أيام قليلة تفصلنا عن موعد إجراء المرحلة الثانية والنهائية من الانتخابات الرئاسية بفرنسا والتى ستجرى الأحد المقبل الموافق السابع من مايو الجارى، وذلك بعد خروج مبكر ومدوى لمرشحى اليمين واليسار التقليديين والمتمثل فى المرشح الجمهورى ورئيس الوزراء الأسبق فرانسوا فيون، واليسارى الراديكالى جان لوك ميلنشون بعد حصول كل منهما على أقل من نسبة 20% ثم المرشح الاشتراكى بنوا هامون الذى حل خامسًا فى الترتيب بنسبة 6% مما سمح بمرور كل من المرشح المستقل إيمانويل ماكرون ومارين لوبين رئيسة حزب الجبهة الوطنية للمرحلة الثانية لتأتى النتائج الانتخابية هذه المرة قريبة من استطلاعات الرأى وآراء المحللين باستثناء حصول ماكرون على المرتبة الأولى بنسبة 24% مكان مارين لوبين التى جاءت ثانية بنسبة تقارب 22% على عكس التوقعات. وإذا كانت الجولة الأولى ميزت ماكرون فى السباق نحو الإليزيه فإن الجولة الثانية لن تكون مضمونة بسبب تقارب النسبة بين المرشحين، ولكن الجولة الحاسمة لكلا المرشحين سوف تحسم من خلال استفادة كليهما من نسبة الأصوات الكبيرة التى حصل عليها المرشحين التسعة الذين حصدوا مجتمعين على ما نسبته 54% من الأصوات إضافة إلى الحركة النشطة لقادة الأحزاب وقادة المؤسسات والنقابات بفرنسا، وهو ما يربك الحسابات ويجعل النتائج غير محسومة باعتراف إيمانويل ماكرون نفسه الذى يقر بتغيير آراء الناخبين فى اللحظات الأخيرة وفق توجهاتهم، وهو ما نبه إليه أيضا الرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند الذى دعا إلى مؤازرة ماكرون باعتباره محسوب على رجاله ورجال اليسار وحثه الفرنسيين على قطع الطريق على مارين لوبين التى شكلت خطرا على القيم والمكتسبات الفرنسية بسبب أفكارها الشعبوية ولهذا فإن هولاند نبه لخطورة الموقف وبعدم الاستهانة بما حققته لوبين من نتائج بالدور الأول ودعا الجميع للذهاب لصناديق الاقتراع لأن عدم ذهابهم يمكن أن يكون فى صالح الجبهة الوطنية وعلى حساب ماكرون، ولا يغيب عن الأذهان أن مارين لوبين قد حققت بحصولها على تلك النسبة ما لم يحققه والدها جان مارين لوبين فى الدورة الأولى أمام شيراك فى انتخابات عام 2002 وهو ما يدفع أنصارها للحشد والدفع نحو تحقيق الفوز وتحقيق التغيير الذى يرنو إليه كثير من الفرنسيين على غرار ما حدث فى الانتخابات الأمريكية وصعود الشعبويين فى أمريكا وأوربا، صحيح أن بعض قادات الأحزاب قد أعلنوا تضامنهم مع ماكرون إلا أن لوبين النشطة هذه الأيام تملك آلة انتخابية قوية وقادرة على الحشد، كما تتلاقى أفكارها وبرنامجها الانتخابى مع بعض مرشحى الدور الأول كفرانسوا فيون وجان لوك ميلنشون الداعين لخروج فرنسا من الاتحاد الأوربى والقرب من العمال والطبقة الفقيرة ومعاداة العولمة المتوحشة التى ينتمى إليها ماكرون الذى يعتبره الناخبون امتدادًا لعهد هولاند المرفوض شعبيًا، ولهذا فالحسابات وفق التوقعات والتحليلات غير محسومة بسبب ميل الفرنسيين لإجراء التغيير على غرار الدول الكبرى بعد أن ضاقوا ذرعًا بالأحزاب التقليدية التى ظلت مسيطرة على العملية السياسية لعهود طويلة لم يجنوا خلالها غير البطالة وتراجع القوى الشرائية أمام شبح الهجرة والمهاجرين والإرهاب وكل ما يشكل خطرا على الهوية وهو ما تعانى منه فرنسا التى تعيش هذه الأيام فى حالة من الترقب والقلق وهى تطوى صفحة وهى منهكة ومستضعفة على الساحة الأوربية والدولية وتعانى من صداع واختلاف وعدم توحد بين نسيجها الوطنى لتصبح فى المجمل تواقة لإجراء التغيير، فمن يا ترى سيحسم السباق للتربع على عرش الإليزيه.