تري الدول النامية أن المعدلات المتزايدة للنمو السكاني تمثل عبئا كبيرا على كاهل مواردها وعائقا خطيرا لجهودها في مجالات التنمية الاجتماعية والاقتصادية. من هذا المنطلق اتجهت تلك الدول الي تبني سياسات سكانية ترمي الى الحد من النسل أو إلى تنظيمه لكي يتسنى لها التخطيط الجيد لمشروعاتها والتنفيذ الفعال لها. وهنا يثور التساؤل، هل الأسرة هي التي يجب ان تتخذ قرار تحديد النسل تمشيا مع سياسات الدولة ؟ أم ان الدولة هي التي عليها ان تتدخل بصورة مباشرة في حياة المواطنين وتفرض عليهم أساليب تحديد النسل لكي تضمن التزامهم بسياستها السكانية وخطتها التنموية . وإذا قررت الأسرة ان تتولى اتخاذ هذا القرار لأنها ترى أن انجاب الاطفال أمر من أهم خصوصياتها بل وقد يكون الأمر الوحيد الذي يعتد فيه برأيها وخاصة في ظل النظم التسلطية حيث تكون اختيارات المواطنين محدودة وقراراتهم غير مؤثر، . سنجد ان قرار الإنجاب قد يحتكره الزوج وقد يتنازل عنه للزوجة، ومن المحتمل أن تتدخل في اتخاذه أسرة الزوج أو أسرة الزوجة وقد يتأثر في صدوره بثقافة المجتمع واتجاهاته وعاداته وتقاليده و قيمه ومعاييره . اما اذا رأت الدولة وضع سياسىة سكانية عامة تلزم بها مواطنيها فإنها يجب ان تكون على يقين من أن المواطنين سوف يتعاونون معها لتطبييقها وانهم يدركون متطلبات هذه السياسة ويحرصون على نجاحها . وتعد تجربة الصين وسياستها السكانية التي تم تنفيذها تحت عنوان : طفل واحد لكل اسرة واحدة ، من ابرز التجارب التي كانت مثيرة للجدل وقد صحب تنفيذها منظومة من العقوبات التي توقع على المناوئين لها والمعوقين لتنفيذها. إن السياسة السكانية الناجحة هي التي تقوم على أساس من التفاهم المشترك بين واضعي تلك السياسة والقائمين بتفيذها ، ذلك ان السياسة تتضمن في جوهرها إجراءات محددة لتوجيه السلوك الانجابي للأفراد نحو اهداف معينة وذلك إما بتغييره او بالتأكيد علي ثباته ليكون في اتجاه معين. وهذا التغيير في السلوك الانجابي له آثار لا تتعلق بالمرحلة التاريخية الراهنة التي يمر بها المجتمع فحسب وإنما تمتد لترتبط الى حد كبير بما سوف يكون عليه حال المجتمع وهيكله السكاني في المستقبل القريب أوالبعيد. لكل هذه الأسباب يعد اقتناع المواطنين بسياسة سكانية معينة وإيمانهم بالأهداف التي ترمي الى تحقيقها ضمانا في حد ذاته لنجاح هذه السياسة. ويمكن ان ينتهي الحال بالسياسة السكانية الى الفشل إذا اعتقد المواطنون ان المسؤولين في الدولة يتخذون الزيادة السكانية التي تشكو منها الدولة ذريعة أو تكئة لتبرير فشلهم الاقتصادي وانحرافاتهم المالية وأخطائهم التخطيطية التي تؤدي الى هدر موارد المجتمع وتبديد امكانياته وطاقاته. إن الخطأ الجسيم الذي يقع فيه السياسيون هو أن يبرروا أزمات الدولة بنسبتها الى الزيادة السكانية ، وهو تبرير سئم الناس الاستماع له ، في وقت يقرأون ويسمعون عن مليارات الدولارات التي تنهب وتهرب الى الخارج ولا تعود .. ولهذا ينبغي ان يتم رسم السياسة السكانية للمجتمع المصري في اطار اجتماعي وثقافي يراعى فيه التوجهات الثقافية المصرية عامة والإسلامية خاصة، وأن يتم ذلك بتوافق بين الدولة ومواطنيها حول الأهداف المرجوة من السياسات التنموية، والدور المأمول من السكان في انجاز برامج التنمية. ان المواطن قد يردد فى نفسه قائلا : لم يبق الا ان تقول لي الحكومة انجب ولا تنجب. ان وتحديد النسل أو تنظيمه يجب ان يكون قرارا يصدر عن اقتناع الزوج والزوجة وأهلهما بأن المصلحة العائلية والسياسية تقتضي تطبيق سياسة سكانية تحظى برضي وتوافق الجميع. الباحثه فى علم الاجتماع.