة طرطوس على الساحل السورى. على غرار القواعد الروسية، وخلق حالة من التوازن العسكرى فى الأجواء السورية بعد إقامة روسيا قاعدة جوية لها بشكل دائم فى محافظة اللاذقية،،كما يشكل التواجد العسكرى الدائم للولايات المتحدة فى سوريا وفى قواعد جوية بديلًا احتياطيًا عن قاعدة أنجرليك التركية ذات الأهمية فى الحرب على الإرهاب فيما إذا تعمقت حدة الخلافات مع تركيا. وبصدد التواجد الأمريكى غير الشرعى فى الأراضى السورية والإنجازات التى حققها الجيش العربى السورى وحلفاؤه فى دحر الإرهاب وقرار ترامب الأخير بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وما أعقبه من ردود فعل إقليمية ودولية ومن هذا المنطلق جاء الموقف الروسى بالمطالبة بسحب القوات الأمريكية من الأراضى السورية، لاسيما بعد تورطها فى التعامل مع داعش والنصرة والمعارضة السورية وقوات الشعوب،وفضح تواطؤ أمريكا فى حماية داعش والقيام بنقل قياداته إلى مناطق آمنة من أجل إعادة توظيفهم فى عمليات تدمير المنطقة ونشر الإرهاب والتطرف خدمة للمشروع الصهيو- أمريكى بالمنطقة. إن أمريكا تعمل على إفشال أى حل سياسى للخروج من الأزمة السورية، لأنه ليس من مصلحة أمريكا وإسرائيل أن يتحقق هذا الحل، وهذا يفسر فشل الجهود الدولية فى هذا الإخفاق المتكرر بسبب ارتباط بعض أطراف المعارضة الخارجية المتهمة بالخيانة بأجندات غير وطنية. وكل ذلك يأتى فى السعى الصهيو- أمريكى لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد وقد ساعده بذلك الوضع المأساوى الذى تشهده الساحة العربية منذ سنوات والذى أدى إلى انتشار التطرف والإرهاب وما نتج عنه من تفتيت لدول وشعوب المنطقة وتغذية الكراهية والصراعات الطائفية والمذهبية وتحويل الصراع العربى- الإسرائيلى إلى صراع عربى- عربى، ويجب ألاَّ ننسى محاولات الإدارة الأمريكية- وإسرائيلى وبعض الأطراف العربية الموالية لها إلى افتعال صراع مذهبى، وتصوير إيران على أنها العدو الأكبر بالمنطقة وليست إسرائيل. وقد حذر وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف من أن الوجود العسكرى الأمريكى الآن بسوريا غير قانونى ويعيق التسوية السياسية ويهدد وحدة البلاد العسكرية فى سوريا من ناحية القانون الدولى، وتأتى التصريحات الروسية بالتزامن مع مواقف أطلقها مسئولو النظام من أن الوجود الأمريكى والتركى على الأراضى السورية هو غير شرعى، حيث اتهم وزير خارجية النظام «وليد المعلم» الولاياتالمتحدةالأمريكية بدعم الإرهابيين لإطالة أمد الأزمة السورية. إن أمريكا تحتل بشكل غير شرعى منطقة شمال شرق سوريا وهى منطقة تحتوى على موارد البلاد البترولية والمائية والزراعية بما يقدر بثلاثة أرباع ثروات البلاد وتحت سيطرة قوات الشعوب الديمقراطية وبالتالى حرمان الدولة السورية من استغلال مواردها من أجل إعادة بناء الدولة السورية، ويفسر المحللون السياسيون تمسك كل من أمريكاوتركيا بتواجدهما مع بعض الحلفاء بالبقاء فى سوريا كبديل لفشل مخطط داعش والتنظيمات الإرهابية فى البقاء بسوريا من جهة ومن جهة أخرى كورقة ضغط على سوريا لإقامة دولة كردية نواتها قوات الشعوب الديمقراطية لتقسيم سوريا وإضعافها بما يصب فى مصلحة إسرائيل، ولهذا فإن أمريكا تتحدى الدولة السورية وتتحدى النظام السورى وتتحدى المجتمع الدولى بعدم خروجها من سوريا وبالتالى فهى التى تعرقل نجاح المفاوضات فى أستانة وسوتشى عن طريق المعارضة وعن طريق الميلشيات والتنظيمات الإرهابية التى تقاتل على الأرض السورية كما أنها تحمى داعش والنصرة فى إدلب، وفى الوقت نفسه تخشى من الوجود الإيرانى وحزب الله بسوريا خشية على أمن إسرائيل، وهى التى تختلق الأزمات وتتهم النظام السورى وروسيا باستهداف المدنيين واستخدام الأسلحة الكيماوية من أجل إدانة سوريا والتخلص من النظام السورى لتمكين المعارضة وتقسيم سوريا، يحدث ذلك فى الوقت الذى تسعى فيه سوريا لاستعادة أرضها واستعادة أبنائها من اللاجئين والمهجرين والقيام بعمليات البناء والتشييد واستعادة الحالة الأمنية وتحسين البنى التحتية وحالة المعيشة اليومية للشعب السورى بعد تلك الكارثة الوطنية، ومع الوجود الأمريكى الذى كان سببًا فى ضرب الشعب الفلسطينى فى مقتل ومن قبله خراب أفغانستانوالعراق وليبيا فلن تكون سوريا بخير مع هذا الوجود الذى يعمل على خراب المنطقة من أجل أمن إسرائيل واستخدام الإرهاب الذى صنعه الأمريكان بأنفسهم فى المنطقة كذريعة تضمن له الوجود والبقاء فى الوقت الذى تتآمر فيه أمريكا على المنطقة وعلى سوريا وتستخدم المعارضة وفصائلها الخائنة مع التنظيمات الإرهابية لإفشال مساعى الجيش السورى النظامى بمساعدة روسيا لاستعادة الأراضى السورية وتحريرها، وعدم تمكين الدولة السورية من أى حل سياسى سلمى يمكنها من وضع سيطرتها على أرضها ومقدراتها واستعادة بناء سوريا لتظهر أمريكا على حقيقتها بأنها تلك الدولة التى تتحكم فى مصائر الشعوب بالعالم باستخدام الباطل والقوة من أجل تنفيذ مصالحها وأغراضها التى تخرج على الشرعية والقيم والأعراف الدولية ولهذا فعلى أمتنا العربية وعلى جامعة الدول أن تعمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد ضياع حقوق الشعب الفلسطينى بالوقوف مع الدولة السورية والمطالبة أمام الأممالمتحدة ومجلس الأمن بخروج أمريكا وحلفائها من سوريا قبل فوات الأوان وضياع سوريا.