وفان السيد «دولار» أخذ أمامه قيما قبل أن يأخذ فى قدميه جنيهنا المسكين الذى كانت مفاجأة تعويمه فى الإعصار صادمة، خاصة أن اليوم السابق كان قد شهد قرارات بوقف الاستيراد لمدة محددة وهى القرارات التى أعقبها هبوط فعلى للدولار فى مواجهة الجنيه، وانخفاض واضح فى اسعار الذهب، ومثلت ضربة قاصمة للسوق السوداء، أدت إلى اندفاع مكتنزي الدولار لبيع ما لديهم خوفا من مزيد من الانخفاض، ودون انتظار لما ستسفر عنه تلك الخطوة ولو لبضعة ايام، جاء قرار التعويم فى اليوم التالى ليضرب ما تشبعنا به من أفكار حول عدم إمكانية حدوث ذلك، وليضرب فرحة طاغية كانت معالمها واضحة على كل مواقع التواصل الاجتماعى، ويهدم فكرة توقف الحكومة عن اتخاذ اى إجراءات من شأنها إثارة الغضب الشعبى قبل 11 نوفمبر الجارى، كنا قد تحولنا جميعا فى الأيام السابقة إلى علماء اقتصاد، حساباتنا مبنية ببساطة على سر اختفاء ملعقة السكر الصغيرة التى يحلى بها الفقير كوب شايه والتى تمثل فاكهته الوحيدة، وعلى هؤلاء البؤساء الذين يربطون على بطونهم، ويدخرون فتاتهم ليتمكنوا من تزويج الابن أو الابنة، هؤلاء هم من ضربوا بقسوة، استيقظوا فاكتشفوا أن فتاتهم تلاشى وان اللحظة التى تصوروا فيها أن لديهم مبلغا يمكن أن يفعل شيئا هى نفس اللحظة التى اكتشفوا فيها أن ما لديهم انخفضت قيمته إلى النصف، وان الأسعار قد صعدت ولن يستطيع مخلوق إنزالها وقد تشبثت بنجوم السماء بينما الأيدى القصيرة العاجزة تنحت صخر الأرض لتستقيم حياتها، الفقير المعدم تأثر دون شك بملعقة السكر الغائبة والطبقة المتوسطة ضربت فى مقتل بانهيار مدخراتها التافهة التى تمثل قرشها الأبيض الذى قد ينفع لليوم الأسود، قرش العجوز الذى يشترى له الكفن ليستره عند الممات، وقرش الادخار الذى يعلم الابن أو يسهم فى تزويجه، المشكلة الحقيقية أننا جميعا شعرنا بحالة من انعدام الثقة..نعم، انعدمت الثقة تماما بعد كل تلك التصريحات المتضاربة والتأكيدات الكاذبة لحكومتنا الغراء، والتى توثقها الفيديوهات التى لا تموت لإعلاميين كانوا لسان الدولة ،والمشكلة الكبري أننا عجزنا عن الفهم او التنبؤ بأى شىء، أما اللطمة التى أحس بها على وجهى حقا، فذلك اليقين الذى وصل إليه كثيرون بأن الهجرة هى الحل.. ويبدو أن من يفكرون فى ذلك يفهمون معنى إضافيا للآدمية يزيد علي هذا الذى ذكره محافظ بورسعيد الذى وبخ الشعب المتعب المنهك قائلا «احمدوا ربنا على وجود دولة نعيش فيها ونبنى ونعمر ونأمن بداخلها تحت حماية أجهزتها».