في هذه الآونة الأخيرة التي طغت فيها الآلام علي الآمال تشدني بقوة لوحة الفنان الإسباني العظيم بيكاسو 'الجرنكا' تلك اللوحة التي يجسد فيها بشاعة الحرب الأهلية الإسبانية وهي عبارة عن جزئيات متناثرة متقاطعة، متصادمة، مبتسرة، من أجسام بشرية، حيوانات، جماد، في جو مفعم بالمأساة والاستنفار والاستشعار بالهول المقيم وأظنها بهذه المعاني تقترب في التعبير من معظم أوضاعنا العربية التي تتقلب علي جمر النار رغم أن مجموعة من الدول العربية قامت بثورات شعبية كبري - تونس، مصر، اليمن وأخري لاتزال تعاني وتكابد مثل سوريا والبحرين ورغم أن الغرب وبالطبع 'ماما أمريكا' في المقدمة منه بارك هذه الثورات وأطلق عليها 'الربيع العربي' لكن علي ما يبدو أن هذا الربيع يوشك أن ينقلب ويتحول خريفًا أو شتاء زمهريرًا قاسيا يقطع الأوصال ويفرق اللحمة الوطنية ويمزق النسيج الاجتماعي. هذا ما حدث في ليبيا حينما أعلن انفصال إقليم 'برقة' الغني بالنفط عن بقية الأراضي الليبية! ولعل هذا يذكرنا بعملية التفتيش والتقسيم التي بشرونا بها في خريطة الشرق الأوسط الكبير الأمريكية الإسرائيلية في عهد 'بوش الابن' وغزوه البربري للعراق عام 2003 والتي تقدم علي تجرئة المجزء وتقسيم المقسم لصالح إسرائيل الكبري فبعد أن تتحول البلاد العربية إلي دوبلات صغيرة ستتحول دولة إسرائيل إلي دولة كبري تتمتع بنفوذ وسيادة وسطوة علي الجميع الذين يتحولون بدورهم إلي 'فتات دول' تعتمد علي المدد الخارجي والمعونات الدولية لأن المطلوب أن يتحول العرب إلي متسولين ولاجئين لا أصحاب قرار وإرادة وطنية حرة في وطن مستقل. ولننظر إلي ما يحدث حولنا في الوقت الراهن في العراق ومحاولة التقسيم القائمة علي قدم وساق وبعد نزوح الاحتلال الأمريكي 'الشكلي' نكتشف أنه زرع فتنة تفتيت العراق إلي ثلاث دويلات كردية وشيعية وسنية والفضل يرجع إلي 'بريمر' الحاكم الأمريكي العسكري الغابر ثم ما حدث في السودان والتقسيم بين دولة الجنوب ودول الشمال والبقية في الطريق شرقًا وغربًا ثم في اليمن والدعوة إلي انفصال الجنوب أو تحرره كما يصفها الجنوبيون عن الشمال في دولتين منفصلتين ثم ها هي ليبيا التي يراد لها أن تقسم إلي ثلاث دول منفصلة برقة، طرابلس، فزان بدعوي أنها كانت هكذا قبل الحكم الملكي النومسي منذ ما يزيد عن نصف قرن عام 1951. أترانا محاصرين في مصر بالقطع نعم صارت مصر محاصرة غربًا في ليبيا وجنوبًا في السودان، أما الشرق وهو بيت القصيد حيث سيناء التي أهملت علي مدار ثلاثة عقود منذ أن عادت ومصر اليوم في عيد!! ولايزال يعاني أهالينا فيها من القهر والجهل وسوء الخدمات وكأنها الضريبة التي دفعها النظام البائد والمخلوع تحديدًا لكي يبقي في الحكم متقربًا إلي أسياده الإسرائيليين والأمريكان ونحن لن ننسي نظرية الأمن الإسرائيلية تجاه مصر والقائمة علي 'قضم الأطراف' حيث زرع الفتن والنعرات العرقية والطائفية في المحافظات الحدودية علي وجه التحديد، إذن التحدي قائم بل مشتعل وأبناء سيناء وبعد ثورة يناير وسقوط شهداء شأنهم شأن بقية محافظات الوطن يحلمون بخبز وحرية وعدالة اجتماعية فهل سيحقق لهم تيار الإسلام السياسي الذي جاء بقدوم ما أشيع عنه الربيع العربي قوانين وتشريعات تمنحهم الكرامة والحق في تملك الأرض بالأساس؟ أم أن التيار سيعاود الكرة مثله في ذلك مثل من سبقة وكأنه يذعن للخارج دون أن ينصت للداخل وكأنك 'يا أبوزيد ما غزيت' إن التجاهل للحقوق الواجبة والمستحقة يعيدنا لقراءة 'الجرنكا' من جديد علي أرض الواقع فاحذروا نبوءة الفن!!