رغم الحزن الطاغى برحيل «شاعر الربابة».. سيد الضوى مؤخرًا، فإن قطب الهلالية.. الخال عبد الرحمن الأبنودى.. سيكون سعيدًا فى «دار الحق» لاستقباله آخر رواة السيرة الهلالية بعد أن سبقهما الراوى الأشهر جابر أبو حسين فى تسعينيات القرن العشرين. ورغم أن المرحوم سيد الضوى لم يتعلم القراءة والكتابة نظريًا، فإن الله أعطاه بسطةَ فى الوعى والبصيرة جعلته يقارع أعتى المثقفين- بل يتخطاهم- إذا ما تعلق الأمر بسيرة بنى هلال وحكايات «أبو زيد الهلالى سلامة» وصراعاته المدوية مع «وحوش الفلوات»، ومع «جان الربع الخالى»، وحربه مع القبائل من أجل توحيد كلمة العرب، فضلًا عن تغريبته إلى تونس الخضراء. فى عام 1934م، ولد الضوى فى قوص بصعيد مصر، وورث عن أبيه وعمه حب السيرة الهلالية حيث حفظ آلاف الأبيات التى توثق للسيرة الأشهر فى بر مصر، لا سيما فى صعيدها، متأثرًا كذلك بأشهر رواتها العم جابر أبو حسين. ولأن السيرة الهلالية تجمع محبيها، كان منطقيًا أن يلتقى الضوى بالخال عبد الرحمن الأبنودى )الموثق الرسمى للسيرة- على حد وصف الضوى( حيث قطعا سويًا رحلة ممتدة عبر السنوات للبحث والتوثيق لسيرة بنى هلال فى أرجاء مصر، وفى تونس وليبيا والجزائر والمغرب والسودان ومناطق إفريقية، فضلًا عن عرض لأجزاء منها فى عدة دول أوربية.. فى عام 2010 م انتهى الأبنودى وبصحبته الضوى من تسجيل حوالى 135 حلقة من السيرة الهلالية للتليفزيون المصري، وفيها أبدع الضوى بنبرة صوته المميزة وحركات يديه وإضافاته الدالة على عشق متأصل للسيرة ولأحداثها وشخوصها خاصةً أن الضوى لم يكن يرى لنفسه أى وظيفةً أخرى غير «شاعر السيرة الهلالية». وقد تسلح عم سيد الضوى طوال مسيرته مع عشق سيرة بنى هلال بجناحين: الذاكرة الفولاذية فى حفظ أبيات السيرة وأحداثها وشخوصها، والربابة التى كان يرى أن رواية السيرة لا تتم إلا بها، رافضًا استخدام أى آلة أخرى مصاحبة. ولأنه كان ذا وعى بارز، رفض الضوى دائمًا وصف السيرة الهلالية ب«إلياذة العرب» حيث يرى أن هناك فارقًا ثقافيًا ودينيًا كبيرًا بينهما، فالسيرة أصولها التاريخية ثابتة ومؤرخة فى «مقدمة ابن خلدون» ومستقرة فى صميم الوجدان الشعبى.. المصرى والعربي، أما «الإلياذة» فهى حالة أسطورية للصراع والحروب مع الآلهة والشياطين. وفى الهلالية حروب لكنها تنتصر لقيم ومبادئ ودروس وعِبر على أرض الواقع، وليست مجرد «فلسفة فارغة»!!.