أيام قليلة تفصلنا عن العام الدراسي الجديد، الذى يبدأ معه عشرات الالاف من طلاب المدارس والجامعات ومعهم أولياء الامور رحلة جديدة من المعاناة. بداية العام الدراسي على مانتذكرها منذ سنوات بعيدة كانت عيدا لنا، فقد كانت أغلب المدارس حكومية، والمصروفات زهيدة، والزى المدرسي لم يكن مكلفا كما هو الآن، وكذلك الأدوات المدرسية، ولم تكن مشكلة الدروس الخصوصية قد استفحلت، وأصبحت كالكابوس الذى يؤرق أولياء الامور ويستنزف جزءا كبيرا من ميزانية الاسرة. اليوم أصبح موسم الدخول للمدارس يرهق الغني والفقير على حد سواء، فالمدارس الدولية التى يرتادها أبناء الطبقة الميسورة تضاعفت ارقام مصروفاتها، وبلغت ارقاما تبدو خيالية، بعد ان تخطت المائة الف جنيه لطالب مرحلة رياض الاطفال، فى بعض المدارس، أما المدارس الخاصة التى تتفاوت فى مصروفاتها ويرتادها أبناء الطبقة المتوسطة، فحدث ولاحرج، عما أصابها من فوضي وزيادات عشوائية فى المصروفات والاتوبيسات والزى المدرسي، دون التزام بنسب الزيادة التى أقرتها وزارة التربية والتعليم. المدارس الحكومية هى الاخرى دخلت فى سباق «البيزنس» فإذا كانت مصروفاتها تحكمها القوانين الملزمة لتطبيق مجانية التعليم، فان سوقا آخر قد شرع ابوابه على مصاريعها، وهو سوق الزى المدرسي، حيث يتم التعامل مع «ترزى» داخل المدرسة، تم التعاقد معه لتوريد الكميات اللازمة، وعلى اولياء الامور «الغلابة» ان يدفعوا لشراء الزى الذى يتجاوز سعر القطعة الواحدة منه اجمالي المصروفات المدرسية. أما عن الادوات المدرسية من كراسات واقلام وشنط وخلافه، فقد تضاعفت الاسعار بشكل مبالغ فيه، وحسبما كشفت شعبة الادوات المدرسة، فان السوق شهد ارتفاعا كبيرا فى الأسعار تخطى 200 ٪ بسبب تحرير سعر الصرف وإقرار ضريبة القيمة المضافة، خاصة وان كثيرا من هذه المنتجات يتم استيراده من الخارج، حيث بلغ سعر الشنطة المدرسية من الماركات الى 700واكثر لبعض الماركات الشهيرة، أما الشنط متوسطة السعر فتبلغ 300جنيه، ولاتقل الشنطة باى حال من الاحوال عن 100جنيه، لمحلية الصنع منها، فى حين بلغ سعر الكشكول 20جنيها، فى الوقت الذى يطلب فيه المدرسون من الطلاب شراء انواع معينة ترتفع اسعارها عن هذا السعر كثيرا. مراكز الدروس الخصوصية شمرت ايضا عن ساعديها واعلنت عن بدء العام الدراسي منذ منتصف شهر اغسطس، وبدأ طلاب الثانوية العامة يتوافدون على قاعات الدرس قبل بدء العام الدراسي بشهر كامل، كما يحدث كل عام، ولكن الجديد هذا العام أن الشهادة الاعدادية دخلت هى الاخري الماراثون، وبدأت الدروس الخصوصية بالتزامن مع طلاب الثانوية العامة، وعلى ولي الامر الدفع، ليس الا، مرغما ومضطرا، فالامر يتعلق بالابناء ومستقبلهم التعليمي، ولايمكن ان يجازف أحد بهذا .. واذا تركنا المدارس جانبا ونظرنا الى الجامعات، فسنجد أن تجارة من نوع آخر بدأت فى الرواج منذ سنوات، الا وهى سبوبة الجامعات الخاصة، التى ساعد على انتشارها تغير ثقافة المجتمع فى النظرة الى هذه الجامعات، التى أصبحت السبيل والبديل الآمن لتحقيق احلام بعض الطلاب واولياء امورهم، فمن لم يمكنه مجموعه بالرغم من ارتفاعه، من الالتحاق بكليات القمة، يستطيع بكل سهولة ان يحصل على اللقب الذى يتمناه من خلال الالتحاق باحدى كليات القمة فى هذه الجامعات. بيزنس الجامعات الخاصة اصبح رائجا، وبمجرد نظرة سريعة على الاعداد الكبيرة التى تتدفق على هذه الجامعات، يمكن التعرف على حجم الاموال الطائلة التى تدخل فى جيوب اصحابها، والذين يغالون فى اسعار المصروفات عاما بعد عام، دون رقابة حقيقية. التعليم هو عماد اى أمة وعصب الحياة فيها، وعليه فان الاهتمام بالتعليم، هوبداية لاصلاح الخلل الواضح فى المجتمع، ولحل كثير من مشكلاتنا..وبالتالي لابد من وضع خطة تكون بداية لرحلة الالف ميل فى الاصلاح التعليمي، اذا كنا نريد لهذه الامة ان تتقدم وتنهض.