كيف نجح الفكر المتطرف فى اجتذاب الشباب وتجنيدهم لخدمة مخططات إرهابية؟ وما الذى يدفع شباب مسلم للانجرار خلف الأفكار المتطرفة؟! هذا السؤال طرح نفسه، وفى أعقاب تفجير كنيستى مار جرجس والمرقسية، و«الأسبوع» تبحث الدوافع والأسباب الاجتماعية والثقافية التى ساهمت فى نشر الفكر الإرهابى المتطرف فى المجتمع المصرى من منتصف سبعينيات القرن الماضى حتى وقتنا الحالى. تقول د. دعاء الحسينى, أستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة عين شمس, والباحثة بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية: «إن الفرد ما هو إلا دمية يحرك خيوطها المجتمع كأسباب متشابكة ومتداخلة كلها تعمل بأقدار متفاوتة ولكنها فى النهاية لها آثارها القوية، إما فى نشأة مجتمع قوى ومترابط وإما مجتمع ما هو إلا مكان لتفريخ عناصر متطرفة. وتابعت: مثلما تعددت نسبية حدة الاعتدال الفكرى بين المجتمعات وفقًا لقيم وثقافة وعادات كل منها، تعددت مفاهيم التطرف إلى حد جعل من الصعوبة بمكان تحديد أطرها، ولكن يعد القصور المجتمعى أحد أهم العوامل المسئولة عن تفشى ظاهرة الإرهاب, فالتطرف يعرف بأنه الخروج عن القيم والمعايير والعادات الشائعة فى المجتمع، وتبنى قيم ومعايير مخالفة لها؛ بهدف فرض قيم ومعايير مغايرة, وفرض الرأى بالقوة، وهو أحد أشكال الإرهاب، والإرهاب المنظم». وعن أهم الأسباب الاجتماعية التى دفعت الشباب للانضمام إلى الجماعات المتطرفة تابعت «الحسيني» : «يعد فقدان الثقة فى النظام الاجتماعى القائم على الفروق الشاسعة وغياب العدالة بين فئات المجتمع أحد أهم الأسباب التى أدت إلى انهيار الانتماء للوطن وزيادة غريزة الموت والميل التدميرى, فالشباب اليوم مصابون بحالة يأس من إصلاح أحوالهم المادية عن طريق مشروع بعدما أصبح العمل غير مقترن بحسن الجزاء. وأوضحت: أنه عندما يكد الشاب ولا يجد المقابل بينما تتفشى كافة طرق الكسب غير المشروعة كالفساد الذى ينهب خيرات البلاد دون أدنى معالجة من قِبل السلطات بالعقاب الرادع, يتولد لدى فئات الشباب الإحساس بالظلم ويسهل اقتيادهم وتطويع الغضب بداخلهم ، فيحارب الشاب المجتمع بل يكفره, وهو ما يعرف بالظلم الاجتماعى, مؤكدة أن هذا التباين بين الطبقات وهذه الظاهرة يفترض على الدول التى تعانى الإرهاب القضاء عليها وخلق بيئة أكثر مساواة. وأشارت «الحسينى» إلى أن الصراعات السياسية والحزبية بين فئات المجتمع من العوامل التى تزيد من التطرف فقلة فرص الإنتاج بيئة خصبة للإرهاب والعنف المجتمعي, فإذا ثبت أن جميع السبل قد سُدَّت أمام إمكانية اللجوء إلى أساليب أخرى كالضغط السياسى للوصول إلى المطالب، فمن الممكن أن يقوم بعض المنتمين إليها باللجوء إلى الأعمال غير المشروعة ولو لمحاولة جذب الانتباه إلى قضيتهم العادلة, بالإضافة إلى أن التناقض الفاضح بين ما تحض عليه الأنظمة السياسية الحاكمة من مبادئ وما تدعو إليه من قيم إنسانية ومثاليات سياسية رفيعة وبين العنف حتى إن كان فى سبيل محاربة الإرهاب وغياب عدالة القانون جميعها عوامل اجتماعية تُفقد الفرد انتماءه لوطنه ومؤسساته، كما يُفْقِدُه التواصل الاجتماعى والتفاعل الإيجابى مع محيطه فيعتبرها البعض من ضعاف النفوس دوافع قوية للإضرار بالآخرين». وعن كيفية مواجهة الفكر المتطرف والتنظيمات الإرهابية على أرض الواقع، قالت «إن التحدى الأكبر أمام المجتمعات العربية والإسلامية يتجلى فى كيفية أولا: مكافحة التطرف دون التعدى على حريات المواطنين ودون تعنيفهم أو قهرهم لاسيما أن هذه الإجراءات التى تتخذها بعض الأنظمة للقضاء على الإرهاب تُفاقم من الوضع وتزيد من عدد المنضمين للجماعات الإرهابية يوما تلو الآخر, ثانيا: سرعة العمل على الإصلاح السياسى بتحقيق العدالة فى توزيع الثروة بين كافة فئات المجتمع خاصة أن المجتمعات الطبقية تولد لدى الفئات الفقيرة الإحباط مما يدفع بعض الأفراد للانخراط فى صفوف الإرهاب. مع العمل على زيادة الروابط الاجتماعية بين الأفراد والجماعات ومعالجة الاحتقان السياسى الذى نشأ فى مصر منذ عشرات السنين بين الأحزاب والأيدولوجيات المختلفة». يلعب كل من المستويين التعليمى والثقافى دورًا مهمًا فى ارتكاب جرائم الإرهاب فقد دلت بعض الدراسات التى أجريت على أن الجريمة تزداد عند الأميين الذين لا يعرفون القراءة والكتابة ولكن العلماء لم يتفقوا على تحديد العلاقة بين العلم والجريمة.. حيث يرى بعضهم أن الجريمة والتعليم وان كل مدرسة يتم فتحها يقابلها إغلاق سجن من السجون. فالشخص المتعلم تتكون لدية مجموعة من القيم العليا تقوى نفسه، ويرى البعض ان ارتفاع التعليم يزيد من الجريمة. والبعض ينفى العلاقة بين التعليم والجريمة على الجهتين نخلص إلى القول حسب الدراسات التى أجريت إن هناك ارتباطا وثيقا بين المستوى التعليمى والعمل الإرهابى فكلما قل مستوى التعليم والتثقيف كلما زادت فرص العمل الإرهابى عند الشخص. وفى هذا السياق أوضح د.محمد الخطيب أستاذ تطوير وتنمية الموارد البشرية بجامعة عين شمس, أن التطرف الفكرى والإرهاب دائمًا ما يكونان مرتبطين بالتدهور الثقافى والفكرى والعلمى والفنى وقتل للإنسان باعتباره كائنًا مبدعًا وخلاَّقًا, مؤكدًا: «لا يمكن للفكر المتطرف سواء كان دينيا أو سياسيا ان ينتشر ويتمدد فى المجتمعات إلا فى حالة الجمود والانغلاق العقلى وتعطيل القدرات الذهنية عن الإبداع والابتكار, وفى عالم سريع التغير، فإن انتشار هذه الحالة يكون مُهَدِدًا، ليس لتطور المجتمع فحسب، بل لوجوده واستمراره, وهنا لابد أن ندرك أن التطرف سبب ونتيجة فى آن واحد للتخلف والركود الفكرى», وعن كيفية تأثير الثقافة والعلم على دحر التطرف تابع «الخطيب» قائلا: «إن عيوب وسائل التعلم والتثقيف فى مصر سواء فى المدارس أو الجامعات أو الإعلام سبب رئيسى لتفشى الإرهاب بالمجتمع». وقال: فمنذ خمسينيات القرن الماضى والوسائل التثقيفية فى مصر من إعلام مرئى ومسموع و مقروء تعتمد على أسلوب التلقين لا التفكير والبحث يوجه خطابًا عدائيًا, لا يستهدف تنوير أفكار المجتمع بما يواجههم من تحديات فى هذا العصر وهو ما خلق أجيالًا غير متسلحة بالثقافة المناسبة من الناحية الإسلامية والمجتمعية كقبول الآخر وترسيخ مبادئ المواطنة، مما يكون له الأثر السلبى على سلوك واتجاهات بعض الأفراد من خلال تطور الفكر المتطرف فى مصر». مؤكدًا أن كافة وسائل الإعلام بشكلها الحالى تجمد الفكر وتسطحه وتملؤه بأفكار وبرامج تدعم الإرهاب والعنف بطرق مباشرة أو وقتية غير مباشرة, وعن الحلول التى يجب على الدولة اتباعها للحد من تفاقم ظاهرة الإرهاب، وأوضح الخطيب أن الاهتمام بالعقول وإثرائها بالمفيد واستثارتها للتفكير والتحقق يتطلب التناول العلمى فى النظر إلى الأمور وإعطاء أهمية للحوار الفكرى مع الآخر وتبنى الإعلاميين والمثقفين حوارًا منضبطًا وجادًا, مع العمل على تجديد كافة وسائل التثقيف بالبعد عن إلقاء التهم وبث الفرقة, مع الحث على الرفق, والتسامح, وحب الآخرين, والبعد عن الظلم والاعتداء وغير ذلك مما يدعم الأمن والحب والعدالة بالمجتمعات, ولابد من إظهار هذه المحاسن والأخلاقيات للأطفال والمراهقين, ونستخلص من ذلك أن الانتصار على الإرهاب هو معركة من أجل كسب عقول الشباب وأعماقه، فالفكر المتطرف يسعى إلى اجتذاب هؤلاء لأسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية، فيجب على القيادة السياسية ومنظمات المجتمع المدنى القضاء على هذه العوامل قبل إلقاء اللوم على الدين».