منذ 25 أغسطس الماضي وما يزال مسلمو الروهينجا في بورما يعانون من عمليات تعذيب وتصفية وإبادة جماعية علي يد البوذيين في مسلسل مستمر من قديم حيث أشارت إحصائيات المجلس الأوروبي للروهينجا الصادرة في 28 أغسطس - أي بعد 3 أيام فقط من عمليات الإبادة – أعلن مقتل الفين الي ثلاثة آلاف مسلم بسبب هجمات لجيش ميانمار . كما أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فرار 123 ألفا من الروهينجا خلال 10 أيام من أراكان إلى بنغلاديش بسبب الانتهاكات الأخيرة بحقهم. فيما ذكرت مصادر بالأمم المتحدة أن عدد الفارين وصل إلي نحو 146 ألف من الروهينجا إلي بنجلاديش وعمدت قيادات ميانمار لزرع الألغام منعاً لعودة مسلمي الروهينجا مرة أخري وبذلك يرتفع عدد الفارين منذ أكتوبر الماضي إلي 233 ألفاً كما يقدر عدد لاجئي الروهينجا في بنجلاديش وحدها بنحو 200 إلي 400 ألف شخص وفي تايلاند حوالي 20 ألف لاجئ . وأعلن الامين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريس" عن انزعاجه الشديد لما يحدث في ميانمار، مشيرا إلى أنه أبلغ مجلس الأمن رسميا بمقترحات لإنهاء العنف في إقليم أراكان ، كما حذر في تصريحات للصحفيين بمقر المنظمة بنيويورك من مخاطر تطهير عرقي وقال إنه يأمل ألا تصل الأمور إلى هذا الحد.
مظاهر التمييز العرقي ضد الروهينجا بعد استقلال بورما عن بريطانيا رفضت الحكومة الاعتراف بالروهينجا كعرقية رسمية فبدأت في الستينات حملة عسكرية من أقلية الروهينجا إلا أن الجيش قضي عليها ورفضت الحكومة في عام 1982 منح الجنسية للروهينجا واعتبرتهم مهاجرين غير شرعيين وغير مسموح لهم باستخدام أسماء اسلامية أو ارتداء زي إسلامي أو إطلاق اللحي كما يفرض عليهم سن محدد للزواج وغير مسموح لهم بالإنجاب لأكثر من طفلين وأكثر من طفلين يوضع علي القائمة السوداء بلا أي حقوق ولا يسمح لهم باستضافة أقاربهم أو ذويهم والعقوبة تكون بهدم البيت كاملاً أو الطرد ، كما يحرمون من التعليم الجامعي ومن يتعلم في الخارج يواجه السجن حين عودته ، ولا يسمح لهم بالسفر إلا بتصريح خاص ، كما يواجهون تمييزاً واضحاً لاسيما في العمل فيفضل البوذيون علي المسلمين في تقلد الوظائف وغير مسموح لهم بدخول الجيش ويجبرون علي تقديم الأرز والدواجن والماشية ومواد البناء للجنود بالمجان ويتم إجبارهم علي العمل القسري دون مقابل ولا يسمح لهم بالزواج إلا بتصريح من الحكومة وتصل عقوبة الزواج بغير إذن للسجن 10 سنوات ناهيك عن جرائم التصفية والتعذيب ونهب الممتلكات وحرق وتدمير دور العبادة . وقد فر من مسلمي الروهينجا علي مدار السنوات الماضية ما يقرب من 111 ألف شخص أصبحوا لاجئين في تسع مخيمات علي طول الحدود مع تايلاند بحلاف من ماتوا أثناء محاولتهم الفرار عبر البحر . وأبرزت آخر إحصائية صدرت عام 2016 تراجعاً ملحوظاً لأعداد المسلمين في بورما حيث قدر عددهم بمليون و147 ألف نسمة من مجموع 51.5 مليون نسمة التعداد الكلي للسكان . وقد وقع أول اضطهاد للمسلمين لأسباب دينية في عهد الملك باينتوانج 1550 - 1589 م ، فبعد أن استولى على باجو في 1559 حظر ممارسة الذبح الحلال للدجاج والمواشي بسبب التعصب الديني ، وأجبر بعض الرعايا للاستماع إلى الخطب والمواعظ البوذية لتغيير دينهم بالقوة ، ومنع أيضا عيد الأضحى وذبح الأضاحي من الماشية. وتبدأ قصة مسلمي الروهينجا عام 1784م حيث احتُلت أراكان من قِبَل الملك البوذي " بوداباي " الذي قام بضم الإقليم إلى ميانمار خوفاً من انتشار الإسلام في المنطقة ، واستمر البوذيون البورميون في اضطهاد المسلمين ونهب خيراتهم وتشجيع البوذيين الماغ " أصل هندي "على ذلك. وفي عام " 1824 م " احتلت بريطانيا ميانمار، وضمّتها إلى حكومة الهند البريطانية الاستعمارية ، وفي عام " 1937 م" جعلت بريطانيا ميانمار مع أراكان مستعمرة مستقلة عن حكومة الهند البريطانية الاستعمارية كباقي مستعمراتها في الإمبراطورية آنذاك ، وعُرفت بحكومة ميانمار البريطانية. وشهد عام 1930 أعمال شغب وصدام بين الهنود ومنهم مسلمين والبورميين بعد ان أضرب العمال الهنود فاستعانت الشركة البريطانية للتفريغ والشحن بعمال بورميين ومن هنا بدأ الصدام بين الهنود ومن ضمنهم مسلمين والعمال البورميين وحدثت عمليات قتل وذبح لما لا يقل عن 200 هندي وقذفت جثثهم في النهر ثم امتد الشغب لكافة أنحاء البلاد في 26 مايو من نفس العام وانتشرت عمليات القتل والذبح بشكل كبير . وحدثت موجة أخري من العداء الشديد للمسلمين في عام 1938 حيث كانت بورما تحت الاحتلال البريطاني انتهت بأعمال شغب راح ضحيتها الكثيرون وبدأت حملة بورما للبورميين فقط فنهبت متاجر المسلمين ومنازلهم ودمرت المساجد وأحرقت بالكامل حيث تم إحراق 113 مسجدا وتعرض المسلمون لحملة من التعذيب والتصفية والذبح وعين الحاكم البريطاني لجنة تحقيق في 22 سبتمبر من نفس العام وخلص تقريرها الي أن سبب الشغب هو تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وتحول الصراع بدلا من البحث عن التحرر لاضطهاد الأقلية المسلمة . واجه المسلمون الاستعمار الإنجليزي بقوة مما جعل بريطانيا تخشاهم ، فبدأت حملتها للتخلّص من نفوذ المسلمين فعَمَدَتْ على تحريض البوذيين ضد المسلمين ، وأمدّتهم بالسلاح حتى أوقعوا بالمسلمين مذبحةً عام 1942 م فتكوا خلالها بحوالي مائة ألف مسلم في أراكان ! وفي عام 1948م منحت بريطانيا الاستقلال لميانمار شريطة أن تمنح لكل العرقيات الاستقلال عنها بعد عشر سنوات إذا رغبت في ذلك ، ولكن ما أن حصلوا على الاستقلال حتى نقضوا عهودهم ، واستمروا في احتلال أراكان بدون رغبة سكانها من المسلمين " الروهنجيا " والبوذيين" الماغ " أيضاً ، وقاموا بأبشع الممارسات ضد المسلمين. ولم تتغير أحوال المسلمين الروهنجيا ، بعد الانتخابات التي جرت في نوفمبر 2010 م ، واستمر تهجير المسلمين من أراكان وقد نجحت هذه الممارسات في تهجير 3 إلي 4 مليون مسلم حتى الآن ومئات آلاف القتلى. ومع وصول الجنرال ني وين للسلطة عام 1963 عاني المسلمون في بورما الكثير لاسيما بعدا اعتماد البوذية الدين الرسمي للدولة وبدأ تجريم ذبح الماشية لا سيما في عيد الأضحي ووصف المسلمون بأنهم قاتلو البقر وتم إطلاق وصف " كالا" أي الأسود للتعبير عن المسلمين كنوع من العنصرية الموجهة ضدهم . وقد كان لتدمير طالبان لتماثيل بوذا في باميان بأفغانستان أثره الكبير في موجة العنف التي وجهها الرهبان البوذيون ضد المسلمين في بورما فبدأت حملات لتدمير وحرق المساجد والسلب والنهب والاغتصاب والقتل علي الهوية ضد الأقلية المسلمة بشكل خاص وشهدت أعوام 1942 و1997 و 2001 و2012 أعنف مواجهات في هذا الإطار ففي عام 1942 وحده شنت الحكومة البورمية حملة إبادة جماعية راح ضحيتها أكثر من 100 ألف مسلم . وبورما هي إحدى دول شرق آسيا وتقع على امتداد خليج البنغال تحدها من الشمال الشرقي الصين ، والهند وبنجلاديش من الشمال الغربي أما حدودها الجنوبية فسواحل تطل على خليج البنغال والمحيط الهندي ويمتد ذراع من بورما نحو الجنوب الشرقي في شبه جزيرة الملايو احتلتها بريطانيا في نهاية القرن التاسع عشر وحتى استقلالها في 1948 وتعد مدينة " رانجون " أكبر مدنها كما كانت العاصمة السابقة للبلاد.