مكتب التنسيق: توزيع 276 ألف من طلاب الشهادات الفنية علي الجامعات والمعاهد    رئيس جامعة بنها يترأس لجنة اختيار عميد كلية الحقوق    محافظ الوادي الجديد: اعتماد 4 مدارس بالخارجة وباريس من هيئة جودة التعليم    أسعار الخضراوات والفاكهة والأسماك والدواجن اليوم الاثنين فى الفيوم    سعر الريال القطرى اليوم الإثنين 15 سبتمبر 2025 فى البنوك الرئيسية    بدء صرف «تكافل وكرامة» عن شهر سبتمبر الجارى ب4 مليارات جنيه    وزير السياحة: مؤشرات النمو الأخيرة تعكس ثقة السائح الإسبانى فى المقصد المصرى    خلال زيارته للإسكندرية.. رسائل حاسمة من كامل الوزير للعاملين بالسكك الحديدية    وزير الاستثمار: مصر تلتزم بدعم التكامل الاقتصادي بين الدول الإفريقية    وزير خارجية قطر: الدوحة ستتخذ كافة الإجراءات لحماية أمنها والمحافظة على سيادتها    رئيس حكومة إسبانيا: فخور بالمظاهرات المؤيدة لفلسطين خلال سباق الدراجات    إطلاق قافلة «زاد العزة» ال37 إلى غزة بحمولة 2500 طن مساعدات غذائية    استقرار حالة أخصائى التدليك فى إنبي بعد تعرضه لأزمة صحية عقب مباراة الأهلي    استعدادًا لكأس العالم.. أسامة نبيه يؤكد على ثقته في اللاعبين بمعسكر تشيلي    موعد مباراة بيراميدز وأهلي جدة فى الدور الثانى بكأس إنتر كونتيننتال    كارلوس ألكاراز في الصدارة.. ترتيب التصنيف العالمي لكرة التنس    الزمالك يتعاقد مع فريدة الزرقا لتدعيم صفوف سيدات الطائرة    والدة أطفال دلجا بالمنيا: شكيت بالمتهمة وكنت حاسة إنها هتعمل حاجة وحشة لأولادى    حالة الطقس.. أجواء حارة على أغلب الأنحاء وسحب على بعض المناطق    إصابة 4 أشخاص فى حادث تصادم بطريق الأنصارية بالفيوم    ضبط 114.8 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    «الداخلية»: ضبط سائق «ميني باص» سار عكس الاتجاه واعتدى على مواطن في أكتوبر    «الداخلية»: ضبط 10 أطنان دقيق «مدعم وحر» في حملات تموينية على الأسواق    بسبب لهو الأطفال.. «الداخلية» تكشف تفاصيل «مشاجرة بالأسلحة البيضاء» في الوراق    أبرز مشاهد حفل الإيمي في دورته ال77.. تكريم فنان عمره 15 عاما وآخر يصعد المسرح ب«سكوتر»    رضوى هاشم: اليوم المصرى للموسيقى يحتفى بإرث سيد درويش ب100 فعالية مختلفة    ريهام عبدالغفور: «عيطت 3 ساعات لما واحد اعترفلي بحبه»    الدكتور خالد عبدالغفار يترأس اجتماع اللجنة التنسيقية لمنظومة التأمين الشامل    الصحة: حملة «100 يوم صحة» قدمت 88 مليون خدمة طبية مجانية خلال 61 يومًا    نجاح جراحة دقيقة بالمخ لمريض مستيقظ بأحد مستشفيات الأقصر    جامعة الإسكندرية تطلق أولى قوافلها الطبية لعام 2026 (صور)    آمال ماهر: أداء حسن شاكوش لأغنيتي "في إيه بينك وبينها" ضحكني وعمل ليّ حالة حلوة    بسنت النبراوي: تركت مهنتي كمضيفة جوية بسبب ظروف صحية والتمثيل صعبة للغاية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 15-9-2025 في محافظة قنا    أيمن الشريعي: الأهلي واجهة كرة القدم المصرية والعربية.. والتعادل أمامه مكسب كبير    ميدو: حسام غالي قال الحقيقة.. واتفق مع عدم ترشح الخطيب    اسعار الفاكهة فى أسيوط اليوم الإثنين    ارتفاع طفيف في سعر اليورو أمام الجنيه المصري بالبنوك اليوم    إحداها استهدفت هدفا عسكريا.. الحوثي تعلن مهاجمة إسرائيل ب4 مسيّرات    بالصور- محافظ أسيوط يتفقد استعدادات المدارس للعام الدراسي الجديد    نوح وايل يتوج بجائزة أفضل ممثل في حفل إيمي ال 77    رئيس وزراء باكستان يعلن إعفاء مناطق المتضررين من الفيضانات من سداد فواتير الكهرباء    عندما يؤثر الخريف على حالتك النفسية.. كيف تواجه اكتئاب تغير الفصول؟‬    صاحب الفضيلة الشيخ سعد الفقى يكتب عن : هذا ما تعلمناه؟؟    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : شكرا سيدى إبراهيم البحراوى    ما حكم قتل القطط والكلاب الضالة؟ دار الإفتاء المصرية تجيب    أسعار الكتب المدرسية الجديدة 2025-2026 ل المدارس الخاصة والدولية والتجريبية    «بيفكر في بيزيرا».. رضا عبدالعال يهاجم زيزو    9 آلاف وظيفة ب الأزهر الشريف.. تفاصيل مسابقة معلم مساعد 2025 وشروط القبول    بعد 10 أيام من اعتقال الكوريين.. ترامب يؤكد ترحيب واشنطن بالعمالة الأجنبية    فلكيًا بعد 157 يومًا.. موعد بداية شهر رمضان 2026 في مصر    ساعر يهاجم رئيس الوزراء الإسباني بسبب دعمه للتظاهرات المؤيدة لفلسطين    الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني يعتبر نتائج الانتخابات المحلية ليست كارثية    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 15 سبتمبر 2025 في القاهرة والمحافظات    توقعات الأبراج اليوم الاثنين 15-9-2025.. حظك اليوم برج السرطان: أمامك فرص لتحسين وضعك المالي    أشخاص يحق لهم إدخال المريض النفسي المصحة إلزاميًا.. تعرف عليهم    ألبوم "KPop Demon Hunters" يتصدر قائمة بيلبورد 200 للمرة الأولى منذ "Encanto"    بالأسماء.. إصابة 4 من أسرة واحدة في البحيرة بعد تناول وجبة مسمومة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المستشار لبيب حليم لبيب يكتب ل"الأسبوع".. شهادة للتاريخ حول تيران وصنافير

درست القانون الدولى العام على يد أستاذ فاضل، هو الدكتور حامد سلطان، الذى تولى كرسى القانون الدولى بكلية الحقوق. جامعة القاهرة خلفًا للدكتور محمود سامى جنيبة، وقد زاول الدكتور حامد سلطان مهنة التدريس مدة تزيد على ربع قرن من الزمان، وخلال هذه المدة عهدت إليه مختلف الحكومات -التى تولت زمام الحكم فى مصر- الكثير من المهام فى نطاق العلاقات القانونية الدولية، ونهض خلالها بمسئوليات القضاء الدولى عندما انتخبته الجمعية العامة للأمم المتحدة على أساس شخصى قاضيًا بمحكمة القضاء الإدارى للأمم المتحدة، وعين عضوًا بمجلس الغنائم بالإسكندرية منذ إنشائه، كما تولى سيادته الدفاع عن حقوق بعض الدول العربية أمام محاكم التحكيم، واشترك مع نخبة من زملائه فى تأسيس الجمعية المصرية للقانون الدولى، وهى الجمعية التى تصدر المجلة المصرية للقانون الدولى، التى تعد أولى المجلات الدولية فى الشرق الأوسط كله..
والحقيقة أن كافة الأعمال التى قام الدكتور حامد سلطان بأدائها طيلة هذه السنين -فى النطاق الدولى- كان لها أثرها البالغ فى نفسه، فقد أرهفت منه الحس، وعلمته التفكير والتأمل، وصهرت رأيه وطبعته بطابع الزمان والمكان والواقع، فكانت الدروس التى القاها علينا مما شاهده وما لمسه فى حياته العملية، غير متأثر فى ذلك بحركات التأليف المنحازة. فكان هدفه الوحيد البحث عن الحقيقة والسعى إليها..
الدولة
وعرفنا فى ذلك الوقت من الدكتور حامد سلطان أن الدولة جمع من الناس، يعيش على سبيل الاستقرار، على إقليم معين محدود، ويدين بالولاء لسلطة حاكمة، لها السيادة على الإقليم، وعلى أفراد هذا الجمع. وإن إقليم الدولة هو ذلك الجزء المحدود من الكرة الأرضية الذى يخضع لسيادة الدولة، وأن الرابطة التى تربط بين الدولة وبين الإقليم رابطة حديثة النشأة، يرجع وجودها إلى القرن التاسع عشر، وتوثقت فى القرن العشرين، وأن إقليم الدولة يتكون أصلًا من قطاع يابس من أرض المعمورة، وما يعلوه من الفضاء، وما يحيط به من الماء، وأن العنصر الأصلى فيه هو القطاع اليابس، إذ لا يوجد إقليم يتكون من عنصر الفضاء وحده أو عنصر البحر وحده، ولا توجد دولة يتكون إقليمها من قطاع بحرى أو من قطاع هوائى أو منهما معًا دون القطاع اليابس من الأرض.
ولا يشترط فى الإقليم أن يكون ذا مساحة واسعة، فلا يوجد فى مبادئ القانون الدولى حد أدنى أو حد أقصى لمساحة الإقليم، فمتى وجد عنصر الشعب، وعنصر السيادة، فإن عناصر الدولة تكتمل بوجود عنصر الإقليم، وإقليم الدولة إن كان لا يشترط فيه أن يكون ذا مساحة معينة أو مسكونًا كله إلا أنه يشترط فيه أن يكون معينًا محدودًا، وهذا الشرط هو المعيار الذى يميز الدول بعضها عن بعض، والفيصل الذى يفرق بين دوائر سيادتها، والحدود التى تعين إقليم الدولة، قد تكون طبيعية، وقد تكون صناعية، والأولى هى التى تستند إلى الظواهر المختلفة للطبيعة الجغرافية: كالجبال أو الأنهار أو البحار، أما الحدود الصناعية فهى تلك العلاقات التى يضعها الإنسان لبيان الفاصل بين الأقاليم.
الحدود
وفكرة تعيين إقليم الدولة بوضع الحدود عليه لم تتبلور فى صورتها الحاضرة إلا فى نهاية العصور الوسطى، وبداية ظهور الإدراك القانونى للدولة فى شكلها الحديث، وارتباط مدلولها ارتباطًا حتميًا بعنصر الإقليم. وتعيين الحدود فى أرجاء المعمورة تختلف طبائعه باختلاف القارات، واختلاف الدول، فتقسيم الدول وتعيين حدودها فى أوربا قام على أسس جغرافية فى الأصل، ثم تدخلت فيه العوامل التاريخية والعوامل السياسية، أما الحدود فى الأمريكتين فهى تقوم فى أمريكا الشمالية على خطوط العرض والطول فى غالبية الأحوال، وقد تكونت فى صورتها الحاضرة نتيجة الملابسات السياسية التى دعت الولايات المتحدة إلى التحرر من الحكم الإنجليزى، وإلى تحرر دول أمريكا الوسطى والجنوبية من الحكم الإسبانى والبرتغالى..
وإن كان العنصر البرى من إقليم الدولة، هو ذلك الجزء اليابس من الأرض، فإن حدود الدولة فى مفهوم القانون الدولى تمتد فى خطوط مستقيمة خيالية إلى ما لا نهاية فى العمق، لتضم إلى الجزء المسطح الأرضى كل ما يوجد تحته من طبقات، والمسطح الأرضى لإقليم الدولة قد يضم السهول والوديان والصحارى والتلال والهضاب والجبال، ويضم أيضًا البحيرات والأنهار، وهذه المعالم الطبيعية قد تقع داخل حدود إقليم الدولة وعند ذلك تشكل جزءًا من هذا الإقليم، وقد تشكل بعض هذه المعالم ذاتها حدود إقليم الدولة، وقد يمتد بعضها إلى الأقاليم التابعة لأكثر من دولة..
وإقليم الدولة يتكون من عنصرين هما عنصر الأرض وعنصر الهواء، ومن عنصر ثالث قد يوجد أو لا يوجد وهو عنصر البحر، ووجود هذا العنصر الأخير يتوقف على الموقف الجغرافى الذى يحتله إقليم الدولة من الكرة الأرضية، فهناك دولة يطل إقليمها البرى كله أو بعضه على بحر واحد أو عدة بحار، وهناك دول أخرى لا تطل أرض إقليمها على أى بحر من البحار، كسويسرا والمجر ونيبال والفاتيكان وأفغانستان، وفى هذه الحالات لا يشمل إقليم الدولة أى عنصر بحرى.
والبحر الإقليمى هو جزء من إقليم الدولة اليابس، ولكن المياه تغمره، وهو يخضع لسيادتها شأنه فى ذلك شأن الإقليم البرى للدولة، وينبنى على ذلك أن لكل دولة الحق فى أن تمارس فى بحرها الإقليمى وعلى قاع هذا البحر جميع الحقوق التى تتفرع على سيادتها، لكن سيادة الدولة على بحرها الإقليمى يرد عليه بعض القيود التى رتبتها مختلف الاعتبارات الجغرافية والسياسية، والتى قدرها العرف الذى تواترت الدول على قبوله كحق المرور البرى، ومعاملة السفن الأجنبية..
وإن كان لكل دولة شاطئية السيادة على بحرها الإقليمى فإنه من الأمور الواجبة تحديد المسافة البحرية التى يمتد إليها هذا البحر، وكيفية قياسها، ففى مؤتمر جنيف المنعقد سنة 1960 ظهر تياران: أحدهما يطالب بتحديد عرض البحر الإقليمى بستة أميال، والثانى يطالب بأن يكون هذا المدى أثنى عشر ميلًا بحريًا، وقد حاولت الولايات المتحدة وكندا التوفيق بين التيارين فقدمتا مشروعًا مشتركًا يقضى بتحديد مدى البحر الإقليمى بستة أميال بحرية، وفى 26/4/1960 وافقت 54 دولة على هذا المشروع وعارضته 28 دولة، وبذلك سقط هذا المشروع لعدم حصوله على أغلبية ثلث الأصوات!!
وقد تعدد الآراء فى كيفية قياس البحر الإقليمى، لكن اتفاقية جنيف المنعقدة سنة 1958 حسمت الخلاف، فقضت بأن الخط الأساس العادل لقياس البحر الإقليمى يبدأ من آخر نقطة على طول الشاطئ تنحسر عنها المياه وقت الجزر، وقد وضعت الاتفاقية أحكامًا أخرى لبيان كيفية قياس البحر الإقليمى فى بعض الحالات الخاصة كالخلجان والموانئ والجزر والأنهار.
وقد قررت الفقرة الأولى والفقرة السادسة من المادة )7( من اتفاقية جنيف أنها لن تتناول بالأحكام التنظيمية سوى ما كان من الخلجان، تابعًا لدولة واحدة، وما لم ينطبق عليه منا وصف الخلجان التاريخية، ويشترط ألا يكون متبعًا فى قياس البحر الإقليمى معيار الخطوط المستقيمة. ويعتبر الخليج تابعًا لدولة واحدة إذا كانت شواطئه جميعًا فى هذه الدولة، أما وصف الخلجان التاريخية فلم تقم اتفاقية جنيف بتعريفه.
والخليج كما هو معلوم جغرافيًا هو منطقة من البحر تتغلغل فى الشاطئ، نتيجة التعرجات الطبيعية للساحل، ولكى يعتبر هذا التغلغل خليجًا يلزم أن يكون قدر تغلغله فى إقليم الدولة البرى بالنسبة لسعة فتحة التغلغل بحيث تكون مياهه محصورة بالأرض، ويكون التغلغل أكثر من الانحناء العادى للساحل.
خليج العقبة
وذكر لنا الدكتور حامد سلطان أن شواطئ مصر تضم كثيرًا من الخلجان، ومن بينها خليج العقبة، وذكر لنا أن مركزه القانونى أثير فى مداولات لجنة القانون الدولى، عندما ناقش أعضاء اللجنة التعليقات التى بعثت بها حكومة إسرائيل، وأن النقاش كان قصيرًا، إذ قررت اللجنة أنها تعنى بوضع أحكام للخلجان التى تضمها شواطئ دولة واحدة، ولم تضع أحكامًا للخلجان التى تضمها شواطئ دول متعددة، وخليج العقبة هو جزء من الصدع الكبير الذى أصاب القشرة الأرضية فى العصر الكاينوزوى، والذى يضم البحر الأحمر، وخليج العقبة، ووادى عربة، والبحر الميت، ونهر الأردن، وبحر طبرية، وهو يحد سيناء الجنوبية من الشرق، ويمتد فى منطقة بتراءً العربية شمالًا إلى الشرق، ويمتد امتدادًا طوليًا فى شرق شبه جزيرة سيناء من جنوب الجنوب الغربى إلى شمال الشمال الشرقى، فاصلًا بذلك بين المملكة العربية السعودية شرقًا والجمهورية العربية المتحدة غربًا، ويبلغ طول الخليج 99 ميلًا بحريًا، وتشغل سواحله المملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل، والجمهورية العربية المتحدة، ويوجد عند كتف الخليج، عند مدخله جنوبًا، أرخبيل صغير يشتمل على عدد من الجزر الصخرية الصغيرة، يبلغ حوالى 30 جزيرة، كانت تابعة كلها للمملكة العربية السعودية، وإن من هذه الجزر: تيران، وتقع عند قاعدة الخليج تجاه رأس محمد، وصنافر جزيرة قفراء تقع شرقى تيران، وعند رأس الخليج توجد جزيرة فرعون على بعد 8 أميال من مدينة العقبة بحرًا، وهى جزيرة صغيرة توجد بها خرائب قلعة قديمة يقال إن الذى بناها هو صلاح الدين الأيوبى.
وأضاف أن جزيرتى تيران وصنافر، هما اللتان تتحكمان فى مداخل خليج العقبة، ومداخل هذا الخليج تتحكم فيها الشعب المرجانية، بحيث تنحصر الممرات الملاحية فى اثنين:-
الأول: هو الانتر برايس. وبه علامات إرشادية ملاحية، ولا يمكن عبوره إلا نهارًا، والممر الثانى من خلف جزيرتى تيران وصنافر من القرب من الشاطئ السعودى، وليس بهذا الممر الأخير علامات إرشاد، وهو ممر يكاد يكون مجهولًا، ومن الصعب أن تعبره السفن حتى نهارًا.
وخليج العقبة كانت تضمه فى بادئ الأمر شواطئ دولة واحدة، ويعد خليجًا وطنيًا تابعًا لها منذ أقدم العصور حتى مطلع القرن العشرين، وقد عنى المصريون القدماء بمنطقة العقبة وشبه جزيرة سيناء منذ أقدم العصور، وأطلقوا عليها اسم «توشويت» أى أرض الجدب والعراء، وكانت سيطرة المصريين القدماء على شبه جزيرة سيناء، وعلى منطقة العقبة سيطرة كاملة، وقاموا باستغلالها والانتفاع بها فى استخراج المعادن، ودونوا على الصخور أخبار غزواتهم..
وقد تغرب بنو إسرائيل فى أرض سيناء أربعين عامًا، وذلك عندما حدث قحط بأرض كنعان حوالى سنة 1920 قبل الميلاد، فاضطر أولاد يعقوب إلى الحضور إلى مصر فرارًا من الجدب، وأقاموا فى أطراف -ما يعرف الآن بمحافظة الشرقية- فى ضيافة يوسف، وفى عام 1571 ولد موسى فى مصر وترعرع فيها، وتزوج بنت «يرون»، وأقام فى مصر أربعين عامًا يرعى الأغنام عند جبل سيناء، إلى أن خرج ببنى إسرائيل إلى سيناء، وساروا فى طريقهم إلى بتراء مارين بعين حدرة، وشاطئ العقبة، وساروا إلى «عيون جابر» و«آيلة» على رأس الخليج، ومن هناك ساروا بوادى العربة شمالًا إلى فلسطين، وكان يسكن فى هذه المنطقة قوم عرفوا ب«الأدوميين»، كانوا ينزلون فى منطقة تمتد من رأس خليج العقبة إلى حدود فلسطين الجنوبية شمالًا، ومن وادى «عربة» فى الغرب إلى أطراف بادية الشام فى الشرق، ويمكن أن يقال إن هذه المنطقة تشبه الإقليم الحالى للمملكة الأردنية، وكان «الآدوميون» أصحاب السيادة على هذه المنطقة، حتى هاجمهم بنو إسرائيل فى عهد الملك داود، الذى أقام حاميات من جنده فى بلادهم، واستطاع أن ينفذ إلى البحر الأحمر، وفى عهد الملك سليمان أنشأ بنو إسرائيل ميناء «عيون جابر» فى مكان ما على رأس خليج العقبة، وعرف هذا الميناء فيما بعد بميناء «آيلة»، كما عرف الخليج بأنه خليج «آيلة» حتى تغلب وصفه بعد ذلك فى العصور الوسطى بخليج العقبة.
ودولة إسرائيل لم تعمر طويلًا، فزال ملك سليمان بعد بضعة عشر عامًا، واستعاد «الأدوميون» ملكهم، وسيادتهم على المنطقة، وظلوا أصحابها حتى اغتصبها منهم «الأنباط» الذين أقاموا مملكة قوية يمارس أهلها التجارة، ويتخذون من «آيلة» ميناء، يتحكم فى الطرق المارة شمالًا وجنوبًا، وشرقًا وغربًا، وظل ميناء «آيلة» على أهميته إلى أن دخل نجم «الأنباط» فى الأفول، وحمل عليهم الامبراطور «تراجان»، وغلبهم على أمرهم، واستولى على بلادهم، فصارت ولاية رومانية.
الرومان!
وتمر الأعوام، فتضعف شوكة الرومان، وتدول دولتهم على يد المسلمين، ويعود «لآيلة» سابق مجدها مرة أخرى وقوعها على طريق الحج البرى القديم بين مصر وشمال أفريقيا والحجاز، وقد ظلت الحالة كذلك طوال العصر الإسلامى، ودول الفاطميين والأيوبيين والمماليك، وظل خليج العقبة خليجًا وطنيًا خالصًا بحكم وجود شواطئه عميقًا فى سيادة دولة واحدة، وظلت الملاحة فى مياهه مقصورة على رعايا هذه الدولة الواحدة وحدهم.
وفى عهد محمد على بدأ الحجاج فى استعمال طريق بحرى يربط بين السويس وجدة، وكان لاستعمال هذا الطريق أثره فى تقليل أهمية طريق العقبة، إلا أن العقبة ما لبثت أن استعادت أهيمتها، عندما شرعت الحكومة العثمانية -التى كانت لها السيادة على جميع البلاد التى كانت تضم شواطئ خليج العقبة- فى مد سكة حديد الحجاز سنة 1900، من دمشق إلى المدينة المنورة، وكذلك عندما حصلت الحكومة الألمانية على امتياز مد خط حديد بغداد، بعد أن زار الامبراطور «ولهم الثانى» الأستانة سنة 1898، وقد أدى إنشاء هذين الخطين إلى الشروع فى إنشاء خطوط أخرى فرعية، ومن بينها خط حديدى بين «معان» وميناء العقبة، ليربط العقبة بسكة حديد الحجاز..
وقد أرادت الحكومة العثمانية أن تؤمن خط حديد الحجاز، عن طريق عزل جزيرة سيناء عن النفوذ الإنجليزى، بوصف أن بريطانيا كانت تحتل مصر، وهى ولاية عثمانية، لذلك أصدر الباب العالى فرمان تولية الخديوى عباس سنة 1892، وقد تعمد ألا ينص فيه على أن سيناء تدخل ضمن الأراضى المصرية التى تخضع فى الحكم للخديوى المصرى، وثارت ثائرة الحكومة البريطانية وقتذاك، بوصفها الدولة التى تحتل مصر، إذ أنها أدركت مدى الخطورة المترتبة على عزل سيناء عن الحكم المصرى المباشر، فأبلغت احتجاجها إلى الباب العالى، فتراجعت تركيا عن موقفها، وأرسل الصدر الأعظم برقية بتاريخ 8 من أبريل سنة 1892 باسم السلطان، أشار فيها إلى أن الباب العالى كان قد صرح للحكومة المصرية بوضع عدد كافٍ من الجنود بجهات الوجه، والمويلح، وطابا، والعقبة، وبعض جهات أخرى من سيناء، وذلك لتأمين مرور المحمل المصرى فى أثناء الحج بالطريق البرى، أما وقد تغير خط سير المحمل، ولم يعد يتخذ طريقه إلى الحجاز برًا، بل بحرًا، لذلك أعيدت الوجه إلى ولاية الحجاز، كما أعيدت إليها المويلح، وطابا، والعقبة، أما من حيث شبه جزيرة سيناء فقد بقيت على حالها، وبقيت إدارتها للخديوية المصرية، وبناء على هذه البرقية أصبحت حدود سيناء الشرقية تمتد من العريش إلى رأس خليج العقبة، غرب ميناء العقبة، ومعنى ذلك أن ميناء العقبة خرج من ولاية مصر وضم إلى ولاية الحجاز، وذلك بحكم السيادة العثمانية على مصر وعلى الحجاز معًا.
السلطات العثمانية!!
ولم تكد تمضى خمسة عشر عامًا على أزمة فرمان الخديوى عباس الثانى، فقررت السلطات العثمانية أن تبعد المصريين عن منطقة العقبة كلها، فأرسلت قوة احتلت مركز طابا، فاحتجت على ذلك الحكومة البريطانية، وعند ذلك بدأت المفاوضات بين الحكومتين المصرية والعثمانية، بقصد تعيين الحدود الشرقية لمصر بصفة نهائية، وانتهت هذه المفاوضات فى أكتوبر سنة 1906، وتم الاتفاق على أن تمتد حدود مصر الشرقية من رفح، على البحر الأبيض المتوسط، إلى نقطة تقع غرب ميناء العقبة بثلاثة أميال، وبقيت طابا فى أملاك مصر، أما العقبة فظلت فى أملاك تركيا.
كانت هذه الحدود حدودًا إدارية بحتة، وظلت السيادة العثمانية من حيث أحكام القانون الدولى ثابتة على جميع البلاد، التى تضم خليج العقبة، فاستمر هذا الخليج محتفظًا بوصف الخليج الوطنى، واستمرت مضايقه، فى تيران وصنافير مضايق وطنية كذلك.
وتوالت الأحداث الدولية، وقامت الحرب العالمية الأولى فى سنة 1914، وفى خلالها إنحاز الشريف حسين، أمير مكة، إلى جانب بريطانيا، وأعلن الثورة على الدولة العثمانية، ونجح الثوار فى الاستيلاء على العقبة فى صيف سنة 1917، ومنذ ذلك التاريخ صار ميناء العقبة بصفة مؤقتة جزءًا من أرض الحجاز التى أصبح يحكمها الملك حسين.
وعندما ثار الوهابيون، فر الملك حسين إلى العقبة سنة 1924، وحاول الوهابيون بزعامة الملك عبدالعزيز آل فيصل آل سعود، أن يحتلوا العقبة، ولكن تدخل البريطانيين منعهم من ذلك، وقامت المفاوضات بين الملك عبدالعزيز آل سعود والبريطانيين، وانتهت بعقد معاهدة جدة سنة 1927، وتضمنت هذه المعاهدة نصًا يقضى بأن تبقى العقبة فى إقليم إدارة شرق الأردن، وكان الوضع الدولى للمنطقة كلها قد تبدل بما عقدته الدول المتحالفة من معاهدات فيما بينها لتصفية الامبراطورية العثمانية، وتوزيع أقاليمها فيما بين بريطانيا وفرنسا، فقسمت هذه المنطقة إلى ما وصف بالعراق، وفلسطين، وإمارة شرق الأردن، التى وضعت جميعها تحت الانتداب البريطانى، وسوريا، ولبنان، وضعتهما تحت الانتداب الفرنسى، والحجاز التى قام الملك عبدالعزيز آل عبدالرحمن آل فيصل آل سعود بتوحيدها مع غيرها من مناطق شبه الجزيرة العربية فى شكل مملكة متحدة، هى المملكة العربية السعودية، أما مصر فقد الزمت بريطانيا بإعلان انتهاء الحماية عليها وصارت دولة مستقلة بذاتها.
ومنذ هذا الوقت ظهر هذا الخليج لأول مرة فى تاريخه بمظهر مخالف لمظهره الأول، فلم يعد يصدق عليه وصف الخليج الوطنى، لأن شواطئه صارت تضمها دول ثلاث، هى المملكة العربية السعودية، والمملكة المصرية، وإمارة شرق الأردن، ومع ذلك ظل هذا الخليج محتفظًا بطابعه التاريخى البحت، ذلك أن مياهه تحولت من مياه وطنية لدولة واحدة -هى الدولة العثمانية- إلى مياه تاريخية- تخضع للسيادة المشتركة للدول الثلاث، التى ورثت ما كان للدولة العثمانية من حقوق دولية فى هذه المنطقة، وهى مصر، والسعودية، والأردن، وهذه السيادة المشتركة لم يكن يرد عليها حق المرور البرى للسفن الأجنبية، ذلك أن الملاحة فيه كانت مقصورة على رعايا الدولة العثمانية، وإذ كانت السفن البريطانية، قد مارست الملاحة فى هذا الخليج عقب الحرب العالمية الأولى، فقد كان ذلك للوصول إلى ميناء العقبة، فى شرق الأردن، بوصف أن الأردن، كانت تحت الانتداب البريطانى مما يقطع بأن خليج العقبة لم يكن طريقًا تستعمله الملاحة الدولية.
حرب فلسطين
وقد ظل الوضع القانونى لخليج العقبة على هذا الحال، إلى أن قامت حرب فلسطين فى 15 من مايو سنة 1948، وفى 24 فبراير سنة 1949، عقدت بين مصر وإسرائيل اتفاقية هدنة، وقبل عقد الهدنة بين الأردن وإسرائيل تحركت بعض القوات الإسرائيلية مكونة من سيارتى جيب، وناقلة من ناقلات الجنود فى 10 مارس سنة 1949، واحتلت أم رشراش على خليج العقبة.
وبعد ثلاث ساعات من ذلك، عززت هذه القوات قوات إسرائيلية أخرى، وصل عددها فى ذلك اليوم إلى 150 جنديًا و25 ناقلة، وقد تم هذا العمل الحربى على الرغم من وقف جميع التحركات العسكرية التى تضمنتها أحكام الهدنة، التى فرضها مجلس الأمن على المتقاتلين، وقدمت الأردن فى اليوم ذاته شكوى إلى وسيط الأمم المتحدة، كما قدم وزير الدفاع الأردنى مذكرة إلى وسيط الأمم المتحدة، يحتج فيها بمنتهى القوة على المحاولة الإسرائيلية لتحقيق حالة من حالات الأمر الواقع، فى اللحظة التى يغادر فيها الوفد الأردنى بلاده إلى رودس لتوقيع اتفاقية الهدنة.
اجرى الدكتور «رالف باتش» وسيط الأمم المتحدة تحقيقًا فى الواقعة وانتهى إلى التأكيد إلى أن احتلال إسرائيل لقرية أم رشراش كان لاحقًا على الاتفاق على الهدنة، وإن هذا الاحتلال تم خلافًا لأحكام الهدنة، ومع ذلك فإن الأمر وقف عند هذا الحد وبقيت القوات الإسرائيلية فى أم رشراش.
وقد كان لاحتلال أم رشراش أثر بالغ لدى السلطات المصرية، فقد اتفقت هذه السلطات مع سلطات المملكة العربية السعودية، على أن تقوم القوات المصرية باحتلال جزيرتى تيران وصنافر، وهما الجزيرتان اللتان تتحكمان فى مداخل خليج العقبة، وعلى أثر هذا الاحتلال أقامت السلطات العسكرية المصرية فى «رأس نصرانى» مدافع شاطئية تسيطر تمامًا على الملاحة فى مضيق «الانتر برايس»، وبعد أن تم ذلك رأت وزارة الخارجية المصرية أن تبعث بمذكرة إلى الحكومة البريطانية -بوصفها الدولة التى تمون قواتها فى الأردن عن طريق ميناء العقبة- تعلمها بأنه بالنظر للمحاولات التى ظهرت من جانب السلطات الإسرائيلية بالنسبة لجزيرتى تيران وصنافر بالبحر الأحمر بمدخل خليج العقبة، أمرت الحكومة المصرية، وذلك بالاتفاق التام مع حكومة المملكة العربية السعودية باحتلال الجزيرتين احتلالًا فعليًا، وهذا الاحتلال الآن أمر واقع.
وقد تضمنت هذه المذكرة المرسلة بتاريخ 28 من فبراير سنة 1950 الفقرة التالية: ولما كان هذا الاحتلال لم توح به فكرة إعاقة المرور البرى على أى وجه فى المجال البحرى الذى بين الجزيرتين المذكورتين، وشاطئ سيناء المصرى، فمن المسلم به أن هذا الممر، وهو الوحيد الممكن سلوكه عمليًا، سيبقى حرًا كما كان بالماضى، وذلك وفقًا للعرف الدولى ومبادئ القانون الدولى المقررة.
وهذه العبارة هى التى دونها الدكتور وحيد رأفت مستشار الرأى لوزارة الخارجية فى مذكرته المؤرخة بتاريخ 23 من يناير سنة 1950 لوكيل وزارة الخارجية.
وفى 30/3/1950 قامت الحكومة المصرية بإبلاغ السفارة الأمريكية بالقاهرة بصورة من هذه المذكرة، وتنفيذًا للاتفاقية التى أبرمتها السلطات المصرية مع السلطات السعودية وافقت وزارة الحربية والبحرية المصرية أن تقوم مصلحة الموانئ والمنائر المصرية بإصدار منشور للقنصليات الأجنبية ولجميع شركات الملاحة تعلن فيه أن منطقة المياه الساحلية الواقعة غرب الخط الموصل بين رأس محمد ورأس نصرانى منطقة ممنوعة لا يجوز الملاحة فيها.
ولما وقع العدوان الثلاثى على مصر فى 29/10/1956 واحتلت القوات الإسرائيلية منطقة شرم الشيخ، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا بانسحاب إسرائيل من الأراضى التى احتلتها، إلا أن إسرائيل رفضت تنفيذ هذا القرار إلا إذا وجدت قوات طوارئ دولية فى هذه المنطقة عقب الانسحاب مباشرة، وأن تقوم قوات الطوارئ الدولية بكفالة حرية الملاحة البحرية فى مضيق تيران، وخليج العقبة، إلا أن الأمين العام للأمم المتحدة رفض هذه الشروط وأوجب أن يتم انسحاب القوات الإسرائيلية بدون قيد أو شرط.
هكذا درسنا فى كلية الحقوق فى الستينيات أن جزيرتى تيران وصنافر مملوكتان للمملكة العربية السعودية، وأنه على أثر احتلال إسرائيل لأم رشراش التى صارت تعرف الآن بميناء إيلات الإسرائيلى، اتفقت السلطات المصرية مع السلطات السعودية على أن تقوم الأولى باحتلال هاتين الجزيرتين، وتأكيدًا لذلك قامت السلطات المصرية بإخطار السفارة الأمريكية بالقاهرة والحكومة البريطانية بمضمون هذا الاتفاق، وقامت السلطات المصرية بتنفيذ هذا الاتفاق فوضعت مدافع شاطئية سيطرت بها تمامًا على الملاحة فى مضيق «الانتر برايس».
التخلى!!
وإن كان الإقليم، لم يدخل فى عناصر تكوين الدولة إلا فى بداية العصور الوسطى، عندما بدأت الدولة فى صورتها الحديثة فى الظهور، وكان الإقليم من الناحية القانونية، يعتبر فى المرحلة الأولى لتطوره ملكية خاصة من أملاك الملك أو الأمير، أو صاحب الولاية عليها، مهما يكن لقبه، لذلك كان علماء القانون قديمًا يذهبون إلى أن ملكية الإقليم تكتسب وتنتقل ملكيته بالأسباب ذاتها التى تكتسب بها الملكية الخاصة، كما تنتقل من مالك إلى آخر بالوسائل عينها، التى تنتقل بها الملكية الخاصة.
وقد ظهرت فى الفقه الدولى، وفى العرف المتواتر بين الدولة، نظرية صارت تقليدية، فيما يتعلق بأسباب دخول الإقليم فى سيادة الدولة، وفى ولايتها، وهذه النظرية تأثرت ببعض ما يجرى عليه العمل فى القانون الخاص، فى نطاق اكتساب الملكية، ونقلها بين الأفراد العاديين، وتقضى هذه النظرية بأن أسباب دخول الإقليم فى ولاية الدولة على نوعين: أسباب أصلية، وأسباب ناقلة، فأما الأسباب الأصلية فهى: الاستيلاء، والإضافة، وأما الأسباب الناقلة فهى: التنازل، والفتح والتقادم.
والاستيلاء هو فرض سيادة الدولة وولايتها على إقليم هو فى الأصل غير خاضع لسيادة أى دولة أخرى، وذلك بقصد إدخاله فى ممتلكاتها الإقليمية، فالإقليم الذى يجوز أن يكون محلًا للاستيلاء هو الإقليم المباح الذى لا تمتد إليه ولاية دولة أخرى.
أما الإضافة، فإن إضافة الملحقات للملك، فإنها تعد سببًا أصيلًا لامتداد سيادة الدولة وولايتها على الجزء المضاف، فالإضافة فى إقليم الدولة قد تكون طبيعية، وقد تكون صناعية، أى بفعل الإنسان، فكل زيادة فى إقليم الدولة تعد من نصيب الدولة، فسواء أتكونت جزيرة فى البحر الإقليمى للدولة الشاطئية أو سواء كانت الزيادة فى إقليم الدولة نتيجة إقامة جسور أو نتيجة تجفيف جزء من البحر الإقليمى عن طريق وضع السدود، فإن ما يترتب على ذلك من زيادة فى مساحة إقليم الدولة يدخل تلقائيًا فى سيادة هذه الدولة.
والتنازل: هو الاتفاق الذى ينتقل به إقليم ما أو جزء منه من ولاية الدولة المتنازلة ليدخل فى سيادة الدولة الأخرى المتنازل لها عنه.
أما الفتح: فهو احتلال إقليم الدولة كله أو بعضه بواسطة القوات العسكرية لدولة أخرى فى أثناء الحرب القائمة بينهما، وضم الدولة المنتصرة للإقليم المحتل بعد انتهاء الحرب أو بعد انتهاء العمليات العسكرية.
وأخيرًا التقادم: فإن مباشرة حقوق السيادة من جانب إحدى الدول على قطاع إقليمى تابع لدولة أخرى على صورة مستمرة وهادئة مدة طويلة بنية اكتساب السيادة عليه يكون سببًا لإدخال هذا القطاع الإقليمى فى سيادتها.
والثابت من مشاهدة أحداث التاريخ أن جزيرتى تيران وصنافر جزيرتان سعوديتان، وأن فرض السيادة المصرية عليهما -بصفة مؤقتة- لا يعد سببًا من أسباب كسب الملكية، لأن الاستيلاء الذى يعتبر سببًا لكسب الملكية هو الاستيلاء على إقليم غير خاضع لسيادة أى دولة، كما لا يمكن إضافة ملكية هاتين الجزيرتين إلى السيادة المصرية باعتبار أنهما من الملحقات، ذلك لأن هاتين الجزيرتين ليستا من الملحقات ولا يمكن كسب ملكيتهما على هذا الأساس.
كما أنه لا محل للاحتجاج بتنازل الحكومة السعودية عنهما، ذلك لأن الأخيرة لم تتنازل عنهما، بل طلبت من الحكومة المصرية احتلالهما بقصد الدفاع عنهما، وحمايتهما من أى اعتداء.
ولا شك أن مباشرة حقوق السيادة المصرية على هاتين الجزيرتين المدة سالفة البيان لا يمكن أن يكون سببًا لكسب ملكيتهما، لأن نية السلطات المصرية لم تنصرف إلى اكتساب ملكيتهما، بل إن نيتها انصرفت لأمر واحد، هو الدفاع عنهما وحمايتهما من أى اعتداء..
وإذ كانت هناك عدة أسباب لاكتساب الملكية، فإن هناك سببين أيضًا فى فقد السيادة على الإقليم، وهما «الترك» و«الانتقاص» من مساحة الإقليم، فالانتقاض من الإقليم يكون عادة بحكم الطبيعة، كما إذا غمر الماء جزيرة من الجزر التى تدخل فى إقليم الدولة أو ترتب على زلزال أو كارثة من كوارث الطبيعة زوال جزء من إقليم الدولة.
أما الترك فهو التخلى الاختيارى عن حيازة الإقليم بنية إخراجه نهائيًا من ولاية الدولة ومن سيادتها، ويشترط فيه، ليحدث أثره فى فقد السيادة، توافر العنصر المادى وهو التخلى عن الحيازة، والعنصر المعنوى وهو النية فى التخلى عن السيادة، واجتماع العنصرين معًا أمر لازم كى يعتبر الترك سببًا لفقد السيادة على الإقليم.
وإذ كانت الحكومة السعودية قد تخلت اختيارًا عن حيازة هاتين الجزيرتين للحكومة المصرية بقصد الدفاع عنهما وحمايتهما، إلا أن هذا التخلى كان بنية العودة إليهما فيما بعد، ومن ثم فلا يترتب على هذا التخلى فقدان سيادتها عليهما لعدم توافر النية فى التخلى عن السيادة.
هذا ما تعلمناه، وهذا ما يجب أن نعلمه لأولادنا، رحم الله أستاذنا الدكتور حامد سلطان الذى كان هدفه البحث عن الحقيقة والسعى إليها، بوصف أن الحقيقة وحدها هى التى تحرر النفوس، وبهذه الروح قدم إلينا فى خشوع وعلى استحياء كل ما تعلمناه على يديه من دروس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.