هناك قيادات معمرة.. مكثت فى سدة الحكم لعقود. لعل أشهرهم «تشانج كاى تشيك» 46 عاما جمهورية الصين، «كيم إيل سونج» 45 عاما كوريا الشمالية، «القذافى» 42 عاما ليبيا، عمر بونجو» 41 عاما الجابون. إنها غريزة المحافظة على البقاء. بيد أن طول مدة القيادة يتحول معه القائد إلى حاكم بأمره ليصبح هو المهيمن على مقاليد السلطة ويتحول الآداء إلى ترهل سياسى فى النهاية. ويبدو أن الرئيس روبرت موجابى رئيس زيمبابوى البالغ من العمر 93 عاما كان يحلم بامتلاك السلطة إلى الأبد. ولكن جاءت النهاية التى لم يكن يتوقعها وهو الذى تشبث بالحكم ووعد بالبقاء فى سدته حتى يناديه الرب وهو ما يعنى أنه طالما ظل على قيد الحياة سيظل ممسكا بدفة القيادة. بيد أن التطورات الأخيرة فى زيمبابوى أطاحت به قبل أن يناديه الرب. وجاءت النهاية بالنسبة له عندما صوت الحزب الحاكم على سحب الثقة منه وقال له بصريح العبارة: ارحل، فاضطر إلى تقديم استقالته منهيا حكما استمر 37 عاما حكم فيه زيمبابوى بقبضة من حديد. تعين على موجابى الرحيل رغم أنه كان يأمل بتمديد فترة حكمه والبقاء فى منصبه حتى العام المقبل موعد اجراء الانتخابات الرئاسية على أمل أن يتم تجديد الثقة به كرئيس للبلاد.وتبدد هذا الأمل بانقلاب مخملى عندما قام الحزب بعزله من منصبه كرئيس له، وبعد أن صوت مجلس النواب الثلاثاء الماضى على عزله لعدم الأهلية وانتهاكه للدستور ونيته فى أن يورث زوجته مقاليد الرئاسة عندما بلغ طموحه الحد الأقصى فى الإنفراد بالسلطة إلى الأبد، فبادر بعزل نائبه» إيمرسون منانغاغوا» من منصبه فى خطوة أراد من ورائها تمهيد الطريق أمام زوجته «جريس» لتصبح رئيسة للبلاد. وجاء هذا رغم العلاقة الحميمة التى كانت تربطه بنائبه الذى تلقى تدريبا عسكريا فى الصين وعاد إلى زيمبابوى ليصبح اليد اليمنى لموجابى. بل وتوثقت العلاقة بينهما عندما سجنا معا فى روديسيا قبل أن يتولى موجابى سدة الحكم. مسكين موجابى، فلقد بات اليوم مسكونا بالحزن واليأس بعد أن أجبر على تقديم استقالته وهو الذى كان يرفض التخلى عن السلطة رغم بلوغه الثالثة والتسعين. تشبث بالسلطة وأبى أن يتخلى عنها. ولما فكر فى التخلى عنها لكبر سنه أراد أن يمنحها هدية لزوجته فكانت القشة التى قصمت ظهر البعير وعجلت هذه الخطوة بالاطاحة به. والآن لم يكن هناك مفر أمام روبرت موجابى إلا أن يستسلم للقدر، فالمشيئة الإلهية هى التى قادت الأمور إلى هذا المنتهى. ومن ثم لا يملك موجابى اليوم إلا أن يتدبر أمره ويبحث لنفسه عن منتجع يقضى فيه بقية حياته. وأمامه أكثر من مكان يمكنه الذهاب إليه طلبا للراحة والاستجمام بعد سبعة وثلاثين عاما أمضاها فى السلطة. هناك المغرب وماليزيا وجنوب افريقيا، وهناك سنغافورة التى كان يذهب إليها فى السنوات الأخيرة من أجل العلاج.لا سيما أنه مطالب اليوم بعلاج نفسه من سعير السلطة فهى داء عضال ما أن يسيطر على المرء حتى يسكنه ليظل قابعا فيه إلى ما لا نهاية ويغيب عنه أن السلطة لا تدوم وأن بقاء الحال من المحال.