بعد أن انتهى أسبوع الآلام عند أشقائنا المسيحيين وتزامنت معه تفجيرات إرهابية «جبانة» كان لابد للحياة أن تستمر وأن تهزم دقات الفرح فى الكنائس تلك الحالة الحزينة التى يشعر بها المصريون جميعا. بحثنا معهم عن الفرحة وقررنا أن نكشف بعض تفاصيلها. فكانت الفكرة أن نذهب لحضور «حفل» زفاف فى الكنيسة أو «إكليل» لنعرف طقوسه وبعضا من تفاصيله التى ربما لا يعرفها الكثيرون منا. خاصة أن حفلات الزواج تتم خلال هذه الأيام قبل بداية الصوم الجديد للأقباط والذى لا يستحب فيه عقد الزيجات. وفى كنيسة مار مرقص بمصر الجديدة كانت «دعوة فرح» الدكتور مرقص جميل ومادونا ماهر هى السبيل لمعرفة بعض من الطقوس التى ترتبط بالزواج الذى يعد عند المسيحيين أحد أسرار الكنيسة السبعة وتطبيقا لمقولة السيد المسيح: )أما قرأتم أن الذى خلق من البدء، خلقهما ذكرًا وأنثى(. وأن الزواج يجعل الاثنين جسدًا واحدًا «فالذى جمعه الله لا يفرقه الإنسان». فى التاسعة تمامًا كانت بداية الحفل على باب الكنيسة حيث رحبت بنا والدة العروس ماجدة دميان وأخوها ماريو ماهر شاب فى العشرينيات من عمره جميل مبتسم الطلعة يطلق ذقنه قليلا «ألم نقل لكم إن المسلم والمسيحى فقط تعرفونه عند دخول كليهما مكان صلاته. وقالت: «مصر ستظل بخير. رغم الألم والجرح. فرح ابنتى كان حولى كل أصدقائى المسلمين وأحيوا معنا ليلة الحنة المصرية التى لا تختلف بين بيت مسلم ومسيحى. فمن حولى يقف أصدقاء ابنى ماريو محمد وياسين وبيشوى» كلهم فى سن متقاربة وشكل واحد فرحين بالعروسة وجاءوا ليباركوا لنا. ليضيف لنا مجدى دميان: كل احتفالتنا واحدة أما عند الإجراءات فكما يذهب المسلم إلى المسجد لكتب الكتاب نذهب نحن إلى الكنيسة لإتمام «الجبانيوت» إذا كانت خطوبة أو نصف اكليل. أو زفاف بإكليل كامل. و«الجبانيوت» للخطوبة يتم بمراسم داخل الكنيسة -كما يقول مجدى- إنه تتم فيها كتابة محضر بعد مباركة «أب الاعتراف» ويتم الاتفاق على كافة تفاصيل الزواج وتحديد ما الذى سيقوم به كل من العريس والعروسة بتجهيزه «السفرة وغرفة النوم والأجهزة الكهربائية» مثل أى بيت مصرى مسلم أو مسيحى، الفرق فقط أنه لا يوجد لدينا مهر أو مؤخر صداق لأنه «لا طلاق فى المسيحية» إلا بشروط قاسية ونادرة. توثيق العقد عقد الزواج يتم توثيقه فى المحكمة حيث يحضر العروسان -كما يقول والد العريس المهندس جميل تامر- حيث يتم إحضار شهادة معتمدة من الكنيسة تسمى «إخلاء موانع» للعروسين موقع عليها من «أب الاعتراف» وهى شهادة توضح موقف العروسين وأنهما لم يسبق لأى منهما الزواج قبل ذلك. كما يتم إحضار شهادة طبية من مستشفى حكومى بعدم وجود موانع طبية ثم يأخذ القسيس كل الأوراق الرسمية وشهادات الميلاد وبطاقات الرقم القومى لتقديمها إلى الكاتدرائية للموافقة؛ ليتم بعدها التجهيز لإتمام أكليل الزواج بالكنيسة. دقات الأجراس دقات الناقوس المتسارعة تعنى أن هناك «فرحًا» فى الكنيسة التى تحضر إليها العروس بفستانها الأبيض ومعها وكيلها ليسلمها لزوجها تطبيقا لتعاليم المسيحية التى تقول «تسلم زوجتك فى هذه الساعة المباركة بنية خالصة ونفس طاهرة وقلب سليم وتجتهد فيما يعود لصالحها، وتكون حنونًا عليها وتسرع إلى ما يسر قلبها». تتعالى الزغاريد من أقارب العروسين بدخول مادونا ومرقص إلى قاعة الكنيسة ونحن معهم لنعرف باقى مراسم الزواج التى تعلن عنها الترانيم التى ترددها فرقة الشمامسة التى تصطحب العروسين من صحن الكنيسة إلى داخل القاعة التى يجلس فيها الرجال على يسار القاعة والسيدات على اليمين والعروسان على مسرح صغير وأمامهما «الأب» الذى يتمم مراسم الإكليل التى بدأها بالسلام على العروسين ومباركتهما ثم يقرأ بعض الصلوات وبعدها يفتح «ستارة» صغيرة يظهر منها «المذبح» ثم يقوم بنفسه بوضع «روب أبيض على بدلة العريس ومثله على ثوب العروسة ويدهن رأسيهما بالزيت يسمونه «زيتًا للتقديس والبركة حسب العهد القديم قول: «مسحت بالدهن رأسى» ويعتبر المسيحيون دهن هذا الزيت للعروسين مسحة للطهارة وسلاحًا ضد الشهوات والرذيلة ويحميهما من أفعال الشيطان وأن فيه صحة وشفاء وهو زيت البهجة والفرح وكان يستخدم فى العهد القديم لمسح الملوك وهو ما ينطبق هنا على العروسين «الملكين فى مملكة الأسرة الجديدة»، بعدها ارتدى العروسان التاج رمزًا للشرف العظيم الذى يناله الإنسان بالارتباط, وطلب الكاهن من الحضور الوقوف ثم أخذ يتلو بعض الوصايا التى تتحدث عن الطاعة والاحترام الذى يجب أن يتبادله العروسان ويتلو الكاهن لكلا العروسين وصية خاصة للالتزام بها من ناحية الطاعة والاحترام المتبادل والإخلاص والوفاء. ثم بعدها اقترب الكاهن مرة أخرى من العروسين ومعه منديل أبيض، أخرج منه دبلتى العروسين لنقلهما إلى اليد اليسرى ثم يوصى العروسين بالرحمة والمودة وأن تكون العروس هى الزوجة الوفية المطيعة التى لا تخالفه الرأى. وبعدها يقوم العروسان من على كرسيهما ويركعا أمام الهيكل بعد أن يضع كلاهما يديه اليمنى مغطاة بالمنديل الأبيض على الكتاب المقدس أمام الكاهن وتكون رأسهما معًا متقاربة ثم يقف الجميع ليصلون «أبانا الذى» ويستمر الكاهن فى تلاوة الصلوات ونثر البخور فى المكان، ثم يأمر الجميع بالانصراف بعد توقيع العريس والشهود على باقى أوراق الزواج أمام كل الحاضرين؛ ليخرج العروسان فى زفة أخرى مع الأهل والأصدقاء إلى صحن الكنيسة لالتقاط الصور والتهانى وإعلان الفرحة التى تتحدى كل الظروف الصعبة وتعلن للجميع أن مصر باقية بكل محبيها «مسلم فى المسجد ومسيحى فى الكنيسة».