«عبدالناصر» شيد المصانع وحقق الطموحات وأعاد الحقوق جاءت ثورة 23 يوليو 1952 لتسلط الضوء على عمال مصر، وترسم خريطة جديدة للطبقات الاجتماعية وتحقق الأحلام والطموحات وترد الحقوق للعمال تماما كما ردتها للفلاحين وفئات المجتمع المصري. أقامت وشيدت المصانع ومنحت الحقوق للعمال وبنت المساكن بجوار المصانع إشفاقا عليهم، وتوالت السنوات وأصبحت الصناعات متصدرة الأسواق، ولكن لم يرد الغرب للمارد المصري أن ينطلق ويحقق النجاحات، فغيروا الثقافات وساد عصر الانفتاح فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وشيئا فشيئا تسللت الخصخصة فى عهد مبارك تحت ستار العولمة والسوق الحر وتبدلت المفاهيم وتتبدل معها أحوال العمال ومكتسباتهم التي لم ترق للغرب!! يتذكر الحاج عبد الغنى سلامة عامل سابق بشركة السكر بالحوامدية، أياما لا تنسى من حياته عندما كان عاملا بشركة السكر قائلا قبل الثورة كان العامل كفلاح عبد عند صاحب المصنع أو الأرض، ولكن جاءت الثورة لتحول الحلم للحقيقة فخصصت نسبة للعمال والفلاحين في مجلس الشعب، ليكون لنا من يتحدث عنا وعن مشاكلنا ومعاناتنا، وعاش العامل العصر الذهبي ولم نكن نتخيل يوما أن يحصل العامل المصري على حقوقه ويستطيع أن يعبر عن رأيه في المصنع ويناقش الإدارة ويطالب بحقوقه، كنا نحصل على كوبون من الشركة ونذهب للشركات والمصانع المصرية ونشترى لأولادنا ولنا الملابس والمنتجات،في الأعياد والمناسبات، الكساء الشتوي والصيفي، إلى جانب حقوق العامل داخل مصنعه يكفى حق الإضراب والاعتراض بعد أن كان العامل يضرب بالكرباج ولا يستطيع حتى الحديث. وتم إنشاء المجلس القومي للإنتاج الذي انشأ بدوره شركة الحديد والصلب المصرية والعديد من الشركات التي كانت نواة للقطاع العام مما مهد لظهور برنامج النمو الصناعي الذي أعده الدكتور عدلى صدقي عام 1959 وكان تراكما للخبرة الصناعية، وشعر عمال مصر بكيانهم. ويتذكر الحاج سعد عبد العال عامل بشركة الغزل بالمحلة الأيام الأولى للثورة قائلا يكفى القانون 165 لسنة 1953 الذي أقر بمنع فصل العاملين تعسفيا، بعد أن كان العمل يجد نفسه بالشارع دون حتى أن يعرف السبب، وتم تحرير العمال من التبعية الاقتصادية لأصحاب العمل، وتشجيع النقابات العمالية، فحين قامت الثورة كانت نقابات العمال ينظمها القانون رقم 85 لسنة 1942 ولم يكن مسموحا للعمال ولا موظفي الحكومة إنشاء نقابات تعبر عنهم، وترعى مصالحهم وتدافع عن حقوقهم. ولكن جاء القانون رقم 319 لسنة 1952 ليبيح للممرضين والعاملين في المستشفيات غير الحكومية تكوين نقابات، وبعده بسنوات قانون العمل الموحد رقم 91 لسنة 1959. ليكون نقابة عامة واحدة، على مستوى الجمهورية مع التصريح لها بأن تشكل نقابات فرعية في المديريات أو المحافظات كما أن لها تشكل لجان نقابية في المؤسسات المشتغلة بنفس الصناعة أو المهنة إذا كان عدد العمال المنضمين للنقابة في المؤسسة 50 عاملا فأكثر. الأوضاع تتغير لم تستمر الثورة الوردية كثيرا للعمال في مصر خاصة مع دخول سياسة الانفتاح وتغير وتبدل المفاهيم والثقافات، فترى ناهد مجدي بالمعاش وعضو نقابة بشركة الغزل والنسيج أن فترة السبعينيات ومع بداية عصر الانفتاح بدأت الطبقة العمالية تعانى أضرارا كثيرة مع سياسيات السادات القائمة علي الانفتاح الاقتصادي وعودة رأس المال للحكم تحت اسم رجال الإعمال وعدم التزام الدولة بتعيين الخريجين وخطاب القوى العاملة الذى كان الخريجون ينتظرونه، وبدأ عصر الانفتاح بفتح الأبواب لرجال المال والأعمال الذين سيطروا على ثروات البلد تحت دعوى تشجيع الاستثمار وتمهيد الطريق للاقتصاد الحر، والتحول من الاشتراكية للرأسمالية، وبدأت الصلة الودية بين العمال والدولة تتأزم وأصبحت ألقاب العمال والفلاحين صفات انتخابية يستخدمها الرأسماليون للوصول إلى مقاعد مجلسي الشعب والشورى وفوجئ العمال بتدهور مستواهم المعيشي وقاموا بالإضراب عن العمل وظلت الإضرابات لأكثر من خمس سنوات منذ أواخر 1971، وكان للمتظاهرين مطالب اقتصادية ذات طابع سياسي . وشهدنا لأول مرة تفاوت المرتبات بين العمال والمديرين واختفت لغة المساواة والعدل التي رسخت لها ثورة يوليو. ويتذكر النقابي بشركة غزل المحلة فهمي جلال أحداث أكتوبر عام 1976، عندما حاول السادات تنظيم احتفال النجاح بالاستفتاء إلا أن عمال هيئة النقل العام انتخبوا مندوبين يمثلونهم من خارج اللجنة النقابية وطرحوا المطالب بصورة احتجاجية لم تكن معروفة من قبل ومنها حل النقابة، وخفض ساعات العمل إلى سبع ساعات، وصرف تعويض عن زيادة نفقات المعيشة وهاجمت قوات الأمن المركزي العمال باستخدام قنابل الغاز المحرمة دوليًا، فرد العمال عليهم بخراطيم المياه، وتضامن الأهالي مع العمال وحاربوا الشرطة باستخدام الحجارة ولم ينه العمال إضرابهم إلا بعد الاستجابة لمطالبهم. وجاء مبارك ليستكمل سياسة الانفتاح ويبتكر الخصخصة التي أدت إلى تشريد العمال وخروج الآلاف إلى المعاش المبكر، وزادت الاعتصامات العمالية بشكل كبير خاصة في السنوات الأخيرة من حكمه حتى وصلت إلى مقر مجلس الوزراء، وتبقى الذكريات ويبقى حال العمال يحتاج إلى نظرة من الدولة لإعادة فتح المصانع المغلقة وتشغيل المتعثر منها.