يسلط العالم أضواءه علي دول 'الربيع العربي' التي قطعت شوطا في إعادة تشكيل مجتمعاتها، بعد الخروج من مرحلة الظلام والاستبداد إلي ربيع الديمقراطية.. أو ما بدا أنه نهاية للتخلف والتعصب الذي يقترب من ديكتاتورية الأقلية أو نظام طالبان. لا سيما أن ثمة طابعا إسلاميا غلب علي الثورات التي قامت في تونس ثم في مصر. وجاء فوز حزب النهضة الإسلامي في انتخابات المجلس التأسيسي في تونس بمثابة رسالة موجهة إلي أطراف عالمية ومحلية عديدة. حيث جاءت النتائج النهائية للنهضة متقدمة علي أحزاب اليساريين والديمقراطيين. واتخذ هذا الفوز مؤشرا لما يمكن أن يحققه حزب الحرية والعدالة في مصر في الانتخابات التي لم تعلن نتائجها بعد. وقد يكون هذا التنبؤ سابقا لأوانه بالنسبة لمصر.. فتونس بلد صغير مساحة وسكانا، فضلا عن البون الشاسع في نسبة التعليم ومستوي الدخل! ولكن أكثر ما يلفت النظر هو اختلاف الرؤية الحضارية في تونس وتأثرها الشديد بأوروبا للقرب الجغرافي. مما حقق لها نظاما حزبيا متماسكا، يعبر عن مجتمع أكثر حيوية وارتباطا بالمبادئ والأفكار. من هنا بدا التخلص من نظام قديم مهترئ، وإحلال نظام آخر أكثر تقدما يمكن المحافظة فيه علي العناصر الصالحة من القديم والبناء عليها أمر ممكن، ولا تواجهه عقبات الهدم من الجذور.. كما هو الحال عندنا! ومن هنا بدت النغمة الوفاقية التشاركية التي خاطب بها الغنوشي أهالي تونس وحقق الفوز لحزبه وهو يطالب الجميع بالمشاركة في كتابة الدستور وإقامة نظام ديمقراطي. وخاطب المخاوف التي تثار ضد الإسلاميين، ووعد بالحفاظ علي المكاسب التقدمية التي حققتها المرأة. ووعد بتقوية دورها في صناعة القرار السياسي بما يمنع الارتداد عما حققته من مكاسب. وأعاد الغنوشي طرح قضية الحجاب. وهي قضية ساخنة في تونس وفي الأقليات المهاجرة ليؤكد أن للمرأة حضورها في الحكومة المقبلة. وهو ما عبر عنه بقوله: سنعمل علي أن تمثل المرأة المحجبة وغير المحجبة لتعكس واقع الحياة التونسية.. ستترك الحكومة للناس حقوقهم فيما يلبسون ويأكلون ويشربون. النهضة لا تريد تحول الناس إلي منافقين.. وأحب إلينا أن نري وجوها عارية من أن نري وجوها منافقة! من الواضح أن دور المرأة في الحياة السياسية التونسية وبالذات في حزب النهضة الذي فاز ب41 بالمائة من مقاعد المجلس التأسيسي، وهو دور أساسي. ولم يكن غريبا أن تفوز المرأة ب49 مقعدا في المجلس، من بينهن 42 امرأة من حزب النهضة. هذا الوضع في تونس حيث يسير الاتجاه الإسلامي نحو الاندماج في الحياة الاجتماعية بطريقة سلسة معتدلة تسعي إلي التوافق مع روح العصر، وتشتبك مع مشكلات الحياة اليومية والاقتصادية هي ما يتوقعه العالم من دعاة النهضة الإسلامية ومن الأحزاب التي تتخذ من الإسلام غطاء لبرامجها. في المقابل.. نحن لا نجد في حزب الحرية والعدالة 'الإخوان المسلمين' ولا في تصريحات قياداتهم ما يشير إلي خطوات محددة بالنسبة للمرأة أو الأسرة أو الاقتصاد، يمكن أن تكون بمثابة الدليل لبرنامج عمل تستوعبه الجماهير ويبدد المخاوف التي سيطرت علي فكر الكثيرين في مصر. وعندما أدلي القيادي البارز صبحي صالح بجماعة الإخوان المسلمين بآراء في هذا الصدد، لم يقترب من الناس إلا من خلال قضية الزواج بين أفراد الأسرة الواحدة. ونسبت إلي بعض زملائه تصريحات عن السياحة وضرورة إضفاء الشرعية علي الملابس والمشروبات التي يستخدمها السائحون. ويتسع الحديث الآن دون إيضاح كاف عن تطبيق الشريعة الإسلامية تدريجيا. وليس من المفهوم كيف يمكن أن يكون تطبيق الشريعة تدريجيا في بلد يستمد قوانينه وتشريعاته من الشريعة الإسلامية بالفعل؟! يتساءل الكثيرون، وهم يرون علامات النجاح تغزو تونس ومظاهر الفشل تهدد التجربة المصرية، كيف تنجح تونس وتفشل مصر؟ فينكشف للكثير أن الذكاء السياسي والجدية في العمل الحزبي علي جميع المستويات هو الطريق الصعب إلي المسئولية!