يمر بنا هذا اليوم الثلاثاء الموافق 12 من شهر سبتمبر وهو الذكرى 24 على رحيل الفنان والموسيقار المصري بليغ حمدي الذي توفى في 12 سبتمبر من عام 1993 بباريس بعد صراع مع المرض بعد أن ترك لنا خلال سنوات عمره القصيرة أعمالا موسيقية خالدة ساهمت في إثراء الموسيقى المصرية والعربية من خلال إنتاج وافر ومتميز للعديد من الألحان لكبار المطربين بما لم يعطيه ملحن من قبل . ولد الفنان والملحن القدير بليغ حمدي بحي شبرا بالقاهرة في 7 أكتوبر 1931 وخلال طفولته تميز في مراحلها الأولى بموهبة فنية وموسيقية فذة حتى تتلمذ على أيدي كبار العازفين ثم درس الحقوق ولكنه لم ينسى موهبته الفذة حتى درس الموسيقى بمعهد فؤاد الأول " معهد الموسيقى العربية الآن ، وقد بدأ حياته مغنيا بالإذاعة المصرية ثم اتجه إلى التلحين وبدأ بأغنية ليه لأ وأغنية فاتني ليه لفايدة كامل ، ثم أغنية متحبنيش بالشكل ده لفايزة أحمد ، وفي عام 1957 بدأ مشواره التلحيني المتميز مع الفنان عبد الحليم حافظ بأغنية تخنوه .
خلال المشوار المشرف والمضيء للموسيقار الراحل بليغ حمدي تمكن من تلحين العديد والعديد من الأغاني الرومانسية والوطنية الحماسية والدينية وأغاني الأطفال ، وجاءت ألحانه وموتيفاته أصيلة ومستمدة من التراث الحضاري والتراث الشعبي المصري الأصيل لذلك جاءت الألحان معبرة عن وجدان الشعب المصري بكل آماله وأحلامه وطموحاته ومعبرة عن عاداته وتقاليده وموروثه الثقافي الضارب في القدم ، ولهذا فقد تربعت ألحانه داخل القلوب ليس بسبب جمالها وقدرتها الشاعرية والتعبيرية فحسب بل جاءت بسبب قدرتها الخلاقة والنافذة والمعبرة عن خلجات النفس الإنسانية بعامة وبسبب سموها برغم بساطتها والتزامها الفني والموسيقي في نفس الوقت وبسبب براعته وموهبته الفذة في تطويع الألحان للمطربين واستخدام المقامات الموسيقية العربية منها والغربية وإدخاله العديد من الآلات الغربية مع التزامه بآلات التخت العربي الأصيل عبر ألحانه ومقدمات الأغاني الخالدة التي غناها كبار الملحنين لتمثل بعد إخراجها الفني سيمفونيات خالدة لا تقل في جمالها وتوزيعها وجمال ألحانها عن كبار مؤلفي الموسيقى العالمية حتى غنى له الكثير من أشهر مطربي ومطربات عالم الغناء بمصر والعالم العربي خلال العصر الذهبي حتى انتشرت أعماله الفنية التي دخلت القلوب عندما ردد صداها في مصر والعالم العربي خلال ما تعرض له الوطن العربي من محن خلال النصف الثاني من القرن الماضي ، ووصلت ألحانه العالمية عندما وظف موهبته وإمكاناته لكل المطربين الذين غنوا له ومنهم فايدة كامل ، والفنانة شادية وصولا إلى العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ ثم بلوغه قمة الهرم بمصر عندما كان له الشرف في تقديم ألحانه الخالدة لسيدة الغناء العربي السيدة أم كلثوم التي اختارته بقدرتها من جيل الملحنين الشبان ليبدأ مشواره التلحيني ليجدد معها مسيرتها الفنية من خلال الروائع التي لحنها لها ومنها أغنية حب إيه عام 1960 ثم أنساك ، ظلمنا الحب عام 1962 ، وكل ليلة وكل يوم 1963 ، سيرة الحب 1964 ، الحب كله ثم أغنية ألف ليلة ومؤخرا أغنية حكم علينا الهوى 1973 وهي أخر ما غنت الراحلة أم كلثوم .
لقد قام الراحل بليغ حمدي بتلحين جميع الألوان الفنية فمن الرومانسية والشعبية إلى الأغنية الوطنية إلى تلحين القصائد والابتهالات الدينية ومنها وعلى سبيل المثال مجموعته الخالدة للشيخ النقشبندي ومنها مولاي وغيرها إلى أغاني الأطفال ومقدمات المسلسلات والبرامج الإذاعية الخالدة إلى مشواره الخالد مع عبد الحليم حافظ إلى رحلته الخالدة مع الفنانة وردة التي تزوجها عام 1972 وقدم لها الكثير من الألحان الخالدة ، إلى رحلته الفنية مع فايدة كامل إلى شادية عبد المطلب والعزبي وشهرزاد وصباح وصولا إلى محطة هامة في حياته الفنية التي أسعد بها المصريين مع الراحل محمد رشدي ومنها أغنية على الرملة ، وطاير ياهوى ، عدوية ، ثم الفنانة سميرة سعيد وميادة الحناوي وعزيزة جلال وهاني شاكر وعلي الحجار وعفاف راضي وغيرها من أشهر الفنانين والعرب ووصولا إلى تلحينه أغنية سالمة يا سلامة ، وحلوة يا بلدي للمغنية الراحلة داليدا ، كما قدم العديد من الألحان للمسرح الغنائي والأوبرتات فقدم موسيقى الكثير من المسرحيات كما قدم العديد من الألحان للسينما والمسرح والتليفزيون المصري لارتباطه بالدراما المصرية حيث استلهم الكثير من موتيفاته وموسيقاه من الفلكلور المصري وارتباطه بالأبنودي والمغني الراحل محمد رشدي حتى يتمكن من التربع على القلوب .
لقد كان الموسيقار بليغ حمدي فنانا مصريا خالصا وأصيلا وتمكن بموهبته الفذة من التعبير عن خلجات المصريين ومواقف حياتهم من المهد إلى اللحد من خلال هضمه لنبضات وحياة المصريين وكان وطنيا ومحبا لبلده ، فمن ينسى أغنية عدى النهار لعبد الحليم وعلى الربابة بغني لوردة ، وعبرنا الهزيمة وباسم الله وعاش اللي قال للرجال ، من ينسى من أغنية شادية التي يتغني بها الأجيال وهي أغنية يا حبيبتي يا مصر وغيرها من الأغاني المرتبطة بكل شبر من أرض الوطن ، ولهذا فإن هذا الفنان لن ينسى من ذاكرة المصريين والعرب أيضا وسيظل بموسيقاه عبقريا خالدا بما ترك لمصر من إرث موسيقي ينبض بأسمى آيات القيم والحث والمشاعر أنار بها صفحات الموسيقى المصرية والعربية حتى سموه الموسيقيين وعن جدارة بملك الموسيقى أو بلبل الموسيقى المصرية والعربية .