كتاب «الإيمان والقوة.. الدين والسياسة فى الشرق الأوسط»، للمستشرق البريطانى الأمريكى اليهودى الأصل برنارد لويس، أستاذ دراسات الشرق الأوسط بجامعة «برنستون بالولايات المتحدةالأمريكية»؛ هو من أحدث إصدارات المجلس القومى للترجمة بالاشتراك مع «دار الكتاب العربى» بدمشق. وترجم الكتاب إلى العربية أشرف محمد كيلاني، الكتاب الذى صدر بالإنجليزية عام 2010 يعد الأهم فى سلسلة كتب «برنارد لويس» التى تُعنى – بالأساس – بالعلاقة الجدلية التفاعلية بين الغرب والأيديولوجيا الإسلامية أو «الإسلام». ويعتبر الكتاب مزدوج الأهمية من جهتين: الأولى هى أهمية شخصية المؤلف «برنارد لويس» لكونه المرجعية الفكرية وصانع الأطر النظرية للإدارات الأمريكية المتعاقبة ووضع يدها على الآليات النافذة للاستحواذ على الشرق الأوسط وإذلاله والاستيلاء على مقدراته، وله فى هذا الصدد شعار خطير يقول: «إما أن نضعهم تحت سيادتنا أو ندعهم ليدمروا حضارتنا». وهو -أيضا– صاحب النظرية التى تتبناها واشنطن والتى مفادها أن «الطريق إلى الديمقراطية فى الشرق الأوسط لا بد أن تمر عبر التقسيم، والتى ولد من رحمها شعار «الفوضى الخلاقة» الذى رفعته كوندا ليزا رايس مستشارة الأمن القومى الأمريكى الأسبق. والآلية الرئيسية للتقسيم هى إثارة النعرات الإثنية والطائفية والمذهبية، وما داعش إلا إحدى تلك الأدوات التى بدأت بالفعل فى تفجير اللغم السنى – الشيعى فى المنطقة وبدأت التقسيم بالفعل. وهو -أيضا- صاحب نظرية الحرب على الإرهاب التى أقنع بها الرئيس جورج دبليو بوش وإدارته. وأما الجهة الأخرى التى تمنح الكتاب مزيدًا من الأهمية فهى حزمة الأفكار المبلورة والنهائية والعنصرية التحريضية ضد العرب والمسلمين. فقراءة الكتاب أشبه ما تكون بعملية استكشاف للطريقة التى تفكر بها النخبة السياسية الأمريكية، والآلية التى تعمل بها الإدارات فى واشنطن لإحكام الخناق حول دول الشرق الأوسط ؛ بهدف إخضاعها لهيمنة واشنطن وحليفتها تل أبيب. كما يحرض «برنارد لويس» فى كتابه على تغيير الأنظمة وتنصيب أنظمة موالية، بعد تقسيمها إلى كيانات وكانتونات صغيرة، وإطلاق الرصاصة الأخيرة على الدولة الوطنية ؛ لكى تبدأ حقبة الانقسام المذهبى.. ويتعرض الكتاب لفكرة الديمقراطية ومفهومها فى العالم العربى وهل تتوافق مع الدين الإسلامى أم لا. فينفى عن تلك الدولة التى نشأت فى كنف الدين مبدأ الطبقية، ومسمى السلطات الزمنية. فلا فضل لأحد إلا بالتقوى ولكن يظل دائما الفارق بين التعاليم والنصوص وبين تلك الوقائع، فبداية من الخليفة وأمير المؤمنين وصولا إلى جلالة الملك والأمير والسيد الرئيس لم يتغير الأمر إلا بتغير المسميات فقط، ويبدو ما شهده التاريخ من حالات تحققت فيها العدالة والمساواة قاصرًا على طبيعة الشخصيات الحاكمة، دون أدنى استناد إلى فكرة أو قواعد قانونية أو أعراف تنتظم من خلالها طريقة عمل وأداء السلطة الحاكمة. وينتقد «لويس» بشدة طبيعة النظم السياسية فى المنطقة العربية ويصفها جميعا بأنها «الديكتاتوريات الشرق أوسطية»، ولكنه يتعامى عن كيفية نشوء وتعاظم دور هذه الديكتاتوريات وقمعها لشعوبها، وكيف ساعد الغرب هذه الأنظمة الشمولية عندما تحقق له مصالحه، ثم يتساءل «لويس»: هل يمكن نقل الحرية إلى شعوب الشرق الأوسط ؟ وهو يعترف بصعوبة المهمة فالوضع الآن مضطرب وشائك، وثمة العداء المتأصل للغرب؛ لأنه مؤيد للنظم الديكتاتورية الشرقية. ورغم اعترافه بصعوبة المهمة فهو يدعو إلى الاستمرار والمساعدة فى تطوير المؤسسات الحرة ويختم بعبارته الدالة وهى : «إما أن نأتى إليهم بالحرية أو أن يدمرونا».