لا تحزن يا سيادة المستشار .. فالحزن في بلدنا، بات قدر الشرفاء .. لا تبتئس أيها الشريف .. العفيف .. ودع الملك للمالك .. فإذا غبنك بعض قومك حقك .. فعند الله تسترد الحقوق .. وهل غير الله ابتغيت؟ .. وهل لغيره توليت؟ .. ألم يكن دأبك، وجهدك، وإخلاصك، وعملك .. فقط .. لوجهه سبحانه وتعالي.. ثم ألم يكن عطاؤك، وإخلاصك، ونقاء سريرتك، هو ترجمة للتعاليم الإلهية، التي تحضنا علي الخير والوفاء. إذن .. لا تحزن .. وانفض غبار الغضب من فوق قلبك المتيم بحب الوطن، والعاشق لترابه .. إطو تلك الذرات السوداء، التي حاول البعض أن يدفعها صوبكم، فرياحكم الطاهرة .. وملايين المحبين .. وسجلك الذي ما نطق يومًا، إلا صدقًا .. صدت عنك كل قول رجيم .. وذادت عنكم بجنود الصدق آيات المضللين، فتاريخك يا سيادة المستشار هو صفحة ناصعة البياض، رسمتها حروف الصدق، وأمانة الكلمة، وثبات الموقف، والانحياز للناس، والوطن، هي كلمة حق، قلتها في مواجهة سلاطين جاروا علي حقوق البلاد والعباد .. هي علامة مضيئة، قضيتم عقودًا طويلة من عمركم تغرسون ملامحها الصادقة فوق خارطة الوطن. صفحاتكم يا سيادة المستشار، محفوظة، ومدونة بحروفها العطرة، في قلوب ملايين المصريين، الذين تابعوا معارككم البطولية، ووقفاتكم التاريخية ضد رموز الفساد، وأساطين الانحراف .. تحملتم وضاعتهم .. وواجهتم ابتزازهم لشخصك، ومنصبكم، وتعاليتم علي الصغائر، ورفضتم الانزلاق إلي شراك، أعدوها لكم بإحكام .. احتفظتم برباطة جأشكم أمام الألاعيب، وكمائن التفخيخ .. وأنجاكم الله من مكائدهم، يوم انتصر لكم، كما انتصر لأمتنا، بعد أن أزال شباب الوطن الطاهر نظام الفساد، والاستبداد، وخط بدماء الشهداء، الأبرار واحدة من أعظم صفحات تاريخنا الحديث. البعض يتصور أن ذاكرة شعبنا 'واهنة' فيعمل جاهدًا علي إحداث ثقوبه في جدرانها .. متناسين أنهم هم 'الواهون' لأنهم جبلوا علي الخداع .. فهل ينسي عاقل، أنكم، وقفتم في خندق الحق، يوم كانت وجوه ممن نشهدهم اليوم، قابعة في جحور الخوف؟ .. هل يتصور 'المتلونون' أن شعب مصر، ينسي للدكتور المستشار 'جودت الملط' معاركه الحامية، وصولاته وجولاته مع طاغوت الحزب الوطني البائد 'أحمد عز'؟ .. وهل يتوهم هؤلاء أن أبناء الوطن لاتزال عقولهم تحمل ملاسنات وزير الجباية 'يوسف بطرس غالي' .. ورئيس حكومة الفساد 'أحمد نظيف' والتي أرادوا عبرها التشكيك في تقاريركم الصادقة والكاشفة للفساد والمفسدين؟ لا أحد من شرفاء الوطن، ينسي، فذاكرة الصدق تشع بضوئها فوق جنبات الوطن .. والمواقف الخالدة تحفظها ذاكرة الأجيال مهما تباعدت، والكلمة الصادقة تبقي، ما بقيت الحياة، وكم كانت مواقفكم، وكلماتكم، ودفاعكم عن الحق، ومحاربتكم للفساد، وكشفكم لانحرافات علية القوم، في تقارير موثقة، وبيانات صادقة، وأدلة جازمة .. كانت كلها بمثابة شهادات بيضاء، علي عهد، ضربتم فيه أروع الأمثلة، في الانحياز للوطن، والدفاع عن حق الشعب المنهوبة خيراته، والمبددة ثرواته. هذا هو رصيدكم الحقيقي يا سيادة المستشار.. وتلك هي قيمتكم الحقيقية .. وذاك هو سجلكم الطاهر، الذي يتحدث عن نفسه، ويرد بالحقائق علي الأكاذيب، .. ويضع الوقائع أمام الأوهام .. وهو رصيد، يحفظه لكم جموع المصريين، الذين يدرون دوركم، ويتغنون بعطائكم، ويدعون الله أن يجازيكم بالخير علي كل ما قدمتموه من بذل وعطاء. كم كنت أتمني .. ويتمني غيري من ملايين المصريين، أن يقف الجميع، وأنتم تغادرون منصبكم كرئيس للجهاز المركزي للمحاسبات بعد خدمة مشرفة، ليقدموا لكم الزهور والرياحين، تعبيرًا عن خدماتكم الجليلة للوطن، والأمة، بدلاً من تلك الأفعال الصغيرة التي أقدم عليها بعض من لا يقدّرون عطاءك الوطني النبيل، ولكنه قدر الشرفاء، والقديسين، أيها المستشار الجليل .. فلا تجزع .. ولا تبتئس .. فتلك ضريبة الشرفاء في هذا الزمان .. وكل زمان.