يبدو أن كل شىء فى السودان يسير عكس التيار، ويبدو أن قادة أكبر أحزابه لا يقرأون الواقع السياسى ويمتطون أفكارهم نحو «دوقمية» يملؤها العناد تارة والمكايدة السياسية فى أغلب الأحوال. ففى واحدة من غرائب الساسة الكبار فى السودان قيام السيدة مريم الصادق المهدى بارتداء ثوب نشطاء الغرب وادعاء الدفاع عن الحرية وعلى رأسها الحرية فى الانفصال بزعم أن حق تقرير المصير لأبناء جبال النوبة هو أصل من أصول حقوق الإنسان، والحق المزعوم الذى اقتطع به الغرب جنوب السودان عام 2011 كان مضللًا وبتأييد كافة أحزاب المعارضة جاء مخالفًا لجميع قرارات منظمة الوحدة الإفريقية، ومن بعدها الاتحاد الإفريقى بالحفاظ على الحدود وحقوق المياه المكتسبة من قبل الاستقلال. أمريكا والغرب ونشطاء وقادة المعارضة والحكومة السودانية وقادة الحركة الشعبية جميعهم تواطؤا على اقتطاع ثلث السودان الجنوبى ببتروله وثرواته الطبيعية وقذفه إلى هاوية الفشل والخراب ولم تنجح الدولة الوليدة وضاع من السودان فرصة التقدم للجميع لو أحسن استغلال ثرواته النفطية الهائلة. اليوم يخرج نفس السيناريو بإخراج ركيك وتقليدى ومشبوه القائد الجديد للحركة الشعبية قطاع الشمال عبد العزيز الحلو، يطالب بحق تقرير المصير لجبال النوبة بعد إقصاء رئيس الحركة مالك عقار وأمينها العام ياسر عرمان، وعلى الفور تسارع السيدة مريم الصادق نائب رئيس حزب الأمة بالتوقيع على وثيقة الحلو التى تطالب بتقرير المصير، والغريب أن الأمر حدث فى الوقت الذى نجح فيه العرب وتركيا وإيران فى إفشال مخطط تقسيم العراق وسوريا عبر إقامة دولة كردية، كما أفشلت إسبانيا انفصال كتالونيا وقامت بحبس دعاة الانفصال، والأهم أن معظم من ساندوا انفصال جنوب السودان اعترفوا بأن عملهم لم يكن أبدًا لصالح أبناء الجنوب، وأن الحل الأمثل لمشاكل هذه الدولة الآن هو إعادة دمجها مع شمال السودان. والأمر لا يقتصر على السودان، فرغم أن العالم كله يرفض تقسيم الدول هنا فى بلادنا أيضًا من يدعى أن التقسيم هو قمة الحرية وهؤلاء يمتازون بالغباء المركب لأنهم يظنون أن إقامة دولة للنوبة فى السودان سوف تسهم فى إسقاط نظام البشير، والواقع أن إقامة دولة نوبية فى السودان ستكون ظهيرًا لمطالب بعضهم بضم نوبة الجنوب لنوبة الشمال فى إطار الدولة الكبرى التى يطالب بها الغرب مستهدفًا تقسيم مصر. حق تقرير المصير إذن هو حق يراد به باطل، وما حدث فى أسبانيا يبطل كل مزاعم الغرب فى مساندة دعاة الانفصال عفى بلاد العرب فقد وقفت أوربا بكل طوائفها ضد انفصال كتالونيا، فهل نقف نحن ضد اى انفصال فى بلادنا؟.