ماذا يجرى داخل السعودية؟! - ماذا يعنى المرسوم الملكى الجديد الذى أوقف العشرات من الأمراء والوزراء بتهمة الفساد؟
- الفرق الفرعية تبدأ عملها.. وصلاحيات واسعة للجنة ورئيسها فى الوقف والمصادرة والحبس والإحالة للمحاكمة - إجراءات احترازية: المنع من السفر، ومنع الطائرات الخاصة من السفر، والتحفظ على الأموال والأصول فى الداخل والخارج - 11 أميرًا و38 وزيرًا ونائبًا للوزير هى القائمة الأولى المعلن عنها حتى الآن - مراقبون: لا يمكن فصل هذه القرارات عن ثورة التغيير الاجتماعى والاقتصادى والسياسى فى المملكة - الحديث عن صراع السلطة فى المملكة يهدف إلى تأجيج الصراع وسيادة الفوضى والقضاء على كيان الدولة - زيارة الملك سلمان إلى موسكو أقلقت الغرب، والحملات الإعلامية بدأت مبكرًا منذ فترة من الوقت، تشهد المملكة العربية السعودية تطورات هامة، ومثيرة للجدل، خاصة تلك المتعلقة بشئون الحكم فى البلاد. ولا يخفى على أحد أن هناك أطرافًا عديدة تسعى وتعمل على إثارة القلاقل فى المملكة، وتحاول إحداث فوضى فى البلاد قد تؤدى إلى حدوث انهيارات كبيرة، سوف يدفع ثمنها المواطن السعودى قبل الآخرين. إن التطورات التى شهدتها المملكة منذ مساء السبت الماضى، هى الأعنف خلال الآونة الأخيرة، لأن تأثيراتها وتحديدًا الاقتصادية منها، لن تكون مقصورة على المملكة وحدها، وإنما قد تمتد إلى دول أخرى عديدة من بينها مصر، وهو ما اتضح فى هذا الهبوط الكبير فى أسعار الأسهم المصرية فى البورصة المصرية. لقد أصدر الملك سلمان بن عبدالعزيز مرسومًا ملكيًا، تم بمقتضاه توقيف العشرات من الأمراء والوزراء الحاليين والسابقين على ذمة ارتكاب جرائممتعلقة بالفساد والمال العام حسب الإعلان السعودى. إن أبرز النقاط التى تضمنها المرسوم الملكى تنحصر فى الآتى: 1- استغلال النفوذ من قبل بعض ضعاف النفوس -وفق توصيف المرسوم- الذين غلَّبوا مصالحهم الخاصة على المصلحة العامة. 2- الاعتداء على المال العام -دون وازع من دين أو ضمير أو أخلاق أو وطنية- مستغلين نفوذهم والسلطة التى اؤتمنوا عليها فى التطاول على المال العام وإساءة استخدامه واختلاسه. 3- اتهام الموقوفين بالتحايل على القانون والاعتداء على كافة المحرمات. 4- وجود تقصير ممن عملوا فى الأجهزة المعنية بمراقبة الفساد والفاسدين، نتيجة استخدام الموقوفين لنفوذهم والحيلولة دون قيام هذه الأجهزة بمهامها على الوجه الأكمل لكشف هؤلاء، مما حال دون اطلاع ولاة الأمر على حقيقة هذه الجرائم والأفعال المشينة. 5- التأكيد على أن القيادة السعودية حرصت منذ توليها لمهام الحكم فى البلاد على تتبع هذه الأمور، انطلاقًا من مسئوليتها تجاه الوطن والمواطن، مما يعنى أن عمليات التتبع لم تكن وليدة التو أو اللحظة، وإنما امتدت لفترة سابقة وتحديدًا مع وصول الملك سلمان إلى السلطة فى عام 2015. 6- إنه وبمقتضى المسئولية التى أوكلت للملك سلمان واستشعارًا منه لخطورة الفساد وآثاره السيئة على الدولة سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا واجتماعيًا تم التحرك فى مواجهة كل من طالته هذه الاتهامات دون استثناء لأحد كبيرًا كان أم صغيرًا. 7- إن هذا التحرك لا ينطلق فقط من منطلق سياسى وقانونى، وإنما يستند أيضًا إلى منطلق دينى وأخلاقى، حيث استشهد المرسوم الملكى بالآية القرآنية «ولا تبغ الفساد فى الأرض إن الله لا يحب المفسدين»، وحديث الرسول صلوات الله وسلامه عليه )إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها(. 8- ولأن المرسوم الملكى يخاطب شعبًا يقدر علماء الأمة ويستلهم منهم النصيحة، فقد راح يستند إلى ما قرروه فى أوقات سابقة من أن «حرمة المال العام أعظم حرمة من المال الخاص، بل عدوه من كبائر الذنوب»، مستندًا إلى الآية القرآنية )ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل(. 9- أكد المرسوم الملكى على توجه المملكة فى عهدها الجديد إلى ضرورة اجتثاث الفساد من جذوره ومحاسبة الفاسدين، وكل من أضر بالبلاد وتطاول على المال العام دون استثناء. 10- انطلاقًا من هذا الأمر، أصدر الملك قرارًا بتشكيل لجنة عليا برئاسة ولى العهد الأمير محمد بن سلمان وعضوية ممثلين عن الأجهزة الرقابية ومن بينهم، رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ورئيس ديوان المراقبة العامة، والنائب العام، ورئيس جهاز أمن الدولة. 11- فوض الملك سلمان، هذه اللجنة، استثناء من كافة الأنظمة والتنظيمات والتعليمات والأوامر والقرارات بعدة مهام أساسية من بينها: - حصر المخالفات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة فى قضايا الفساد العام، وهو ما اتضح فى وقف عدد من الأشخاص من أصحاب الكيانات الاقتصادية الكبيرة، وفى المقدمة منهم: الوليد بن طلال، ووليد الإبراهيمى، وصالح كامل، وغيرهم. التحقيق وإصدار أوامر القبض، والمنع من السفر وكشف الحسابات والمحافظ وتجميدها، وتتبع الأموال والأصول ومنع نقلها أو تحويلها من قبل الأشخاص والكيانات أيًا كانت صفتها، ولها الحق فى اتخاذ أى إجراءات احترازية تراها حتى تتم إحالتها إلى جهات التحقيق أو الجهات القضائية بحسب الأحوال، وبمقتضى ذلك تحركت الأجهزة المعنية بالفعل لاتخاذ الإجراءات الحاسمة والسريعة التى تحول دون تهريب الأموال أو التحايل على القانون وقرارات اللجنة المعنية، مما يعنى أن نشاط اللجنة لن يقتصر فقط على الأموال والأصول المملوكة لهذه العناصر داخل المملكة، وإنما سيمتد الأمر إلى خارجها، مما سيكون له تأثير كبير على البورصة فى العديد من البلدان. وإذا ما أدركنا أن هناك استثمارات ليست بالقليلة لبعض هؤلاء، خاصة الأمير الوليد بن طلال والشيخ صالح كامل، فهذا يعنى أن التأثير سوف يمتد إلى البورصة المصرية بلا جدال، وهو ما حدث خلال الساعات القليلة الماضية التى أعقبت صدور هذه القرارات. الأمر نفسه ينطبق أيضًا على الشيخ وليد الإبراهيمى، مالك مجموعة M.B.C الإعلامية، فقد وضعت اللجنة يدها منذ إصدار هذا المرسوم على الشبكة التليفزيونية الشهيرة وشكلت لجنة لإدارتها ونقل ملكيتها إلى الدولة، اتساقًا مع المرسوم الملكى. - اتخاذ ما يلزم مع المتورطين فى قضايا الفساد العام واتخاذ ما تراه بحق الأشخاص والكيانات والأموال والأصول الثابتة والمنقولة فى الداخل والخارج وإعادة الأموال للخزينة العامة للدولة، وتسجيل الممتلكات والأصول باسم عقارات الدولة، ولها تقرير ما تراه محققًا للمصلحة العامة، خاصة مع الذين أبدوا تجاوبهم معها، وهو ما بدأ تفعيله مع صدور المرسوم الملكى، حيث جرى تشكيل عدة لجان لحصر الأموال والشركات والأصول المملوكة للموقوفين وتسجيلها باسم الدولة، ووفقًا للمعلومات فإن الحصر الأولى للأموال والممتلكات الخاصة بهؤلاء الأشخاص بلغت قيمتها أكثر من 2 تريليون ريال سعودى، يجرى تحويلها إلى خزينة الدولة فى الوقت الراهن. - للجنة الاستعانة بمن تراه، ولها تشكيل فرق للتحرى والتحقيق وغير ذلك، وله تفويض بعض أو كامل صلاحياتها لهذه الفرق. وهو ما تحقق بالفعل منذ صدور المرسوم، حيث تم تشكيل الفرق التى بدأت ممارسة عملها على الفور، وأوقفت تحويل الأموال إلى الخارج، وأعطت تعليمات للبنوك بوقف الصرف أو التحويل، وبدأت التحقيق مع الأشخاص للوصول إلى المزيد من المعلومات حول الأموال والأصول المملوكة لهم. لقد بلغ عدد الموقوفين من الوزراء والأمراء حتى كتابة هذا التقرير نحو 11 أميرًا و38 وزيرًا ونائبًا للوزير حاليين أو سابقين، من بينهم شخصيات ظلت ملء السمع والبصر حتى ساعات قليلة قبيل إصدار المرسوم الملكى. وفى ضوء ذلك كان هناك قرار بوضع أسماء كافة الموقوفين على قائمة الممنوعين من السفر، بل تم إعادة وزير الاقتصاد والتخطيط عادل فقيه من المطار، كما تم منع الطائرات الخاصة من مغادرة البلاد فى الوقت الراهن. وتتضمن الاتهامات الموجهة إلى الموقوفين، الاعتداء على المال العام، وغسيل الأموال، والرشاوى -كما هو حادث فى قضية صفقة أسلحة اليمامة الشهيرة- وتجاوزات ملف سيولجدة والتحقيق فى قضية وباء «كورونا» وغير ذلك من القضايا الهامة والخطيرة.وفقًا للمعلومات، فقد تم احتجاز كافة هذه الشخصيات فى داخل أحد الفنادق لشهيرة فى الرياض، لاتخاذ إجراءات التحقيق معها، وإصدار القرارات المتعلقة بنتائج التحقيقات. وتتوقع المصادر اتخاذ إجراءات حاسمة ضد كل من يثبت تورطه فى هذه الاتهامات، خاصة أن اللجنة لديها صلاحية الحبس والمصادرة والإحالة للمحاكمة، ولذلك لا يتوجب الحكم مبكرًا بتوجيه الإدانة لأى من المتهمين، باعتبار أن اللجنة المكلفة لم تنته من أعمالها بعد ولم تصدر قراراتها بالإحالة وصدور الأحكام. إن أى متابع للأحداث فى المملكة يتوقف أمام عدد من الأمور الهامة: - أن هناك تغييرات جذرية ودراماتيكية تشهدها المملكة العربية السعودية فى الوقت الراهن تطال كافة مناحى الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتحديدًا منذ تولى الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد فى البلاد. - أن القرارات المتعلقة بالتغييرات الاجتماعية، حق المرأة فى قيادت السيارات وممارسة الرياضة فى النوادى وغيرها، لا يمكن فصلها عن السياق العام الذى يهدف إلى تحديث المملكة والخروج عن النمط المألوف، الذى كان يعطى المرجعية الأساس فى مثل هذه القرارات لجماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر التى تضاءل نفوذها وسطوتها فى الوقت الراهن. - أن التخلى عن سياسة الاعتماد على «النفط»، فقط بدأت ملامحها تتجسد فى استراتيجية 2030 التى تبناها الأمير محمد بن سلمان وسعى إلى تسويقها جماهيرًا ودوليًا، وهى الاستراتيجية التى أعلنت عن بناء مدن اقتصادية وترفيهية وسياحية وإعادة هيكلة القطاعات الحكومية وخطط الخصخصة وتبنى المشروعات الإنتاجية العملاقة، وإدارة السياسة النفطية بفاعلية تحقق العائد المنتظر، وهو ما ساعد على استقرار أسعار النفط خلال الآونة الأخيرة. - أن القرارات الأخيرة، تعنى أننا أمام شكل جديد للحكم فى البلاد، أو هى بمثابة ثورة داخلية، تعنى أننا أمام واقع جديد، بغض النظر عن توصيفه من قبل البعض، هذا الواقع قد يغضب البعض، لكنه بالتأكيد يستنهض فئات اجتماعية جديدة فى المملكة، لم تكن طرفًا فى صناعة القرار فى أوقات سابقة، وهذه الفئات سوف تدعم بالتأكيد هذا التوجه الجديد فى صورته العامة. - أن الحديث عن صراع فى السلطة داخل الأسرة سوف يكون مادة يومية فى وسائل الإعلام الأجنبية والمعادية تحديدًا، ليس بهدف الحرص على الاستقرار، وإنما بهدف تأجيج الصراع، خاصة أن المملكة تواجه حاليًا حربًا شرسة من قبل العديد من الجهات والمنظمات الدولية، بهدف إثارة الفوضى على أراضيها،وتقويض كيان الدولة، خاصة أن جهات عديد يقلقها هذا التوجه الداخلى، ويرون أن الفرصة باتت سانحة للتحريض ضد المملكة، وتأجيج الصراعات داخل الأسرة الحاكمة. - من الواضح أن التغييرات السياسية التى شهدتها المملكة فى الفترة الماضية، والتى ثبتت من مواقف الأمير محمد بن سلمان، ودعمت نفوذه داخل السلطة، سوف يكون لها تأثيرها الإيجابى فى إطار صلاحياته الموسعة داخل اللجنة العليا التى عهد إليها بمكافحة الفساد واتخاذ الإجراءات القانونية فى الوقف والمصادرة والحبس والإحالة للمحاكمة. - أن هذا التوجه الجذرى على صعيد الداخل، لا يمكن فصله عن التوجه الجديد للسياسة الخارجية السعودية باتجاه الشرق، وبما يحقق التوازن فى هذه العلاقة بما يخدم مصالح المملكة، وفى هذا تجب الإشارة إلى زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى موسكو وما تعنيه من دلالات، فى مواجهة السياسة الأمريكية المتعجرفة تجاه المملكة، والتى كان آخرها الوقوف خلف القرارات التى تحمل التحالف العربى والمملكة فى القلب منه المسئولية عن موت مئات الأطفال فى اليمن، دون النظر إلى تقرير منظمة حقوق الإنسان اليمنية، التى حملت الحوثيين المسئولين عن كثير من هذه الأحداث، ناهيك عن قانون «جاستا» وغيره من المواقف والقرارات التى اعتبرتها المملكة معادية لها، وتهدف إلى ابزازها ومحاولة النيل من توجهاتها. - من الواضح أن هناك دعمًا خليجيًا لهذه القرارات، ظهر ذلك فى البيانات الأولى التى صدرت عن الإمارات والبحرين، والاتصالات التى جرت بين عدد من القادة العرب والأمير محمد بن سلمان، والتى أكدوا خلالها دعمهم للمملكة فى حرصها على أمنها واستقرارها. بقى القول أخيرًا: إن مملكة اليوم هى غير مملكة الأمس، وأن الواقع غير الواقع، والتوجهات التى ظلت تحكم المملكة لعقود طويلة من الزمن لم تعد هى الحاكمة الآن، ومن الواضح أن القطار قد انطلق بسرعة فائقة للوصول إلى آخر محطاته فى وقت أقرب مما يظن الكثيرون!!