توافق قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس، واعترافه بها عاصمة لإسرائيل، مع علاقاته المشبوهة باليمين، الأمريكى المتطرف ولوبى المال والأعمال المرتبط بشكل مباشر باللوبى السياسى الصهيونى. وعمدت إسرائيل منذ احتلالها للأراضى الفلسطينية إلى طمس الهوية الفلسطينية العربية الإسلامية للمدينة المقدسة بسلسلة إجراءات أهمها شراء الأراضى وتهجير سكانها الفلسطينيين وتسوية منازلهم بالأرض وإقامة المستوطنات دون رادع، وسمحت بعمليات البحث والتنقيب أسفل المسجد الأقصى للبحث عن هيكل سليمان المزعوم بما يهدد المسجد بالانهيار، وهو ما حذرت منه البعثات الأثرية الأجنبية قبل العربية. فقد أشار تقرير نشرته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية بتاريخ 2 يناير 2009 وصفته بأنه «سرى» أشار التقرير الذى وضعه قناصل دول الاتحاد الأوربى فى القدس ورام الله، إلى أنهم يوجهون انتقادات حادة لسياسة إسرائيل فى القدسالشرقية، ويدعون فيه الاتحاد الأوربى إلى القيام بإجراءات احتجاجية ضد إسرائيل، وفرض عقوبات على جهات ذات صلة بالنشاط الاستيطانى فى المدينة المقدسة وفى محيطها، مؤكدًا أن هناك استراتيجية إسرائيلية تستهدف تغيير الميزان الديمغرافى فى القدس، وعزل القدسالشرقية عن الضفة الغربية. وتناول التقرير الحفريات الأثرية فى المدينة، وخصوصًا فى منطقة الحرم القدسى الشريف، مشيرًا إلى أن الحفريات فى سلوان وفى البلدة العتيقة ومنطقة الحرم تتركز أساسا فى التاريخ اليهودى، وأصبح علم الآثار وسيلة أيديولوجية لصراع قومى ودينى، وتجرى إدارة هذه الصراع بطريقة تغير من هوية وطابع المدينة، بما يهدد الاستقرار فيها. كما يقترح التقرير فرض عقوبات اقتصادية على المستوطنين فى القدس، ويطالب القناصل بالتعاون لنقل معلومات حول المستوطنين العنيفين فى القدس ودراسة إمكانية منعهم من الدخول إلى دول الاتحاد الأوربى، ومنع تحويل أموال من مؤسسات حكومية أوربية إلى هيئات تدعم الاستيطان فى القدس، وإجراء تحقيق فى هذا الشأن، وإصدار توجيهات لمكاتب السياحة فى أوربا لمنع دعم مصالح المستوطنين فى القدس. كما تسوَّق إسرائيل فى كافة المهرجانات والمؤتمرات لثقافية والترفيهية أن القدس هى عاصمة إسرائيل مثلما حدث فى معرض والت ديزنى بمدينة أورلاند الأمريكية بمناسبة استقبال الألفية الثالثة وعرض تاريخها باعتبارها مدينة يهودية وطمس أى معلم مسيحى أو إسلامى بها. كما ترفض إسرائيل أى قرار أممى حول القدس كونها ترتبط بالحل النهائى للقضية، ولا تعترف سوى بالقرار 181 الذى يعطى اليهود 56% من أرض فلسطين، فى حين أنهم كانوا يمثلون 5.6% من نسبة السكان قبل التقسيم. وفى مارس الماضى أثار تقرير صادر عن لجنة «الإسكوا» التابعة للأمم المتحدة - الذى اتهم إسرائيل باتباع سياسية الفصل العنصرى ضد الفلسطينيين «الأبارتايد»- - كثيرًا من الجدل بعد الغضب الذى أبدته الولاياتالمتحدة، مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرش بسحب التقرير. ويستشهد التقرير بعدة قوانين وممارسات إسرائيلية للتدليل على استنتاجاته، منها سياسة الأراضى، حيث يعطى الدستور الإسرائيلى وقانون ممتلكات الدولة لعام 1951 للدولة الإسرائيلية الحق المطلق فى إدارة 93٪ من الأراضى المعترف بها دوليًا داخل حدودها وهى قانونًا، مُحرَّم استخدامها أو تطويرها أو امتلاكها على غير اليهود. كما يعرض التقرير ما يطلق عليه «الهندسة الديمغرافية» من خلال حق العودة، حيث يتاح لليهودى - أيًا كان بلده الأصلى - دخول إسرائيل والحصول على جنسيتها دون ضرورة استبيان صلته بالأرض، فى حين لا يتمتع الفلسطينيون بحق مماثل، حتى وإن كانت بحوزتهم وثائق تثبت فلسطينيتهم، أو وجود منازل لعائلاتهم بالأراضى الفلسطينية التى أقيمت فوقها دولة الكيان. ويذكر التقرير أن القانون الإسرائيلى يخول لأزواج وزوجات المواطنين الإسرائيليين الانتقال لإسرائيل، بينما يستثنى الفلسطينيين من داخل الأراضى المحتلة أو خارجها من هذا الإجراء. كما منعت إسرائيل رفع الأذان فى مساجد القدس وأراضى فلسطين 48 والمناطق الفلسطينية القريبة من المستوطنات والذى أقره الائتلاف الحكومى الإسرائيلى فى 13 نوفمبر عام 2016 كدلالة واضحة على سياسة التمييز والفصل العنصرى التى تنتهجها إسرائيل ضد الفلسطينيين. وفى عام 1973 اتخذت الحكومة الإسرائيلية فى اللجنة الوزارية لشئون القدس قرارا بجعل نسبة السكان العرب 22% فقط من إجمالى السكان العام فى حدود بلدية القدس، وتشكلت «لجنة غافنى» واستخدمت مجموعة كبيرة من القوانين لضبط هذه النسبة، فعمدت إلى مصادرة الأراضى، وهدم المنازل، وسحب الهويات. وعمدت إسرائيل منذ عام 1995 على تطبيق سياسة تقليص أعداد الفلسطينيين فى القدس بعدة إجراءات أهمها: سلب حق المواطنة من سكان القدس الذين أقاموا سنوات عدة خارج حدود المدينة، فتم تهجير آلاف الفلسطينيين من القدسالشرقية، وإلغاء حق المواطنة دون الحق فى الطعن على القرار بالنسبة للفلسطينيين، والطلب المستمر منهم تقديم أوراق تثبت أنهم مازالوا يقيمون فى المدينة مع صعوبة الحصول على هذه الأوراق، ورفض تسجيل الطفل الذى وُلد لأبوين أحدهما من الفلسطينيين المقيمين فى القدسالشرقية فى سجل المواليد، ورفض إصدار رقم قومى له، حتى لو كانت وزارة الداخلية قد اعترفت من قبل بأن هذه الأسرة تقيم فى القدس، ورفض قبول الطلبات الخاصة بجمع شمل الأسر الفلسطينية فى القدس. وعلى الجانب الآخر، وصل عدد المستوطنين فى القدسالشرقيةالمحتلة إلى ما يزيد على 220 ألفًا من مجموع 600 ألف مستوطن يعيشون فى فلسطينالمحتلة. كما صادرت سلطات الاحتلال الإسرائيلية نحو 14.600 بطاقة هوية من المقدسيين الذين يتمتعون بحق الإقامة الدائمة فى القدس بين الأعوام 1967 و2015، مما ألحق ضررًا مباشرًا بأكثر من 20 ٪ من العائلات الفلسطينية فى مدينة القدسالمحتلة. كما صادرت سلطات الاحتلال ما يقدر مجموعة بحوالى 50% أو 7200 من العدد الكلى لبطاقات الهوية التى صادرتها من المقدسيين فى الفترة الممتدة بين عامى 2006 و2015. ومنذ عام 1967 هدمت إسرائيل أكثر من 3,450 منزلا فلسطينيًا ومنشآت أخرى فى القدسالشرقية بما فى ذلك بعض المواقع التاريخية والدينية مثل حارة المغاربة فى البلدة القديمة. أما عن تغيير هوية المسجد الأقصى ومحاولات هدمه عبر الحفر أسفله بدعوى البحث عن هيكل سليمان، فقد أصدرت «مؤسسة الأقصى للوقف والتراث» فى القدسالمحتلة فى تقرير موثق بالصور أنها رصدت تصعيدًا ملحوظًا وتكثيفًا واضحًا من الاحتلال الإسرائيلى بحفر طبقات الأرض وتوسيع شبكة الأنفاق أسفل المسجد الأقصى المبارك وفى محيطه، وتحديدًا فى الجهة الغربية من المسجد الأقصى، المسماة بمنطقة النفق الغربى، وأن الحفريات لا تتم فى طبقة واحدة من الأرض، بل تتمّ فى طبقات متعددة فى الأرض، تتعدى الثلاث طبقات، وفى جميع الاتجاهات، خصوصًا فى اتجاه الشرق، صوب الأقصى. كما أن أعماق كل طبقة وطبقة تختلف لكنها تزيد على المترين، هذه الحفريات تمتدّ على طول أكثر من 600 متر فى الجهة الغربية من الأقصى.