وكيل «شؤون عربية» النواب: زيارة الرئيس السيسي للسعودية تعكس عمق العلاقات بين البلدين    قبل انطلاق النسخة الثالثة.. كل ما تريد معرفته عن دوري المحترفين    «الداخلية»: ضبط سيدة بتهمة إدارة نادي صحي للأعمال المنافية للآداب بالجيزة    متصلة: بنت خالتي عايزة تتزوج عرفي وهي متزوجة من شخص آخر.. أمين الفتوى يرد    جامعة القاهرة تطلق استراتيجة للذكاء الاصطناعي بمؤتمر CU-AI Nexus 2025    هل يتم دفع ضريبة عند إعادة بيع الذهب؟.. توضيح من الشعبة    رينو أوسترال... تكنولوجيا متطورة وفرصة تمويل استثنائية من ألكان للتمويل    اليوم .. الكنائس تختتم صوم السيدة العذراء باحتفالات روحية وشعبية واسعة    إيران: العقوبات الأمريكية على قضاة بالجنائية الدولية تواطؤ في إبادة وقتل الفلسطينيين    القدس للدراسات: الحديث عن احتلال غزة جزء من مشروع «إسرائيل الكبرى»    واشنطن تبرم صفقة مع أوغندا لاستقبال اللاجئين    «العربية للعلوم » تفتح أبوابها للطلاب بمعرض أخبار اليوم للتعليم العالي    «تربية حلوان» تطرح برنامج معلم اللغة الإنجليزية للمدارس الدولية واللغات    نتيجة تحليل المخدرات للسائق المتهم بالدهس بكورنيش الإسكندرية    بقيمة 8 ملايين جنيه.. الداخلية توجه ضربات قوية لتجار العملة غير المشروعة    شيرى عادل تنضم لأسرة فيلم حين يكتب الحب    تعرف على سعر الذهب اليوم الخميس.. عيار 21 يسجل 4555 جنيها    رئيس المعاهد الأزهرية يتفقد المشروع الصيفي للقرآن الكريم بأسوان    لا أستطيع أن أسامح من ظلمنى.. فهل هذا حرام؟ شاهد رد أمين الفتوى    نجاح أول عملية استئصال ورم بتقنية الجراحة الواعية بجامعة قناة السويس    مستشفيات جامعة قناة السويس تواصل ريادتها بعملية ناجحة لإصلاح الصمام الميترالي بالمنظار    أول رد رسمي على أنباء توقف أعمال الحفر في ستاد الأهلي    جيش الاحتلال يعلن إصابة جندي بنيران المقاومة شمال غزة    7 عروض أجنبية في الدورة 32 من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي    لبنان.. بدء المرحلة الأولى من تسليم سلاح المخيمات الفلسطينية    لجنة الحريات بنقابة الصحفيين تعلن تضامنها مع الزملاء بصحيفة "فيتو" بشأن بيان وزارة النقل    195 عضوًا بمجلس الشيوخ يمثلون 12 حزبًا.. و3 مستقلين يخوضون الإعادة على 5 مقاعد في مواجهة 7 حزبيين    الاتحاد السكندري ل في الجول: تأجيل مكافأة الفوز على الإسماعيلي لما بعد مباراة البنك الأهلي    رغم قرار رحيله.. دوناروما يتدرب مع سان جيرمان    القصة الكاملة لتحويل بدرية طلبة للتحقيق: بدأت بتجاوزات وانتهت بمجلس التأديب    لو كنت من مواليد برج العقرب استعد لأهم أيام حظك.. تستمر 3 أسابيع    أحمد سعد يتألق في مهرجان الشواطئ بالمغرب.. والجمهور يحتفل بعيد ميلاده (صور)    أحدث ظهور لنادية الجندي بإطلالة صيفية جريئة على البحر (صور)    تقرير: رابيو يعرض نفسه على يوفنتوس    جني جودة تحصد 3 ذهبيات ببطولة أفريقيا للأثقال وشمس محمد يفوز في وزن + 86كجم    فانتازي يلا كورة.. انخفاض سعر ثنائي مانشستر سيتي    محمد الشناوي غاضب بسبب التصرف الأخير.. مهيب يكشف تفاصيل حديثه مع حارس الأهلي في عزاء والده    تخفيضات تصل إلى 50%.. موعد انطلاق معارض أهلًا مدارس 2025- 2026    خالد الجندى ب"لعلهم يفقهون": الإسلام لا يقتصر على الأركان الخمسة فقط    جنايات بنها تنظر أولى جلسات محاكمة المتهم بخطف طفلة والتعدى عليها بشبين القناطر    فتح: مخططات نتنياهو للاجتياح الشامل لغزة تهدد بارتكاب مجازر كارثية    "جهاز الاتصالات" يصدر تقرير نتائج قياسات جودة خدمة شبكات المحمول للربع الثاني    جولة لرئيس شركة الأقصر لمتابعة العمل بمحطة المياه الغربية.. صور    وكيل صحة الإسماعيلية تفاجئ وحدة طب أسرة الشهيد خيرى وتحيل المقصرين للتحقيق    الجامعة المصرية الصينية تنظم أول مؤتمر دولي متخصص في طب الخيول بمصر    «الصحة»: وفاة شخصين وإصابة 18 في حادث تصادم طريق «الإسكندرية - مطروح»    جامعة أسيوط تعلن مواعيد الكشف الطبي للطلاب الجدد    هبوط جماعي لمؤشرات البورصة في نهاية تعاملات الخميس    مستخدمًا سلاح أبيض.. زوج ينهي حياة زوجته ويصيب ابنتهما في الدقهلية    «الأرصاد» تحذر من حالة الطقس يومي السبت والأحد.. هل تعود الموجة الحارة؟    نائب وزير الصحة يبحث مع رئيس الأكاديمية العربية للنقل البحري سبل التعاون    رفضه لجائزة ملتقى الرواية 2003 أظهر انقسامًا حادًا بين المثقفين والكتَّاب |السنوات الأولى فى حياة الأورفيلى المحتج    مديريات التعليم تنظم ندوات توعية لأولياء الأمور والطلاب حول البكالوريا    مدبولي: نتطلع لجذب صناعات السيارات وتوطين تكنولوجيا تحلية مياه البحر    الداخلية: تحرير 126 مخالفة للمحال المخالفة لقرار الغلق لترشيد استهلاك الكهرباء    هل يوجد زكاة على القرض من البنك؟.. أمين الفتوى يجيب    توسيع الترسانة النووية.. رهان جديد ل زعيم كوريا الشمالية ردًا على مناورات واشنطن وسيول    وزارة الأوقاف تطلق صفحة "أطفالنا" لبناء وعي راسخ للنشء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مخططات وحفريات مازالت مستمرة لتهويد القدس
نشر في صوت البلد يوم 21 - 06 - 2017

تعيد الانتهاكات الإسرائيلية الجارية بحق مدينة القدس، وتدنيس المقدسات الإسلامية وفي مقدمتها المسجد الأقصى، ما جرى عامي 1948 و1967، حينما بدأت السيّطرة الإسرائيلية على معظم الأراضي الفلسطينية، وسط أجواء من التخريب والدمار، حيث سيّطرت على المشهد حالة من التهويد والتشرّد والنزوح لمئات الآلاف من الفلسطينيين، واستقدام المزيد من المستوطنين من الداخل والخارج للإقامة في القدس، فضلاً عن مصادرة الأراضي وبناء مستوطنات فوقها.
يعمل الإسرائيليون منذ أن بسطوا سيّطرتهم على كامل فلسطين على تحويل الهوية الإسلامية لمدينة القدس إلى هوية يهودية، من خلال إنشاء مدينة يهودية مقدسة في القدس، وهو ما يُعرف بمشروع "القدس أولاً"، وتمتدّ هذه المدينة أسفل المسجد الأقصى وفي أجزاء من الحي الإسلامي والبلدة القديمة، وترتبط بمجموعة من الحدائق والمتنزهات والمتاحف والمواقع الأثرية المقامة فوق الأرض في محيط البلدة القديمة.
وتنشط أعمال الحفريات والبحث عن الآثار خصوصاً عند المسجد الأقصى والبلدة القديمة في القدس، والتي كانت تهدف لإثبات الادعاءات اليهودية، ومحاولة إيجاد أدلة على روايات التوراة المحرفة والروايات التاريخية الإسرائيلية، إلا أن ما أظهرته تلك الحفريات هو آثار إسلامية وبيزنطية ورومانية. وبفعلها تشكّلت مدينة من الأنفاق تصل في بعض الأحيان إلى عمق أربعين متراً تحت الأرض، وهو ما يشكّل خطورة على أساسات المسجد الأقصى.
ويشير د. محسن صالح، رئيس مركز الزيتونة للدراسة، في كتابه "معاناة القدس والمقدسات تحت الاحتلال الإسرائيلي"، إلى اعترف الكاتب الإسرائيلي "داني رابينوفيتش"، أنه عمل سنة 1968 متطوعاً في حفريات حائط المبكى، وهو ما أسفر عن اكتشاف مبانٍ أموية، وأنه حين عاد إلى الموقع في بداية السبعينيات لم يجد لهذه المباني أي أثر، حيث أزالتها إسرائيل من المنطقة بكاملها.
وقد بدأ تنفيذ حفريات في البلدة القديمة في الفترة من 2001 إلى 2009، وتركزت معظمها في حي المسلمين وشارع الواد وباب الغوانمة في البلدة القديمة، وشملت الحفريات قرية سلوان التاريخية.
وفي مطلع عام 2008 كشفت مؤسسة الأقصى عن قيام السلطات الإسرائيلية بحفر نفق جديد ملاصق للجدار الغربي للأقصى، وتعميق الحفريات وتوجيهها نحو باب السلسلة، وهو ما يعني أن العديد من المشاريع الإسرائيلية لتهويد المقدسات قد تمّ تنفيذها منذ سنوات طويلة، ومؤخراً أيضاً بإشراف صناع القرار في إسرائيل، حتى وصلت اليوم إلى مستويات عالية عبر استخدام وسائل تقنية عالية، وفي ظل تكتيم إسرائيلي وإعلامي واسع النطاق.
وفي إطار مخططات الإسرائيليين لتهويد القدس تمّ الاستيلاء على الكثير من الأحياء المقدسية، منها الشطر الغربي للقدس، والذي احتلته العصابات الصهيونية عام 1948، وطردت 60 ألفاً من سكانه العرب، وحي الطالبية، وحي القطمون، والحي الثوري، وحي المصرارة الذي غيّر الإسرائيليون اسمه إلى "مورشاه"، كذلك تمّ إزالة حي الشيخ بدر، وإنشاء الجامعة العبرية والكنيست وبنك إسرائيل على أراضيه.
عملت إسرائيل منذ عام 1948 وما تبعها على تغيير التركيبة السكنية في القدس وتهجير أهلها وهدم بيوتهم، مما سبّب لمدينة القدس الشرقية عام 1967 تغيّراً جذرياً على السكان والمباني، دعمها سياسة الاستيطان اليهودي في القدس، ومن أهم أعمال قوات الاحتلال لتنفيذ هذا المخطط، هدم حي المغاربة والشرف وتهجير سكانه وبناء مبانٍ جديدة إسرائيلية وإسكان اليهود، بالإضافة إلى مصادرة أو شراء مبانٍ سكنية داخل الحي الإسلامي بطرق ملتوية.
كما سعت إسرائيل إلى تغيير معالم مدينة القدس من خلال التوسّع في إقامة المستوطنات، وضمّ قرى فلسطينية مثل بيت حنينا، صور باهر، العيسوية، كفر عقب، أيضاً بناء المستوطنات خارج القدس، مثل "معاليه أدوميم، أفير يعقوب"، وتمّ استبدال أسماء الشوارع والأزقة والمعالم التاريخية بأسماء عبرية.
تُعتبر إعادة بناء وترميم الكنائس من أبرز المشاريع لتهويد مدينة القدس القديمة تدعيماً للمزاعم الإسرائيلية فيها، حيث قامت سلطات الاحتلال ببناء وترميم كنيس يهودي باسم "هحوربا"، والذي تمّ إقامته على أرض وقفية وعلى حساب جزء من المسجد العمري المحاذي للكنيس، ويهدف بناء هذا الكنيس العالي إلى محاولة استنبات أبنية يهودية في القدس لمنافسة كنيسة القيامة والمعلم الإسلامي البارز المتمثل بقبة الصخرة المشرفة، وهناك كنيس يهودي آخر أُقيم على وقف إسلامي يُدعى "حمام العين"، ولا يبعد هذا الكنيس سوى خمسين متراً عن المسجد الأقصى في قلب الحي الإسلامي، كل هذا يهدف إلى تغيير البناء العمراني والتراث الثقافي لمدينة القدس إلى اليهودية.
وقد جاء التوسّع في بناء وترميم الكنائس اليهودية بالتوازي مع إسقاط قدسية المقدسات الإسلامية من خلال تدنيس المسجد الأقصى، والذي بدأ بزيارة زعيم حزب الليكود الإسرائيلي "أرئيل شارون" إلى حرم المسجد الأقصى في 28/9/2000، الشرارة التي فجّرت انتفاضة الأقصى الثانية، حتى بدأت ساحات الأقصى في صراع دائم من حيث الاقتحام والمواجهة مع المستوطنين وقوات الاحتلال، وهذا الصراع كان بمثابة بدء الانتهاكات للمسجد الحرام، حيث تلته انتهاكات واقتحامات متواصلة للمستوطنين والقوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى والمستمرة حتى وقتنا هذا.
ولم تكتف مساعي إسرائيل عند هذا الحد بل إنشاء الجدار العازل، والذي سعى لاستبعاد أكثر من 60 ألفاً من أبناء القدس عن مدينتهم، وتمزيق علاقاتهم الاجتماعية والاقتصادية، من أجل تقليص نسبة السكان الفلسطينيين المسلمين في المدينة المقدسة إلى 22 بالمئة، حيث تزيد نسبتهم الآن إلى 35 بالمئة، وهي نسبة قرّر صناع القرار الإسرائيلي الوصول إليها، هذا بجانب دوره في تحقيق أهداف برنامجه من حيث التهويد ومصادرة الأراضي وإحاطتها بالمستوطنات بهدف العزل التام عن كل شيء.
د. مختار الحفناوي، أستاذ الإسرائيليات بجامعة القاهرة، يقول: إن الإسرائيليين بدأوا مخططاتهم لتهويد القدس وتهجير سكانها وتغيير هويتها وثقافتها منذ بداية احتلالها في عام 1948، موضحاً أنه منذ قيام دولة إسرائيل وحكومات الاحتلال المتعاقبة تسير وفق مخطط ممنهج وشامل لتهويد مدينة القدس المحتلة. يرتكز هذا المخطط على الاستيطان بكافة أشكاله من بؤر وتجمعات استيطانية، ومصادرة الأراضي والمنازل العربية ومنحها للمستوطنين، وزيادة أعداد المستوطنين في المدينة المقدسة، وذلك كله على حساب الأرض العربية الفلسطينية وسكانها المقدسيين، ومن أجل تحقيق هدفها الأبرز بالسيّطرة الكاملة على مدينة القدس.
ويشير د. الحفناوي إلى أنه في الثمانينات بدأ الإسرائيليون بشكل سري بالتنقيب في منطقة المسجد الأقصى، وهي مستمرة حتى الآن على أمل العثور على آثار للمعبد، أي الهيكل الثاني المزعوم، بعد أن ادَّعوا أن المدرجات الأموية وكلا البابين الثنائي والثلاثي هما من بوابات "الهيكل المزعوم"، وهي مساعٍ تأتي في إطار محاولات تهويد القدس وتغيير هويتها وثقافتها ودينها.
ومن جانبه، يؤكد د. أحمد عزم، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بيرزيت، أن إسرائيل تحاول استغلال الاضطرابات التي تمر بها المنطقة وانشغال الدول العربية بشؤونها الداخلية، لتحقّق أهدافها في تهويد مدينة القدس وتغيير الوضع القائم بالعمل على التمهيد لهدم المسجد الأقصى، وإقامة ما يُسمى هيكل سليمان المزعوم مكانه وتهجير العرب، وهو ما تفعله إسرائيل حالياً، لافتاً إلى أنه لأول مرة منذ احتلال فلسطين يغلق المسجد الأقصى بواسطة السلطات الصهيونية وتمنع فيه الصلاة، ويُعدّ هذا تطوّراً نوعياً في سلوك دولة الاحتلال ينبئ عن وجود مخطط لتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى اعتماداً على حالة الفوضى التي تضرب المنطقة.
ويضيف عزم: الاستمرار في الاستيطان وترويع الآمنين، وتدنيس المقدسات وفي مقدمتها المسجد الأقصى، والاقتحامات المتكررة له من قِبَل المتشدّدين اليهود والسياسيين المتطرّفين، أوجدت حالة من الغضب الشعبي من الممكن أن تنفجر في أية لحظة.
تعيد الانتهاكات الإسرائيلية الجارية بحق مدينة القدس، وتدنيس المقدسات الإسلامية وفي مقدمتها المسجد الأقصى، ما جرى عامي 1948 و1967، حينما بدأت السيّطرة الإسرائيلية على معظم الأراضي الفلسطينية، وسط أجواء من التخريب والدمار، حيث سيّطرت على المشهد حالة من التهويد والتشرّد والنزوح لمئات الآلاف من الفلسطينيين، واستقدام المزيد من المستوطنين من الداخل والخارج للإقامة في القدس، فضلاً عن مصادرة الأراضي وبناء مستوطنات فوقها.
يعمل الإسرائيليون منذ أن بسطوا سيّطرتهم على كامل فلسطين على تحويل الهوية الإسلامية لمدينة القدس إلى هوية يهودية، من خلال إنشاء مدينة يهودية مقدسة في القدس، وهو ما يُعرف بمشروع "القدس أولاً"، وتمتدّ هذه المدينة أسفل المسجد الأقصى وفي أجزاء من الحي الإسلامي والبلدة القديمة، وترتبط بمجموعة من الحدائق والمتنزهات والمتاحف والمواقع الأثرية المقامة فوق الأرض في محيط البلدة القديمة.
وتنشط أعمال الحفريات والبحث عن الآثار خصوصاً عند المسجد الأقصى والبلدة القديمة في القدس، والتي كانت تهدف لإثبات الادعاءات اليهودية، ومحاولة إيجاد أدلة على روايات التوراة المحرفة والروايات التاريخية الإسرائيلية، إلا أن ما أظهرته تلك الحفريات هو آثار إسلامية وبيزنطية ورومانية. وبفعلها تشكّلت مدينة من الأنفاق تصل في بعض الأحيان إلى عمق أربعين متراً تحت الأرض، وهو ما يشكّل خطورة على أساسات المسجد الأقصى.
ويشير د. محسن صالح، رئيس مركز الزيتونة للدراسة، في كتابه "معاناة القدس والمقدسات تحت الاحتلال الإسرائيلي"، إلى اعترف الكاتب الإسرائيلي "داني رابينوفيتش"، أنه عمل سنة 1968 متطوعاً في حفريات حائط المبكى، وهو ما أسفر عن اكتشاف مبانٍ أموية، وأنه حين عاد إلى الموقع في بداية السبعينيات لم يجد لهذه المباني أي أثر، حيث أزالتها إسرائيل من المنطقة بكاملها.
وقد بدأ تنفيذ حفريات في البلدة القديمة في الفترة من 2001 إلى 2009، وتركزت معظمها في حي المسلمين وشارع الواد وباب الغوانمة في البلدة القديمة، وشملت الحفريات قرية سلوان التاريخية.
وفي مطلع عام 2008 كشفت مؤسسة الأقصى عن قيام السلطات الإسرائيلية بحفر نفق جديد ملاصق للجدار الغربي للأقصى، وتعميق الحفريات وتوجيهها نحو باب السلسلة، وهو ما يعني أن العديد من المشاريع الإسرائيلية لتهويد المقدسات قد تمّ تنفيذها منذ سنوات طويلة، ومؤخراً أيضاً بإشراف صناع القرار في إسرائيل، حتى وصلت اليوم إلى مستويات عالية عبر استخدام وسائل تقنية عالية، وفي ظل تكتيم إسرائيلي وإعلامي واسع النطاق.
وفي إطار مخططات الإسرائيليين لتهويد القدس تمّ الاستيلاء على الكثير من الأحياء المقدسية، منها الشطر الغربي للقدس، والذي احتلته العصابات الصهيونية عام 1948، وطردت 60 ألفاً من سكانه العرب، وحي الطالبية، وحي القطمون، والحي الثوري، وحي المصرارة الذي غيّر الإسرائيليون اسمه إلى "مورشاه"، كذلك تمّ إزالة حي الشيخ بدر، وإنشاء الجامعة العبرية والكنيست وبنك إسرائيل على أراضيه.
عملت إسرائيل منذ عام 1948 وما تبعها على تغيير التركيبة السكنية في القدس وتهجير أهلها وهدم بيوتهم، مما سبّب لمدينة القدس الشرقية عام 1967 تغيّراً جذرياً على السكان والمباني، دعمها سياسة الاستيطان اليهودي في القدس، ومن أهم أعمال قوات الاحتلال لتنفيذ هذا المخطط، هدم حي المغاربة والشرف وتهجير سكانه وبناء مبانٍ جديدة إسرائيلية وإسكان اليهود، بالإضافة إلى مصادرة أو شراء مبانٍ سكنية داخل الحي الإسلامي بطرق ملتوية.
كما سعت إسرائيل إلى تغيير معالم مدينة القدس من خلال التوسّع في إقامة المستوطنات، وضمّ قرى فلسطينية مثل بيت حنينا، صور باهر، العيسوية، كفر عقب، أيضاً بناء المستوطنات خارج القدس، مثل "معاليه أدوميم، أفير يعقوب"، وتمّ استبدال أسماء الشوارع والأزقة والمعالم التاريخية بأسماء عبرية.
تُعتبر إعادة بناء وترميم الكنائس من أبرز المشاريع لتهويد مدينة القدس القديمة تدعيماً للمزاعم الإسرائيلية فيها، حيث قامت سلطات الاحتلال ببناء وترميم كنيس يهودي باسم "هحوربا"، والذي تمّ إقامته على أرض وقفية وعلى حساب جزء من المسجد العمري المحاذي للكنيس، ويهدف بناء هذا الكنيس العالي إلى محاولة استنبات أبنية يهودية في القدس لمنافسة كنيسة القيامة والمعلم الإسلامي البارز المتمثل بقبة الصخرة المشرفة، وهناك كنيس يهودي آخر أُقيم على وقف إسلامي يُدعى "حمام العين"، ولا يبعد هذا الكنيس سوى خمسين متراً عن المسجد الأقصى في قلب الحي الإسلامي، كل هذا يهدف إلى تغيير البناء العمراني والتراث الثقافي لمدينة القدس إلى اليهودية.
وقد جاء التوسّع في بناء وترميم الكنائس اليهودية بالتوازي مع إسقاط قدسية المقدسات الإسلامية من خلال تدنيس المسجد الأقصى، والذي بدأ بزيارة زعيم حزب الليكود الإسرائيلي "أرئيل شارون" إلى حرم المسجد الأقصى في 28/9/2000، الشرارة التي فجّرت انتفاضة الأقصى الثانية، حتى بدأت ساحات الأقصى في صراع دائم من حيث الاقتحام والمواجهة مع المستوطنين وقوات الاحتلال، وهذا الصراع كان بمثابة بدء الانتهاكات للمسجد الحرام، حيث تلته انتهاكات واقتحامات متواصلة للمستوطنين والقوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى والمستمرة حتى وقتنا هذا.
ولم تكتف مساعي إسرائيل عند هذا الحد بل إنشاء الجدار العازل، والذي سعى لاستبعاد أكثر من 60 ألفاً من أبناء القدس عن مدينتهم، وتمزيق علاقاتهم الاجتماعية والاقتصادية، من أجل تقليص نسبة السكان الفلسطينيين المسلمين في المدينة المقدسة إلى 22 بالمئة، حيث تزيد نسبتهم الآن إلى 35 بالمئة، وهي نسبة قرّر صناع القرار الإسرائيلي الوصول إليها، هذا بجانب دوره في تحقيق أهداف برنامجه من حيث التهويد ومصادرة الأراضي وإحاطتها بالمستوطنات بهدف العزل التام عن كل شيء.
د. مختار الحفناوي، أستاذ الإسرائيليات بجامعة القاهرة، يقول: إن الإسرائيليين بدأوا مخططاتهم لتهويد القدس وتهجير سكانها وتغيير هويتها وثقافتها منذ بداية احتلالها في عام 1948، موضحاً أنه منذ قيام دولة إسرائيل وحكومات الاحتلال المتعاقبة تسير وفق مخطط ممنهج وشامل لتهويد مدينة القدس المحتلة. يرتكز هذا المخطط على الاستيطان بكافة أشكاله من بؤر وتجمعات استيطانية، ومصادرة الأراضي والمنازل العربية ومنحها للمستوطنين، وزيادة أعداد المستوطنين في المدينة المقدسة، وذلك كله على حساب الأرض العربية الفلسطينية وسكانها المقدسيين، ومن أجل تحقيق هدفها الأبرز بالسيّطرة الكاملة على مدينة القدس.
ويشير د. الحفناوي إلى أنه في الثمانينات بدأ الإسرائيليون بشكل سري بالتنقيب في منطقة المسجد الأقصى، وهي مستمرة حتى الآن على أمل العثور على آثار للمعبد، أي الهيكل الثاني المزعوم، بعد أن ادَّعوا أن المدرجات الأموية وكلا البابين الثنائي والثلاثي هما من بوابات "الهيكل المزعوم"، وهي مساعٍ تأتي في إطار محاولات تهويد القدس وتغيير هويتها وثقافتها ودينها.
ومن جانبه، يؤكد د. أحمد عزم، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بيرزيت، أن إسرائيل تحاول استغلال الاضطرابات التي تمر بها المنطقة وانشغال الدول العربية بشؤونها الداخلية، لتحقّق أهدافها في تهويد مدينة القدس وتغيير الوضع القائم بالعمل على التمهيد لهدم المسجد الأقصى، وإقامة ما يُسمى هيكل سليمان المزعوم مكانه وتهجير العرب، وهو ما تفعله إسرائيل حالياً، لافتاً إلى أنه لأول مرة منذ احتلال فلسطين يغلق المسجد الأقصى بواسطة السلطات الصهيونية وتمنع فيه الصلاة، ويُعدّ هذا تطوّراً نوعياً في سلوك دولة الاحتلال ينبئ عن وجود مخطط لتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى اعتماداً على حالة الفوضى التي تضرب المنطقة.
ويضيف عزم: الاستمرار في الاستيطان وترويع الآمنين، وتدنيس المقدسات وفي مقدمتها المسجد الأقصى، والاقتحامات المتكررة له من قِبَل المتشدّدين اليهود والسياسيين المتطرّفين، أوجدت حالة من الغضب الشعبي من الممكن أن تنفجر في أية لحظة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.