مع الأزمة الإقتصادية العالمية عام 2008 قررت الولاياتالمتحدةالأمريكية الإنسحاب العسكري الإستراتيجي من منطقة الشرق الأوسط. كانت العراق أولى محطاتها عام 2011، تلتها بتنفيذ الإنسحاب الكامل من اقغانستنان عام 2014 قبل أن تتراجع بإنسحاب جزئي عام 2015. كانت منظمة شانغهاى قد بدأت في الإعلان الرسمي عن نفسها عام 2001 بإنضمام أوزبكستان إلى أعضائها المؤسسين:الصين-روسيا-كازاخستان-قيرغيزيا-طاجيكستان. الأهداف المعلنة للمنظمة هي مكافحة الإرهاب ومواجهة التطرف،والحركات الانفصالية،والتصدي لتجارة الأسلحة والمخدرات. إلا أن الاستراتيجية الخفيه تستهدف تتشكيل حلف عسكري جديد في مواجهة حلف الناتو. بدأ الإنسحاب الأمريكي من المنطقة بسياسية الأرض المحروقة بإشعال ثورات الربيع العبرى عام 2011. لم يكن الهدف الاستراتيجي تقسيم الجمهوريات العربية بقدر تفكيك الجيوش النظامية لها،تليها عمليات إحلال وتبديل لهذه الجيوش بجيوش القاعدة والجماعات المنبثقة عنها، بقيادة تيار الإسلام السياسي لجماعة الإخوان بزعامة آردوغان مُرشح المفكر الداهية هينتجتون في داهيته "صراع الحضارات". وبنهاية المطاف تبدأ هذه القوى في الأزاحة والاصطفاف ناحية دول القوقاز لضرب روسيا في خاصرتها الجنوبية في الإصدار الثاني من الحرب الباردة بالتوازي مع عمليات الإزاحه حتى حدود الصين مرورا بالدول الأعضاء في شانغهاي مع تفعيل دور الخلايا النائمة داخل مجتمعاتها الإسلامية للوصول إلى ثورات ملونة جديدة تقضي على هذا التحالف. جاءت ثورة المصريين 2013 لتجهض هذه الرواية مؤقتًا بعد أن اسقطت حكم الإخوان فى القاهرة لتضعف حلقة الوصل بين الاستخبارات الغربية وجماعات القاعدة المنتشرة على الأرض . في هذا التوقيت كان نجم شانغهاي يلوح بالأفق، خاصًة بعد أن دخل فى تحالف استراتيجى مع مجموعة بريكس التى تأسست بعد عام على انقاض الأزمة الإقتصادية العالمية والتى ضمت بين أعضائها الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي بالعالم : البرازيل-روسيا-الهند-الصين وجنوب أفريقيا. عقدت أول قمة لها في ييكاتيرينبرغ بروسيا عام 2009 حيث تتضمنت الإعلان عن تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية. جاء الرد الأنجلوساكسون على ثورة المصريين في 29يونيو2014 بتحويل القاعدة كشبكة إرهابية إلى دولة خلافة تمهيدا لخلق اضطرابات في جميع أوساط الشعوب المسلمة في روسيا و الصين، فجاء الرد سريعًا في 14 يوليو من مجموعة البريكس بقمة فورتاليزا بالبرازيل بإعلانها انشاء صندوق احتياط نقدي (بمساهمة صينية بشكل رئيسي) وكذلك مصرف بريكس للتنمية, كبديل لصندوق النقد الدولي, والبنك الدولي, أي كبديل عن نظام الدولار الأمريكي. لترد أمريكا فى 19 يوليو بإتهام روسيا باسقاط طائرة الركاب الماليزية فوق "أوبلاست دونيتسك "بشرق أوكرانيا، وأجبرت الدول الأوروبية على فرض عقوبات ضد نظام روسيا المالي في محاولة لتقويض تحركات الدب الروسي السريعة. مع مطلع عام 2015 أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن روسيا ستستغل فترة رئاستها لمنظمة شانغهاي للتعاون ومجموعة بريكس لمنح نشاط هذين الإطارين نبضا جديدا. وبالفعل أعلنت البريكس في إبريل انها تدرس فكرة إنشاء إمكانية تأسيس وكالة تصنيف ائتماني مستقلة داخل المجموعة لتقييم الاقتصادات بشكل مستقل وموضوعي بعيدا عن التسييس، فالحاجة إلى إيجاد مؤشرات بديلة ونهجًا أوسع لتقييم الاقتصادات بشكل صحيح باتت ضرورية في ظل قيام وكالات التصنيف الأمريكية "ستاندرد أند يورز" بخفض تصنيف روسيا الائتماني، والتي وصفها رئيس الوزراء الروسي دميتري مدفيديف بالأداة السياسية المفضوحة. في 9 يوليو2015 قامت ال بريكس بعقد قمة مشتركة مع منظمة شانغهاي للتعاون والاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي( روسيا - روسيا البيضاء- أرمينيا- كازخستان) في "باشكورستان" الروسية . وفيها أعلنت البريكس عن تفعيل دور بنك التنمية بقيمة 100 مليار دولار وكذلك صندوق الاحتياطيات النقدية ب100 مليار آخري، كما أعلنت شانغهاي عن إنضمام الهند وباكستان إلى المنظمة بعد أن نجحت موسكو في إقناع بكين بضرورة إنضمام الهند في مواجهة الإرهاب القادم متخطية النزاع التاريخي بين الصينوالهند على الحدود المشتركة بينهما المطلة على جبال الهيمالايا والتي أدت إلى حرب62، وحرب المياة الدائرة بين الطرفين الآن بعد بناء الصين لسدود على أنهار هضبة التيبت والتي ستعود بالسلب على الأمن الغذائي للهند التى تمتلك باع طويل لصراع لا ينتهى مع باكستان منذ تقسيم القارة الهندية بعد الحرب العالمية الثانية ونزاع الدولتين على سيادة كلًا منهما علي إقليم كشمير. إذًا نحن أمام تحالف دولي أسيوي جديد يترفع عن المشاكل والنزاعات لتكوين تحالف عسكري موازي يشكل عالم متعدد الأقطاب في مواجهة أمريكا والاتحاد الأوربي. ومن المنظور النووي العسكرى فانضمام باكستان والهند إلى شانغهاي، جعل من هذا التكتل الإقليمي تحالفاً يتألف من أربع دول نووية، ما يعني تحقيق توازن إستراتيجي مع العالم الغربي الذي يضم ثلاث قوى نووية هي الولاياتالمتحدةوبريطانيا وفرنسا، ليأتي الرد موجع من بوتين بعد استمرار أمريكا بالتوسع في برنامج الدرع الصاروخي النووي الدفاعي على الأراضي الأوربية رغم إنهاء الروس لفزاعة النووي الإيراني . شانغهاي التي أصبحت ساحة للبحث عن حلول وسط حول المسائل الخلافية بين الدول الأسيوية، الآن تشارك فيها دول مصر وإيران وأفغانستان ومنغوليا كمراقب، كما تتمتع بيلاروسيا وسيريلانكا وتركيا كشريك في الحوار. وفي حسابات التوازنات الدولية أصبحت المنظمة عامل إغراء حتى لدول خارج الإقليم مثل مصر مع ازدياد حجم التحديات التي تستهدف إستقرارها، والآن هناك مساعي روسية للموافقة على طلب إيران بالإنضمام، ومع تزايد احتمالات خروج تركيا من عبائة المعسكر الغربي فبالتأكيد لن يجد آردوغان ملاذ آمن وبيئة حاضنة أفضل من شانغهاي- بريكس وقد بدأ بوتين فعليًا الإستعداد لهذه المناسبة السعيدة. أما مجموعة بريكس فتبلغ مساحتها26% من مساحة اليابسة على الكرة الأرضية، وعدد السكان الإجمالي يبلغ 42% من عدد سكان الأرض الإجمالي، وفي عام 2013 بلغت حصة بريكس من حجم التبادل التجاري العالمي16.1%، والنفقات العسكرية 10.8%، وفي إنتاج مصادر الطاقة تمثل 40.2% من الإنتاج العالمي للطاقة. هكذا سيتم تشكيل موازين القوى العالمية الجديدة في عالم متعدد الأقطاب ينتظر تفكيك الاتحاد الأوربي بعد خروج بريطانيا (تمثل15% من ميزانية الدفاع). وقد بدأ بنك أوف لندن عبر شركات الآوف شور في جس نبض الصين والترويج لليوان الصيني، بعد إدراك الأنجلوساكسون بالشيخوخة الأمريكية، وبدأ دونالد ترامب للترويج عبر حملته الرئاسية إلى تقوقع بلاده خلف حدودها لبناء أمريكا الصناعية الجديدة والقضاء على العولمة وعرض الجيش الأمريكي كمرتزقة لمن يدفع له يخرج للدفاع عنه.