5 دول لن تشهد انتخابات مجلس الشيوخ.. سوريا والسودان وإسرائيل أبرزهم    محافظ القليوبية يتابع أعمال النظافة ورفع الإشغالات بالخصوص    الرئيس الإيراني يبدأ زيارة رسمية إلى باكستان السبت لتعزيز التعاون الثنائي    ملك المغرب يعطي تعليماته من أجل إرسال مساعدة إنسانية عاجلة لفائدة الشعب الفلسطيني    الرئاسة الفلسطينية: مصر لم تقصر في دعم شعبنا.. والرئيس السيسي لم يتوان لحظة عن أي موقف نطلبه    فرنسا تطالب بوقف أنشطة "مؤسسة غزة الإنسانية" بسبب "شبهات تمويل غير مشروع"    القوات الأوكرانية خسرت 7.5 آلاف عسكري في تشاسوف يار    البرلمان اللبناني يصادق على قانوني إصلاح المصارف واستقلالية القضاء    تقرير: مانشستر يونايتد مهتم بضم دوناروما حارس مرمى باريس سان جيرمان    عدي الدباغ معروض على الزمالك.. وإدارة الكرة تدرس الموقف    خالد الغندور يوجه رسالة بشأن زيزو ورمضان صبحي    راديو كتالونيا: ميسي سيجدد عقده مع إنتر ميامي حتى 2028    أبرزهم آرنولد.. ريال مدريد يعزز صفوفه بعدة صفقات جديدة في صيف 2025    مصر تتأهل لنهائي بطولة العالم لناشئي وناشئات الإسكواش بعد اكتساح إنجلترا    جنوب سيناء تكرم 107 متفوقين في التعليم والرياضة وتؤكد دعمها للنوابغ والمنح الجامعية    تحقيقات موسعة مع متهم طعن زوجته داخل محكمة الدخيلة بسبب قضية خلع والنيابة تطلب التحريات    محافظ القاهرة يقود حملة لرفع الإشغالات بميدان الإسماعيلية بمصر الجديدة    نيابة البحيرة تقرر عرض جثة طفلة توفيت فى عملية جراحية برشيد على الطب الشرعى    مراسل "الحياة اليوم": استمرار الاستعدادات الخاصة بحفل الهضبة عمرو دياب بالعلمين    مكتبة الإسكندرية تُطلق فعاليات مهرجان الصيف الدولي في دورته 22 الخميس المقبل    ضياء رشوان: تظاهرات "الحركة الإسلامية" بتل أبيب ضد مصر كشفت نواياهم    محسن جابر يشارك في فعاليات مهرجان جرش ال 39 ويشيد بحفاوة استقبال الوفد المصري    أسامة كمال عن المظاهرات ضد مصر فى تل أبيب: يُطلق عليهم "متآمر واهبل"    نائب محافظ سوهاج يُكرم حفظة القرآن من ذوي الهمم برحلات عمرة    أمين الفتوى يحذر من تخويف الأبناء ليقوموا الصلاة.. فيديو    ما كفارة عدم القدرة على الوفاء بالنذر؟ أمين الفتوى يجيب    القولون العصبي- إليك مهدئاته الطبيعية    جامعة أسيوط تطلق فعاليات اليوم العلمي الأول لوحدة طب المسنين وأمراض الشيخوخة    «بطولة عبدالقادر!».. حقيقة عقد صفقة تبادلية بين الأهلي وبيراميدز    النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بعدد من مدارس التعليم الفني ب الشرقية (الأماكن)    لتسهيل نقل الخبرات والمهارات بين العاملين.. جامعة بنها تفتتح فعاليات دورة إعداد المدربين    محقق الأهداف غير الرحيم.. تعرف على أكبر نقاط القوة والضعف ل برج الجدي    وزير العمل يُجري زيارة مفاجئة لمكتبي الضبعة والعلمين في مطروح (تفاصيل)    هيئة الدواء المصرية توقّع مذكرة تفاهم مع الوكالة الوطنية للمراقبة الصحية البرازيلية    قتل ابنه الصغير بمساعدة الكبير ومفاجآت في شهادة الأم والابنة.. تفاصيل أغرب حكم للجنايات المستأنفة ضد مزارع ونجله    الشيخ خالد الجندي: الحر الشديد فرصة لدخول الجنة (فيديو)    عالم بالأوقاف: الأب الذي يرفض الشرع ويُصر على قائمة المنقولات «آثم»    تمهيدا لدخولها الخدمة.. تعليمات بسرعة الانتهاء من مشروع محطة رفع صرف صحي الرغامة البلد في أسوان    ليستوعب 190 سيارة سيرفيس.. الانتهاء من إنشاء مجمع مواقف كوم أمبو في أسوان    تعاون مصري - سعودي لتطوير وتحديث مركز أبحاث الجهد الفائق «EHVRC»    كبدك في خطر- إهمال علاج هذا المرض يصيبه بالأورام    محافظ سوهاج يشهد تكريم أوائل الشهادات والحاصلين على المراكز الأولى عالميا    الوطنية للصلب تحصل على موافقة لإقامة مشروع لإنتاج البيليت بطاقة 1.5 مليون طن سنويا    وزير البترول يبحث مع "السويدى إليكتريك" مستجدات مجمع الصناعات الفوسفاتية بالعين السخنة    هشام يكن: انضمام محمد إسماعيل للزمالك إضافة قوية    ضبط طفل قاد سيارة ميكروباص بالشرقية    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية خلال 15 يوماً    انطلاق المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل من محافظة مطروح    SN أوتوموتيف تطلق السيارة ڤويا Free الفاخرة الجديدة في مصر.. أسعار ومواصفات    خبير علاقات دولية: دعوات التظاهر ضد مصر فى تل أبيب "عبث سياسي" يضر بالقضية الفلسطينية    بدء الدورة ال17 من الملتقى الدولي للتعليم العالي"اديوجيت 2025" الأحد المقبل    يديعوت أحرونوت: نتنياهو وعد بن غفير بتهجير الفلسطينيين من غزة في حال عدم التوصل لصفقة مع الفصائل الفلسطينية    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل برنامج التصميم الداخلي الإيكولوجي ب "فنون تطبيقية" حلوان    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    طارق الشناوي: لطفي لبيب لم يكن مجرد ممثل موهوب بل إنسان وطني قاتل على الجبهة.. فيديو    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    فوضى في العرض الخاص لفيلم "روكي الغلابة".. والمنظم يتجاهل الصحفيين ويختار المواقع حسب أهوائه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المستشار لبيب حليم لبيب يكتب ل"الأسبوع".. شهادة للتاريخ حول تيران وصنافير

درست القانون الدولى العام على يد أستاذ فاضل، هو الدكتور حامد سلطان، الذى تولى كرسى القانون الدولى بكلية الحقوق. جامعة القاهرة خلفًا للدكتور محمود سامى جنيبة، وقد زاول الدكتور حامد سلطان مهنة التدريس مدة تزيد على ربع قرن من الزمان، وخلال هذه المدة عهدت إليه مختلف الحكومات -التى تولت زمام الحكم فى مصر- الكثير من المهام فى نطاق العلاقات القانونية الدولية، ونهض خلالها بمسئوليات القضاء الدولى عندما انتخبته الجمعية العامة للأمم المتحدة على أساس شخصى قاضيًا بمحكمة القضاء الإدارى للأمم المتحدة، وعين عضوًا بمجلس الغنائم بالإسكندرية منذ إنشائه، كما تولى سيادته الدفاع عن حقوق بعض الدول العربية أمام محاكم التحكيم، واشترك مع نخبة من زملائه فى تأسيس الجمعية المصرية للقانون الدولى، وهى الجمعية التى تصدر المجلة المصرية للقانون الدولى، التى تعد أولى المجلات الدولية فى الشرق الأوسط كله..
والحقيقة أن كافة الأعمال التى قام الدكتور حامد سلطان بأدائها طيلة هذه السنين -فى النطاق الدولى- كان لها أثرها البالغ فى نفسه، فقد أرهفت منه الحس، وعلمته التفكير والتأمل، وصهرت رأيه وطبعته بطابع الزمان والمكان والواقع، فكانت الدروس التى القاها علينا مما شاهده وما لمسه فى حياته العملية، غير متأثر فى ذلك بحركات التأليف المنحازة. فكان هدفه الوحيد البحث عن الحقيقة والسعى إليها..
الدولة
وعرفنا فى ذلك الوقت من الدكتور حامد سلطان أن الدولة جمع من الناس، يعيش على سبيل الاستقرار، على إقليم معين محدود، ويدين بالولاء لسلطة حاكمة، لها السيادة على الإقليم، وعلى أفراد هذا الجمع. وإن إقليم الدولة هو ذلك الجزء المحدود من الكرة الأرضية الذى يخضع لسيادة الدولة، وأن الرابطة التى تربط بين الدولة وبين الإقليم رابطة حديثة النشأة، يرجع وجودها إلى القرن التاسع عشر، وتوثقت فى القرن العشرين، وأن إقليم الدولة يتكون أصلًا من قطاع يابس من أرض المعمورة، وما يعلوه من الفضاء، وما يحيط به من الماء، وأن العنصر الأصلى فيه هو القطاع اليابس، إذ لا يوجد إقليم يتكون من عنصر الفضاء وحده أو عنصر البحر وحده، ولا توجد دولة يتكون إقليمها من قطاع بحرى أو من قطاع هوائى أو منهما معًا دون القطاع اليابس من الأرض.
ولا يشترط فى الإقليم أن يكون ذا مساحة واسعة، فلا يوجد فى مبادئ القانون الدولى حد أدنى أو حد أقصى لمساحة الإقليم، فمتى وجد عنصر الشعب، وعنصر السيادة، فإن عناصر الدولة تكتمل بوجود عنصر الإقليم، وإقليم الدولة إن كان لا يشترط فيه أن يكون ذا مساحة معينة أو مسكونًا كله إلا أنه يشترط فيه أن يكون معينًا محدودًا، وهذا الشرط هو المعيار الذى يميز الدول بعضها عن بعض، والفيصل الذى يفرق بين دوائر سيادتها، والحدود التى تعين إقليم الدولة، قد تكون طبيعية، وقد تكون صناعية، والأولى هى التى تستند إلى الظواهر المختلفة للطبيعة الجغرافية: كالجبال أو الأنهار أو البحار، أما الحدود الصناعية فهى تلك العلاقات التى يضعها الإنسان لبيان الفاصل بين الأقاليم.
الحدود
وفكرة تعيين إقليم الدولة بوضع الحدود عليه لم تتبلور فى صورتها الحاضرة إلا فى نهاية العصور الوسطى، وبداية ظهور الإدراك القانونى للدولة فى شكلها الحديث، وارتباط مدلولها ارتباطًا حتميًا بعنصر الإقليم. وتعيين الحدود فى أرجاء المعمورة تختلف طبائعه باختلاف القارات، واختلاف الدول، فتقسيم الدول وتعيين حدودها فى أوربا قام على أسس جغرافية فى الأصل، ثم تدخلت فيه العوامل التاريخية والعوامل السياسية، أما الحدود فى الأمريكتين فهى تقوم فى أمريكا الشمالية على خطوط العرض والطول فى غالبية الأحوال، وقد تكونت فى صورتها الحاضرة نتيجة الملابسات السياسية التى دعت الولايات المتحدة إلى التحرر من الحكم الإنجليزى، وإلى تحرر دول أمريكا الوسطى والجنوبية من الحكم الإسبانى والبرتغالى..
وإن كان العنصر البرى من إقليم الدولة، هو ذلك الجزء اليابس من الأرض، فإن حدود الدولة فى مفهوم القانون الدولى تمتد فى خطوط مستقيمة خيالية إلى ما لا نهاية فى العمق، لتضم إلى الجزء المسطح الأرضى كل ما يوجد تحته من طبقات، والمسطح الأرضى لإقليم الدولة قد يضم السهول والوديان والصحارى والتلال والهضاب والجبال، ويضم أيضًا البحيرات والأنهار، وهذه المعالم الطبيعية قد تقع داخل حدود إقليم الدولة وعند ذلك تشكل جزءًا من هذا الإقليم، وقد تشكل بعض هذه المعالم ذاتها حدود إقليم الدولة، وقد يمتد بعضها إلى الأقاليم التابعة لأكثر من دولة..
وإقليم الدولة يتكون من عنصرين هما عنصر الأرض وعنصر الهواء، ومن عنصر ثالث قد يوجد أو لا يوجد وهو عنصر البحر، ووجود هذا العنصر الأخير يتوقف على الموقف الجغرافى الذى يحتله إقليم الدولة من الكرة الأرضية، فهناك دولة يطل إقليمها البرى كله أو بعضه على بحر واحد أو عدة بحار، وهناك دول أخرى لا تطل أرض إقليمها على أى بحر من البحار، كسويسرا والمجر ونيبال والفاتيكان وأفغانستان، وفى هذه الحالات لا يشمل إقليم الدولة أى عنصر بحرى.
والبحر الإقليمى هو جزء من إقليم الدولة اليابس، ولكن المياه تغمره، وهو يخضع لسيادتها شأنه فى ذلك شأن الإقليم البرى للدولة، وينبنى على ذلك أن لكل دولة الحق فى أن تمارس فى بحرها الإقليمى وعلى قاع هذا البحر جميع الحقوق التى تتفرع على سيادتها، لكن سيادة الدولة على بحرها الإقليمى يرد عليه بعض القيود التى رتبتها مختلف الاعتبارات الجغرافية والسياسية، والتى قدرها العرف الذى تواترت الدول على قبوله كحق المرور البرى، ومعاملة السفن الأجنبية..
وإن كان لكل دولة شاطئية السيادة على بحرها الإقليمى فإنه من الأمور الواجبة تحديد المسافة البحرية التى يمتد إليها هذا البحر، وكيفية قياسها، ففى مؤتمر جنيف المنعقد سنة 1960 ظهر تياران: أحدهما يطالب بتحديد عرض البحر الإقليمى بستة أميال، والثانى يطالب بأن يكون هذا المدى أثنى عشر ميلًا بحريًا، وقد حاولت الولايات المتحدة وكندا التوفيق بين التيارين فقدمتا مشروعًا مشتركًا يقضى بتحديد مدى البحر الإقليمى بستة أميال بحرية، وفى 26/4/1960 وافقت 54 دولة على هذا المشروع وعارضته 28 دولة، وبذلك سقط هذا المشروع لعدم حصوله على أغلبية ثلث الأصوات!!
وقد تعدد الآراء فى كيفية قياس البحر الإقليمى، لكن اتفاقية جنيف المنعقدة سنة 1958 حسمت الخلاف، فقضت بأن الخط الأساس العادل لقياس البحر الإقليمى يبدأ من آخر نقطة على طول الشاطئ تنحسر عنها المياه وقت الجزر، وقد وضعت الاتفاقية أحكامًا أخرى لبيان كيفية قياس البحر الإقليمى فى بعض الحالات الخاصة كالخلجان والموانئ والجزر والأنهار.
وقد قررت الفقرة الأولى والفقرة السادسة من المادة )7( من اتفاقية جنيف أنها لن تتناول بالأحكام التنظيمية سوى ما كان من الخلجان، تابعًا لدولة واحدة، وما لم ينطبق عليه منا وصف الخلجان التاريخية، ويشترط ألا يكون متبعًا فى قياس البحر الإقليمى معيار الخطوط المستقيمة. ويعتبر الخليج تابعًا لدولة واحدة إذا كانت شواطئه جميعًا فى هذه الدولة، أما وصف الخلجان التاريخية فلم تقم اتفاقية جنيف بتعريفه.
والخليج كما هو معلوم جغرافيًا هو منطقة من البحر تتغلغل فى الشاطئ، نتيجة التعرجات الطبيعية للساحل، ولكى يعتبر هذا التغلغل خليجًا يلزم أن يكون قدر تغلغله فى إقليم الدولة البرى بالنسبة لسعة فتحة التغلغل بحيث تكون مياهه محصورة بالأرض، ويكون التغلغل أكثر من الانحناء العادى للساحل.
خليج العقبة
وذكر لنا الدكتور حامد سلطان أن شواطئ مصر تضم كثيرًا من الخلجان، ومن بينها خليج العقبة، وذكر لنا أن مركزه القانونى أثير فى مداولات لجنة القانون الدولى، عندما ناقش أعضاء اللجنة التعليقات التى بعثت بها حكومة إسرائيل، وأن النقاش كان قصيرًا، إذ قررت اللجنة أنها تعنى بوضع أحكام للخلجان التى تضمها شواطئ دولة واحدة، ولم تضع أحكامًا للخلجان التى تضمها شواطئ دول متعددة، وخليج العقبة هو جزء من الصدع الكبير الذى أصاب القشرة الأرضية فى العصر الكاينوزوى، والذى يضم البحر الأحمر، وخليج العقبة، ووادى عربة، والبحر الميت، ونهر الأردن، وبحر طبرية، وهو يحد سيناء الجنوبية من الشرق، ويمتد فى منطقة بتراءً العربية شمالًا إلى الشرق، ويمتد امتدادًا طوليًا فى شرق شبه جزيرة سيناء من جنوب الجنوب الغربى إلى شمال الشمال الشرقى، فاصلًا بذلك بين المملكة العربية السعودية شرقًا والجمهورية العربية المتحدة غربًا، ويبلغ طول الخليج 99 ميلًا بحريًا، وتشغل سواحله المملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل، والجمهورية العربية المتحدة، ويوجد عند كتف الخليج، عند مدخله جنوبًا، أرخبيل صغير يشتمل على عدد من الجزر الصخرية الصغيرة، يبلغ حوالى 30 جزيرة، كانت تابعة كلها للمملكة العربية السعودية، وإن من هذه الجزر: تيران، وتقع عند قاعدة الخليج تجاه رأس محمد، وصنافر جزيرة قفراء تقع شرقى تيران، وعند رأس الخليج توجد جزيرة فرعون على بعد 8 أميال من مدينة العقبة بحرًا، وهى جزيرة صغيرة توجد بها خرائب قلعة قديمة يقال إن الذى بناها هو صلاح الدين الأيوبى.
وأضاف أن جزيرتى تيران وصنافر، هما اللتان تتحكمان فى مداخل خليج العقبة، ومداخل هذا الخليج تتحكم فيها الشعب المرجانية، بحيث تنحصر الممرات الملاحية فى اثنين:-
الأول: هو الانتر برايس. وبه علامات إرشادية ملاحية، ولا يمكن عبوره إلا نهارًا، والممر الثانى من خلف جزيرتى تيران وصنافر من القرب من الشاطئ السعودى، وليس بهذا الممر الأخير علامات إرشاد، وهو ممر يكاد يكون مجهولًا، ومن الصعب أن تعبره السفن حتى نهارًا.
وخليج العقبة كانت تضمه فى بادئ الأمر شواطئ دولة واحدة، ويعد خليجًا وطنيًا تابعًا لها منذ أقدم العصور حتى مطلع القرن العشرين، وقد عنى المصريون القدماء بمنطقة العقبة وشبه جزيرة سيناء منذ أقدم العصور، وأطلقوا عليها اسم «توشويت» أى أرض الجدب والعراء، وكانت سيطرة المصريين القدماء على شبه جزيرة سيناء، وعلى منطقة العقبة سيطرة كاملة، وقاموا باستغلالها والانتفاع بها فى استخراج المعادن، ودونوا على الصخور أخبار غزواتهم..
وقد تغرب بنو إسرائيل فى أرض سيناء أربعين عامًا، وذلك عندما حدث قحط بأرض كنعان حوالى سنة 1920 قبل الميلاد، فاضطر أولاد يعقوب إلى الحضور إلى مصر فرارًا من الجدب، وأقاموا فى أطراف -ما يعرف الآن بمحافظة الشرقية- فى ضيافة يوسف، وفى عام 1571 ولد موسى فى مصر وترعرع فيها، وتزوج بنت «يرون»، وأقام فى مصر أربعين عامًا يرعى الأغنام عند جبل سيناء، إلى أن خرج ببنى إسرائيل إلى سيناء، وساروا فى طريقهم إلى بتراء مارين بعين حدرة، وشاطئ العقبة، وساروا إلى «عيون جابر» و«آيلة» على رأس الخليج، ومن هناك ساروا بوادى العربة شمالًا إلى فلسطين، وكان يسكن فى هذه المنطقة قوم عرفوا ب«الأدوميين»، كانوا ينزلون فى منطقة تمتد من رأس خليج العقبة إلى حدود فلسطين الجنوبية شمالًا، ومن وادى «عربة» فى الغرب إلى أطراف بادية الشام فى الشرق، ويمكن أن يقال إن هذه المنطقة تشبه الإقليم الحالى للمملكة الأردنية، وكان «الآدوميون» أصحاب السيادة على هذه المنطقة، حتى هاجمهم بنو إسرائيل فى عهد الملك داود، الذى أقام حاميات من جنده فى بلادهم، واستطاع أن ينفذ إلى البحر الأحمر، وفى عهد الملك سليمان أنشأ بنو إسرائيل ميناء «عيون جابر» فى مكان ما على رأس خليج العقبة، وعرف هذا الميناء فيما بعد بميناء «آيلة»، كما عرف الخليج بأنه خليج «آيلة» حتى تغلب وصفه بعد ذلك فى العصور الوسطى بخليج العقبة.
ودولة إسرائيل لم تعمر طويلًا، فزال ملك سليمان بعد بضعة عشر عامًا، واستعاد «الأدوميون» ملكهم، وسيادتهم على المنطقة، وظلوا أصحابها حتى اغتصبها منهم «الأنباط» الذين أقاموا مملكة قوية يمارس أهلها التجارة، ويتخذون من «آيلة» ميناء، يتحكم فى الطرق المارة شمالًا وجنوبًا، وشرقًا وغربًا، وظل ميناء «آيلة» على أهميته إلى أن دخل نجم «الأنباط» فى الأفول، وحمل عليهم الامبراطور «تراجان»، وغلبهم على أمرهم، واستولى على بلادهم، فصارت ولاية رومانية.
الرومان!
وتمر الأعوام، فتضعف شوكة الرومان، وتدول دولتهم على يد المسلمين، ويعود «لآيلة» سابق مجدها مرة أخرى وقوعها على طريق الحج البرى القديم بين مصر وشمال أفريقيا والحجاز، وقد ظلت الحالة كذلك طوال العصر الإسلامى، ودول الفاطميين والأيوبيين والمماليك، وظل خليج العقبة خليجًا وطنيًا خالصًا بحكم وجود شواطئه عميقًا فى سيادة دولة واحدة، وظلت الملاحة فى مياهه مقصورة على رعايا هذه الدولة الواحدة وحدهم.
وفى عهد محمد على بدأ الحجاج فى استعمال طريق بحرى يربط بين السويس وجدة، وكان لاستعمال هذا الطريق أثره فى تقليل أهمية طريق العقبة، إلا أن العقبة ما لبثت أن استعادت أهيمتها، عندما شرعت الحكومة العثمانية -التى كانت لها السيادة على جميع البلاد التى كانت تضم شواطئ خليج العقبة- فى مد سكة حديد الحجاز سنة 1900، من دمشق إلى المدينة المنورة، وكذلك عندما حصلت الحكومة الألمانية على امتياز مد خط حديد بغداد، بعد أن زار الامبراطور «ولهم الثانى» الأستانة سنة 1898، وقد أدى إنشاء هذين الخطين إلى الشروع فى إنشاء خطوط أخرى فرعية، ومن بينها خط حديدى بين «معان» وميناء العقبة، ليربط العقبة بسكة حديد الحجاز..
وقد أرادت الحكومة العثمانية أن تؤمن خط حديد الحجاز، عن طريق عزل جزيرة سيناء عن النفوذ الإنجليزى، بوصف أن بريطانيا كانت تحتل مصر، وهى ولاية عثمانية، لذلك أصدر الباب العالى فرمان تولية الخديوى عباس سنة 1892، وقد تعمد ألا ينص فيه على أن سيناء تدخل ضمن الأراضى المصرية التى تخضع فى الحكم للخديوى المصرى، وثارت ثائرة الحكومة البريطانية وقتذاك، بوصفها الدولة التى تحتل مصر، إذ أنها أدركت مدى الخطورة المترتبة على عزل سيناء عن الحكم المصرى المباشر، فأبلغت احتجاجها إلى الباب العالى، فتراجعت تركيا عن موقفها، وأرسل الصدر الأعظم برقية بتاريخ 8 من أبريل سنة 1892 باسم السلطان، أشار فيها إلى أن الباب العالى كان قد صرح للحكومة المصرية بوضع عدد كافٍ من الجنود بجهات الوجه، والمويلح، وطابا، والعقبة، وبعض جهات أخرى من سيناء، وذلك لتأمين مرور المحمل المصرى فى أثناء الحج بالطريق البرى، أما وقد تغير خط سير المحمل، ولم يعد يتخذ طريقه إلى الحجاز برًا، بل بحرًا، لذلك أعيدت الوجه إلى ولاية الحجاز، كما أعيدت إليها المويلح، وطابا، والعقبة، أما من حيث شبه جزيرة سيناء فقد بقيت على حالها، وبقيت إدارتها للخديوية المصرية، وبناء على هذه البرقية أصبحت حدود سيناء الشرقية تمتد من العريش إلى رأس خليج العقبة، غرب ميناء العقبة، ومعنى ذلك أن ميناء العقبة خرج من ولاية مصر وضم إلى ولاية الحجاز، وذلك بحكم السيادة العثمانية على مصر وعلى الحجاز معًا.
السلطات العثمانية!!
ولم تكد تمضى خمسة عشر عامًا على أزمة فرمان الخديوى عباس الثانى، فقررت السلطات العثمانية أن تبعد المصريين عن منطقة العقبة كلها، فأرسلت قوة احتلت مركز طابا، فاحتجت على ذلك الحكومة البريطانية، وعند ذلك بدأت المفاوضات بين الحكومتين المصرية والعثمانية، بقصد تعيين الحدود الشرقية لمصر بصفة نهائية، وانتهت هذه المفاوضات فى أكتوبر سنة 1906، وتم الاتفاق على أن تمتد حدود مصر الشرقية من رفح، على البحر الأبيض المتوسط، إلى نقطة تقع غرب ميناء العقبة بثلاثة أميال، وبقيت طابا فى أملاك مصر، أما العقبة فظلت فى أملاك تركيا.
كانت هذه الحدود حدودًا إدارية بحتة، وظلت السيادة العثمانية من حيث أحكام القانون الدولى ثابتة على جميع البلاد، التى تضم خليج العقبة، فاستمر هذا الخليج محتفظًا بوصف الخليج الوطنى، واستمرت مضايقه، فى تيران وصنافير مضايق وطنية كذلك.
وتوالت الأحداث الدولية، وقامت الحرب العالمية الأولى فى سنة 1914، وفى خلالها إنحاز الشريف حسين، أمير مكة، إلى جانب بريطانيا، وأعلن الثورة على الدولة العثمانية، ونجح الثوار فى الاستيلاء على العقبة فى صيف سنة 1917، ومنذ ذلك التاريخ صار ميناء العقبة بصفة مؤقتة جزءًا من أرض الحجاز التى أصبح يحكمها الملك حسين.
وعندما ثار الوهابيون، فر الملك حسين إلى العقبة سنة 1924، وحاول الوهابيون بزعامة الملك عبدالعزيز آل فيصل آل سعود، أن يحتلوا العقبة، ولكن تدخل البريطانيين منعهم من ذلك، وقامت المفاوضات بين الملك عبدالعزيز آل سعود والبريطانيين، وانتهت بعقد معاهدة جدة سنة 1927، وتضمنت هذه المعاهدة نصًا يقضى بأن تبقى العقبة فى إقليم إدارة شرق الأردن، وكان الوضع الدولى للمنطقة كلها قد تبدل بما عقدته الدول المتحالفة من معاهدات فيما بينها لتصفية الامبراطورية العثمانية، وتوزيع أقاليمها فيما بين بريطانيا وفرنسا، فقسمت هذه المنطقة إلى ما وصف بالعراق، وفلسطين، وإمارة شرق الأردن، التى وضعت جميعها تحت الانتداب البريطانى، وسوريا، ولبنان، وضعتهما تحت الانتداب الفرنسى، والحجاز التى قام الملك عبدالعزيز آل عبدالرحمن آل فيصل آل سعود بتوحيدها مع غيرها من مناطق شبه الجزيرة العربية فى شكل مملكة متحدة، هى المملكة العربية السعودية، أما مصر فقد الزمت بريطانيا بإعلان انتهاء الحماية عليها وصارت دولة مستقلة بذاتها.
ومنذ هذا الوقت ظهر هذا الخليج لأول مرة فى تاريخه بمظهر مخالف لمظهره الأول، فلم يعد يصدق عليه وصف الخليج الوطنى، لأن شواطئه صارت تضمها دول ثلاث، هى المملكة العربية السعودية، والمملكة المصرية، وإمارة شرق الأردن، ومع ذلك ظل هذا الخليج محتفظًا بطابعه التاريخى البحت، ذلك أن مياهه تحولت من مياه وطنية لدولة واحدة -هى الدولة العثمانية- إلى مياه تاريخية- تخضع للسيادة المشتركة للدول الثلاث، التى ورثت ما كان للدولة العثمانية من حقوق دولية فى هذه المنطقة، وهى مصر، والسعودية، والأردن، وهذه السيادة المشتركة لم يكن يرد عليها حق المرور البرى للسفن الأجنبية، ذلك أن الملاحة فيه كانت مقصورة على رعايا الدولة العثمانية، وإذ كانت السفن البريطانية، قد مارست الملاحة فى هذا الخليج عقب الحرب العالمية الأولى، فقد كان ذلك للوصول إلى ميناء العقبة، فى شرق الأردن، بوصف أن الأردن، كانت تحت الانتداب البريطانى مما يقطع بأن خليج العقبة لم يكن طريقًا تستعمله الملاحة الدولية.
حرب فلسطين
وقد ظل الوضع القانونى لخليج العقبة على هذا الحال، إلى أن قامت حرب فلسطين فى 15 من مايو سنة 1948، وفى 24 فبراير سنة 1949، عقدت بين مصر وإسرائيل اتفاقية هدنة، وقبل عقد الهدنة بين الأردن وإسرائيل تحركت بعض القوات الإسرائيلية مكونة من سيارتى جيب، وناقلة من ناقلات الجنود فى 10 مارس سنة 1949، واحتلت أم رشراش على خليج العقبة.
وبعد ثلاث ساعات من ذلك، عززت هذه القوات قوات إسرائيلية أخرى، وصل عددها فى ذلك اليوم إلى 150 جنديًا و25 ناقلة، وقد تم هذا العمل الحربى على الرغم من وقف جميع التحركات العسكرية التى تضمنتها أحكام الهدنة، التى فرضها مجلس الأمن على المتقاتلين، وقدمت الأردن فى اليوم ذاته شكوى إلى وسيط الأمم المتحدة، كما قدم وزير الدفاع الأردنى مذكرة إلى وسيط الأمم المتحدة، يحتج فيها بمنتهى القوة على المحاولة الإسرائيلية لتحقيق حالة من حالات الأمر الواقع، فى اللحظة التى يغادر فيها الوفد الأردنى بلاده إلى رودس لتوقيع اتفاقية الهدنة.
اجرى الدكتور «رالف باتش» وسيط الأمم المتحدة تحقيقًا فى الواقعة وانتهى إلى التأكيد إلى أن احتلال إسرائيل لقرية أم رشراش كان لاحقًا على الاتفاق على الهدنة، وإن هذا الاحتلال تم خلافًا لأحكام الهدنة، ومع ذلك فإن الأمر وقف عند هذا الحد وبقيت القوات الإسرائيلية فى أم رشراش.
وقد كان لاحتلال أم رشراش أثر بالغ لدى السلطات المصرية، فقد اتفقت هذه السلطات مع سلطات المملكة العربية السعودية، على أن تقوم القوات المصرية باحتلال جزيرتى تيران وصنافر، وهما الجزيرتان اللتان تتحكمان فى مداخل خليج العقبة، وعلى أثر هذا الاحتلال أقامت السلطات العسكرية المصرية فى «رأس نصرانى» مدافع شاطئية تسيطر تمامًا على الملاحة فى مضيق «الانتر برايس»، وبعد أن تم ذلك رأت وزارة الخارجية المصرية أن تبعث بمذكرة إلى الحكومة البريطانية -بوصفها الدولة التى تمون قواتها فى الأردن عن طريق ميناء العقبة- تعلمها بأنه بالنظر للمحاولات التى ظهرت من جانب السلطات الإسرائيلية بالنسبة لجزيرتى تيران وصنافر بالبحر الأحمر بمدخل خليج العقبة، أمرت الحكومة المصرية، وذلك بالاتفاق التام مع حكومة المملكة العربية السعودية باحتلال الجزيرتين احتلالًا فعليًا، وهذا الاحتلال الآن أمر واقع.
وقد تضمنت هذه المذكرة المرسلة بتاريخ 28 من فبراير سنة 1950 الفقرة التالية: ولما كان هذا الاحتلال لم توح به فكرة إعاقة المرور البرى على أى وجه فى المجال البحرى الذى بين الجزيرتين المذكورتين، وشاطئ سيناء المصرى، فمن المسلم به أن هذا الممر، وهو الوحيد الممكن سلوكه عمليًا، سيبقى حرًا كما كان بالماضى، وذلك وفقًا للعرف الدولى ومبادئ القانون الدولى المقررة.
وهذه العبارة هى التى دونها الدكتور وحيد رأفت مستشار الرأى لوزارة الخارجية فى مذكرته المؤرخة بتاريخ 23 من يناير سنة 1950 لوكيل وزارة الخارجية.
وفى 30/3/1950 قامت الحكومة المصرية بإبلاغ السفارة الأمريكية بالقاهرة بصورة من هذه المذكرة، وتنفيذًا للاتفاقية التى أبرمتها السلطات المصرية مع السلطات السعودية وافقت وزارة الحربية والبحرية المصرية أن تقوم مصلحة الموانئ والمنائر المصرية بإصدار منشور للقنصليات الأجنبية ولجميع شركات الملاحة تعلن فيه أن منطقة المياه الساحلية الواقعة غرب الخط الموصل بين رأس محمد ورأس نصرانى منطقة ممنوعة لا يجوز الملاحة فيها.
ولما وقع العدوان الثلاثى على مصر فى 29/10/1956 واحتلت القوات الإسرائيلية منطقة شرم الشيخ، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا بانسحاب إسرائيل من الأراضى التى احتلتها، إلا أن إسرائيل رفضت تنفيذ هذا القرار إلا إذا وجدت قوات طوارئ دولية فى هذه المنطقة عقب الانسحاب مباشرة، وأن تقوم قوات الطوارئ الدولية بكفالة حرية الملاحة البحرية فى مضيق تيران، وخليج العقبة، إلا أن الأمين العام للأمم المتحدة رفض هذه الشروط وأوجب أن يتم انسحاب القوات الإسرائيلية بدون قيد أو شرط.
هكذا درسنا فى كلية الحقوق فى الستينيات أن جزيرتى تيران وصنافر مملوكتان للمملكة العربية السعودية، وأنه على أثر احتلال إسرائيل لأم رشراش التى صارت تعرف الآن بميناء إيلات الإسرائيلى، اتفقت السلطات المصرية مع السلطات السعودية على أن تقوم الأولى باحتلال هاتين الجزيرتين، وتأكيدًا لذلك قامت السلطات المصرية بإخطار السفارة الأمريكية بالقاهرة والحكومة البريطانية بمضمون هذا الاتفاق، وقامت السلطات المصرية بتنفيذ هذا الاتفاق فوضعت مدافع شاطئية سيطرت بها تمامًا على الملاحة فى مضيق «الانتر برايس».
التخلى!!
وإن كان الإقليم، لم يدخل فى عناصر تكوين الدولة إلا فى بداية العصور الوسطى، عندما بدأت الدولة فى صورتها الحديثة فى الظهور، وكان الإقليم من الناحية القانونية، يعتبر فى المرحلة الأولى لتطوره ملكية خاصة من أملاك الملك أو الأمير، أو صاحب الولاية عليها، مهما يكن لقبه، لذلك كان علماء القانون قديمًا يذهبون إلى أن ملكية الإقليم تكتسب وتنتقل ملكيته بالأسباب ذاتها التى تكتسب بها الملكية الخاصة، كما تنتقل من مالك إلى آخر بالوسائل عينها، التى تنتقل بها الملكية الخاصة.
وقد ظهرت فى الفقه الدولى، وفى العرف المتواتر بين الدولة، نظرية صارت تقليدية، فيما يتعلق بأسباب دخول الإقليم فى سيادة الدولة، وفى ولايتها، وهذه النظرية تأثرت ببعض ما يجرى عليه العمل فى القانون الخاص، فى نطاق اكتساب الملكية، ونقلها بين الأفراد العاديين، وتقضى هذه النظرية بأن أسباب دخول الإقليم فى ولاية الدولة على نوعين: أسباب أصلية، وأسباب ناقلة، فأما الأسباب الأصلية فهى: الاستيلاء، والإضافة، وأما الأسباب الناقلة فهى: التنازل، والفتح والتقادم.
والاستيلاء هو فرض سيادة الدولة وولايتها على إقليم هو فى الأصل غير خاضع لسيادة أى دولة أخرى، وذلك بقصد إدخاله فى ممتلكاتها الإقليمية، فالإقليم الذى يجوز أن يكون محلًا للاستيلاء هو الإقليم المباح الذى لا تمتد إليه ولاية دولة أخرى.
أما الإضافة، فإن إضافة الملحقات للملك، فإنها تعد سببًا أصيلًا لامتداد سيادة الدولة وولايتها على الجزء المضاف، فالإضافة فى إقليم الدولة قد تكون طبيعية، وقد تكون صناعية، أى بفعل الإنسان، فكل زيادة فى إقليم الدولة تعد من نصيب الدولة، فسواء أتكونت جزيرة فى البحر الإقليمى للدولة الشاطئية أو سواء كانت الزيادة فى إقليم الدولة نتيجة إقامة جسور أو نتيجة تجفيف جزء من البحر الإقليمى عن طريق وضع السدود، فإن ما يترتب على ذلك من زيادة فى مساحة إقليم الدولة يدخل تلقائيًا فى سيادة هذه الدولة.
والتنازل: هو الاتفاق الذى ينتقل به إقليم ما أو جزء منه من ولاية الدولة المتنازلة ليدخل فى سيادة الدولة الأخرى المتنازل لها عنه.
أما الفتح: فهو احتلال إقليم الدولة كله أو بعضه بواسطة القوات العسكرية لدولة أخرى فى أثناء الحرب القائمة بينهما، وضم الدولة المنتصرة للإقليم المحتل بعد انتهاء الحرب أو بعد انتهاء العمليات العسكرية.
وأخيرًا التقادم: فإن مباشرة حقوق السيادة من جانب إحدى الدول على قطاع إقليمى تابع لدولة أخرى على صورة مستمرة وهادئة مدة طويلة بنية اكتساب السيادة عليه يكون سببًا لإدخال هذا القطاع الإقليمى فى سيادتها.
والثابت من مشاهدة أحداث التاريخ أن جزيرتى تيران وصنافر جزيرتان سعوديتان، وأن فرض السيادة المصرية عليهما -بصفة مؤقتة- لا يعد سببًا من أسباب كسب الملكية، لأن الاستيلاء الذى يعتبر سببًا لكسب الملكية هو الاستيلاء على إقليم غير خاضع لسيادة أى دولة، كما لا يمكن إضافة ملكية هاتين الجزيرتين إلى السيادة المصرية باعتبار أنهما من الملحقات، ذلك لأن هاتين الجزيرتين ليستا من الملحقات ولا يمكن كسب ملكيتهما على هذا الأساس.
كما أنه لا محل للاحتجاج بتنازل الحكومة السعودية عنهما، ذلك لأن الأخيرة لم تتنازل عنهما، بل طلبت من الحكومة المصرية احتلالهما بقصد الدفاع عنهما، وحمايتهما من أى اعتداء.
ولا شك أن مباشرة حقوق السيادة المصرية على هاتين الجزيرتين المدة سالفة البيان لا يمكن أن يكون سببًا لكسب ملكيتهما، لأن نية السلطات المصرية لم تنصرف إلى اكتساب ملكيتهما، بل إن نيتها انصرفت لأمر واحد، هو الدفاع عنهما وحمايتهما من أى اعتداء..
وإذ كانت هناك عدة أسباب لاكتساب الملكية، فإن هناك سببين أيضًا فى فقد السيادة على الإقليم، وهما «الترك» و«الانتقاص» من مساحة الإقليم، فالانتقاض من الإقليم يكون عادة بحكم الطبيعة، كما إذا غمر الماء جزيرة من الجزر التى تدخل فى إقليم الدولة أو ترتب على زلزال أو كارثة من كوارث الطبيعة زوال جزء من إقليم الدولة.
أما الترك فهو التخلى الاختيارى عن حيازة الإقليم بنية إخراجه نهائيًا من ولاية الدولة ومن سيادتها، ويشترط فيه، ليحدث أثره فى فقد السيادة، توافر العنصر المادى وهو التخلى عن الحيازة، والعنصر المعنوى وهو النية فى التخلى عن السيادة، واجتماع العنصرين معًا أمر لازم كى يعتبر الترك سببًا لفقد السيادة على الإقليم.
وإذ كانت الحكومة السعودية قد تخلت اختيارًا عن حيازة هاتين الجزيرتين للحكومة المصرية بقصد الدفاع عنهما وحمايتهما، إلا أن هذا التخلى كان بنية العودة إليهما فيما بعد، ومن ثم فلا يترتب على هذا التخلى فقدان سيادتها عليهما لعدم توافر النية فى التخلى عن السيادة.
هذا ما تعلمناه، وهذا ما يجب أن نعلمه لأولادنا، رحم الله أستاذنا الدكتور حامد سلطان الذى كان هدفه البحث عن الحقيقة والسعى إليها، بوصف أن الحقيقة وحدها هى التى تحرر النفوس، وبهذه الروح قدم إلينا فى خشوع وعلى استحياء كل ما تعلمناه على يديه من دروس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.