صار صوت الرعد ومشهد البرق كبركان أشعل حرائق كبري وأضحي هدير المطر كقطرات دم تتساقط من السماء فتغرق الأرض باللون الأحمر الدامي. إنها الكوابيس التي تطاردني في صحوي ومنامي. إنها الكوابيس في الأحلام وفي الواقع والتي تأبي أن تنتهي.. تسألني عن الوطن..؟! أليس الوطن قوانين تحترمني ونظامًا يصون كرامتي وحقوقي ؟ أليس الوطن أرضًا تحتوي ميلادي وطفولتي وشبابي وأحلامي وتحنو علي شيخوختي وتحتضن في نهايتي موتي وتضم جسدي ؟ أليس الوطن سكنًا آوي إليه بهمي وجرحي وأحنُّ إليه من بلاد غربتي، ألم يكن الوطن يومًا في زمن لم أعاصره هو البلسم الذي يداوي جراح الحياة ووجعها .. من في مصر الآن يشعر بأنه يعيش في وطن ؟ وطني الذي لم يعد ملكًا لي ولا لأمثالي ممن حلموا أن يزرعوا أرضه ويخصبوا وديانه ويعمروا صحراءه، ممن بذلوا فيه الهوي والعشق فصاروا علي أعتابه ضحايا جنون حب وشهداء شوق .. وطني الذي طرد عشاقه إلي خارج جسده فصار جسدًا بلا رأس ولا قلب.. العالم يعج حولي بمئات بل آلاف التفاصيل التي تنتهكني وتستبيح كرامتي وإنسانيتي، عشرات الحروب ضدي وضد البشرية وأنا فيها أكبر في همي وعمري حتي أصابتني الشيخوخة وعبَّأني الوجع .. مثلي مثل كل الناس حولي الذين لا حب لهم أكبر من حب الوطن، ولا حيلة لهم غير الصمت .. الفُرجة في صمت .. الوجع في صمت .. الموت في صمت .. لقد كان هذا حالنا جميعاً..ولكن..في مثل هذا اليوم صرخنا: " نحن مازلنا علي قيد الحياة..مازال وطننا هو مصر..ولازلنا أصحاب هذا الوطن"..كل ذكري يناير وأنتم فيها بألف خير وعدل وحرية..