حل ضيفًا عزيزًا وغاليًا على هامش معرض مكتبة الإسكندرية الدولى للكتاب هذا العام وإن كان حضوره مختلفًا على غير المعتاد حل روحًا وليس جسدًا انه الغائب الحاضر دكتور مصطفى العبادى آخر جيل المؤرخين وواحدًا من أعظم من أنجبت مصر ورغم ذلك لا يعرفه سوى القلائل من المثقفين والمبدعين. عندما منحته الجامعة الكندية بمونتريال الدكتوراة الفخرية قالت يحق له إن يعتز بأنه اضطلع بالمهمة التى أسندها الملك بطليموس إلى ديمتريوس ألفاليرى فقد أوكل للعبادى احياءها مرة أخرى انه الأب الروحى لمكتبة الإسكندرية التى أراد لها ان تكون بمثابة مستودع لجميع المعارف الإنسانية كما كانت. كان الراحل يؤمن أننا لن نتقدم ما لم تكن لدينا مكتبة عالمية عظيمة تعيد لذاكرة العالم الصورة الذهنية عن الإسكندرية القديمة عندما كانت جسرًا للحضارة بين الشرق والغرب ومدينة عالمية للفكر، انها سيدة معارف العالم تلك التى حلم بها الأسكندر الأكبر وقد كان له ما أراد. وكان لدكتور العبادى أيضًا ما أرد. بدأ حلمه الكبير بفكرة طرحها عام 1972 فى محاضرة بنادى أعضاء هيئة تدريس جامعة الإسكندرية.وظلت الفكرة تكبر داخله وتتنامى فلم ييأس أو يركن لسلطة تتبناها بل جاب العالم شرقا وغربا يروج لها فكان خير سفير إلى ان تحقق الحلم عام 1986 وكان لمؤلفه مكتبة الإسكندرية القديمة سيرتها ومصيرها الذى ترجمته اليونسكو إلى ست لغات أبلغ الأثر فى حشد الدعم الأممى والدولى لإحياء الفكرة وبلورتها. لم يكتف الراحل بنجاح دعوته بل صاحب كل مرحلة من مراحل مشروعه التراثى الإنسانى العالمى بدءًا من إقناع الهيئات المشرفة والممولة مرورًا باختيار المكان الذى أقيمت عليه وصولًا لاختيار التصميم. ولم يكتف بذلك بل أهداها من مكتبته الخاصة ثروة علمية لا تقدر بثمن أهمها المخطوطة النادرة عن جوستنيانوس التى تعود إلى القرن السادس عشر. مكتبة الاسكندرية التى حاول البعض ان يقصيها من مشهد افتتاحها وينسب فضل احيائه لنفسه أبى التاريخ ألا أن ينصفه فى أنصع صفحاته. لم تكن المكتبة سوى واحدة من إسهاماته وان كانت الأهم فكان عالما من طراز خاص له اسهامات متميزة أن لم تكن متفردة فى محراب مدرسته التى أساسها لدراسة الحضارات اليونانية والرومانية. ويرجع الفضل للعبادى فى دحض الادعاء بأن العرب هم من أحرقوا مكتبة الإسكندرية القديمة بعد أن أثبت انها لم يكن لها وجود على الإطلاق عند الفتح الإسلامى. ويرحل العبادى فبراير الماضى فى صمت وهدوء مائل شخصيته التى لم تكن تحب الضخب تاركًا للتاريخ تراثًا فكريًا وحضاريًا بعد ان حصل على العديد من الجوائز العالمية الرفيعة. رحم الله دكتور العبادى الذى نعته الدوريات العلمية والصحف العالمية ولم ينعه فى مصر سوى مكتبة الإسكندرية وجامعته.