فى ضوء القرارات الصارمة الصادرة من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب خلال بداية عهده والتى تتعلق بسياسته الخارجية تكشف لنا ملامح تلك السياسة ومنها إصراره على تنفيذ وعوده الانتخابية فى مجال التصدى للإرهاب ومحاربة الفوضى والنزاعات فى منطقة الشرق الأوسط وبلدان أخرى كقراره بمنع دخول مواطنين من سبع دول إسلامية لأمريكا غير مكترث بما يتعرض له من انتقادات دولية وداخلية، وفى الوقت نفسه انفتاحه على بعض الدول المحورية والهامة فى منطقة الشرق الأوسط من خلال مكالماته الهاتفية المطمئنة مع زعماء تلك الدول كمصر، والسعودية، وأبوظبى ثم استقباله للملك عبد الله كأول زعيم عربى يزور أمريكا فى عهده الأمر الذى يدعونا إلى عدم التورط مع الآخرين لأخذ موقف من أمريكا بسبب توجهات ترامب تجاه تلك الدول الساخطة على أمريكا والداعية إلى اتخاذ موقف عدائى منها انطلاقا من حفاظنا على مصالحنا ومصالح المنطقة، وكذلك تهديده لإيران وفرضه عقوبات اقتصادية قبل يومين على شخصيات إيرانية بعد تجربتها الصاروخية الأخيرة و التصريحات ذات النبرة القتالية التى صدرت من مايكل فلين مستشار الأمن القومى الأمريكى التى تدعو إلى مراقبة إيران العسكرية، إضافة إلى تصريحات وزير الدفاع الأمريكى التى ترى أن إيران أكبر دولة راعية للإرهاب بالعالم الأمر الذى يمكن أن يتطلب مواجهتها وهو ما يطمئن دول الخليج. وعن علاقة ترامب بالاتحاد الأوربى فإن تلك العلاقات الآن وفى هذا العهد الجديد تبدو فى أسوأ حالاتها بسبب السياسة الحمائية الجديدة التى دعا إليها الرئيس ترامب وعدم ترحيبه بما يسمى بالأسواق الحرة لأمريكا مع الدول الخارجية ومنها دول الاتحاد الأوربى والصين ودول أمريكا الجنوبية مقابل عمله على منع تلك الأسواق وفرضه رسومًا جمركية على منتجات تلك البلدان ودعوته الشركات الأمريكية للعمل داخل أمريكا حفاظا على هوية المنتج القومى المحلى وفتح آفاق جديدة للاستثمار والتوظيف الأمر الذى جعل الاتحاد الأوربى يسعى إلى الحذر والخوف من تلك الإجراءات التى يمكن أن تضعف الاقتصاد الأوربى وذلك بعد ترحيب ترامب بخروج انجلترا من الاتحاد الأوربى ودعوته بالدخول معها فى شراكات تجارية واقتصادية جديدة خلال استقباله لتريزا ماى رئيسة وزراء انجلترا كأول زعيمة أوربية تغرد خارج سرب الاتحاد الأوربى ما دفع بالاتحاد إلى انفتاحه على خلق أسواق وشراكات تجارية جديدة مع دول كمجلس التعاون الخليجى ناهيك عن تخوف دول الاتحاد الأوربى من دعوة ترامب بإعادة هيكلة ما يسمى بحلف الأطلنطى وإصراره على تسديد كل دوله بالحصص المالية المقررة عليها من أجل ضمان الحصول على دعم صندوق الحلف لتكلفة العمليات العسكرية الخارجية تجنبا لتحميل أمريكا تلك الأعباء على غرار ما كان يحدث بالماضى. وكل ذلك يجعل دول الاتحاد تعيش هذه الأيام على صفيح ساخن، ومن قراراته الخارجية تجاه الصراع الإسرائيلى الفلسطينى هو عمله على تنفيذ وعوده بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس وتصريحات البيت الأبيض الراضية عن قرارات إسرائيل بتوسيع المستوطنات والتى تثبت أن إدارة ترامب لا ترى فى الاستيطان الإسرائيلى فى الضفة الغربيةوالقدس عقبة أمام السلام، ومن قراراته الخارجية أيضا هو إصراره على أن تتحمل المكسيك تكلفة بناء الجدار الحدودى معها مما دفع مؤخرا برئيس المكسيك بينا نيتو إلغاء زيارته لأمريكا التى كانت مقررة الأسبوع الماضى احتجاجا على سياسة ترامب الجديدة تجاه بلاده، وعن نظرة ترامب للأوضاع المتأزمة فى سوريا فإنه عازم على إقامة مناطق آمنة للاجئين السوريين أمام اعتراض روسيا والنظام السورى لهذا المقترح، وعن العلاقة مع روسيا فمازالت ألوان السياسة الأمريكية غامضة تجاه العلاقة مع روسيا وإن كان ترامب قد سبق أن رحب بعمله على الانفتاح والشراكة مع روسيا والتى لم تتضح بعد. يبقى أن نشير إلى علاقته المتأزمة الآن مع استراليا بسبب عدم استجابتها لاستقبال اللاجئين من خلال المكالمة الهاتفية التى أجراها ترامب مع رئيس وزراء استراليا والتى رآها عبر تغريدته على توتير من أسوأ المكالمات الهاتفية التى أجراها مع زعماء العالم مؤخرا الأمر الذى تراه استراليا إهانة لرئيس وزرائها,كذالك فان الزيارة التى قام بها وزير الدفاع الامريكى مؤخرا إلى كوريا الجنوبية تعتبر رسالة تهديد إلى دول المنطقة وخاصة الصين وكوريا الشمالية مفادها هو أن أمربكا عائدة بقوة لحفظ الأمن فى دول بحر الصين الجنوبى. إن تلك القرارات التى بدأ يصدرها ترامب ويعمل على تنفيذها يوما بعد الأخر أحدثت هزة أرضية وتخوف داخل أمريكا وخارجها فى الكثير من بلدان العالم والغريب هو أن ترامب ينفد وعوده غير عابئ بكل ردود الفعل الغاضبة والتهديدات فى الداخل والخارج مما يثبت أن ترامب مصر على خلق إستراتيجية جديدة لمواجهة ومعالجة الكثير من الملفات الشائكة التى تسبب وتقاعس فيها الرئيس الأمريكى السابق أوباما والتى قلصت دور أمريكا وسياستها الخارجية التى كانت فاعلة ومؤثرة سابقا فى كل قضايا العالم وذلك من أجل حرصه وتوجهه الجديد لخلق ما يسمى بأمريكا الجديدة التى تمثل الحلم الأمريكى المتمثل فى شخصه.